المنبرالحر

ميّت وما خلصان من دفع الفلوس / عبد السادة البصري

في كل مرة أردد اغنية فريد الاطرش (تطلع من البحر أطلع لك... تنزل من السما أنزل لك) وأنا أستمع الى بعض الحكايات والأحداث التي لا يستسيغها العقل. لأظل استرجع بعض ما سمعته من والدي (الرحمة والنور له) حينما كان يحدثني في سبعينات القرن الماضي عن مواقف كثيرة مرت بأناسٍ ظل الإقطاع والاستبداد يسلبهم حقوقهم كلها ــ حتى أعز الأشياء.
ذات يوم حدثني عن أحدهم ــ أقصد أحد الإقطاعيين ــ عندما طالب أهل القتيل بدفع ما بذمة قتيلهم لكي يستطيعوا دفنه وإقامة مأتم العزاء له.. والقتيل كان أحد الفلاحين الذين يعملون عنده وقد قُتلَ اثر خلاف نشب بين الإقطاعي ذاته وجماعة إقطاعي آخر..
وأعود كذلك الى فترة الثمانينات والتسعينات حينما كان النظام الفاشي المقبور يطالب أهل المعدوم بثمن الرصاصات التي أُعدمَ بها... ذات مرة قرأت عن سيدٍ في بعض الإقطاعيات الأوربية كان يطلب من عبيده أن يدفعوا تعويضا له عن موتهم كضريبة منهم لكي يدفنوا بعد الموت ويقام لهم العزاء... وغيرها من المواقف التي تذكرني ببعض مشاهد وأحداث الأفلام الهندية ـــ وما أكثرها ــ من مشاهد ولقطات غريبة عجيبة يعجز العقل عن تصورها لعدم مقبوليتها منطقياً ــ مشاهد ولقطات مفبركة.
عدت الى هذه الأحاديث والحكايات حينما سمعت أن دائرة الطب العدلي رفضت تسليم جثامين ضحايا التفجيرات لذويهم إلا بعد أن يقوموا بتسديد مبلغ ما... قلت في سري وبشيء من الدهشة: هل يُعقل هذا؟!
وتكرر نشر هكذا أخبار وغيرها تفيد بأن رسوما مالية تفرض على كل من يراجع دوائر الصحة.. لأعيد التساؤل مرة أخرى: رسوم على المراجعة لغرض الفحص والعلاج ممكن.. لكن لتسليم جثة ضحية مغدور راح بسبب الإرهاب وعدم الاستقرار الأمني.. هل يعقل هذا؟! ضربت كفاً بكف قائلا لنفسي. كل شيء معقول في الأفلام الهندية ــ مع تقديري للسينما الهندية ــ لأن كل ما يحدث الآن وما نسمعه أو نقرأ عنه أشبه ما يكون بالفلم الهندي من حيث (الفبركة).. كما إنني قبل أيام قرأت أن إحدى الأمهات الثكالى ــ وما أكثرهن في وطني ــ لم تستلم جثمان فلذة كبدها المغدور في سبايكر إلا بع أن دفعت رسوم الكفن والتابوت.. حيث ذهبت إلى السوق واشترت كفنا وجلبت تابوتاً لتستلمه! أيعقلُ هذا؟
أم أن حياتنا الآن صارت فلماً هندياً ليكون كل شيء في عداد المعقول فرضياً.. بمعنى حتى الميت لن ينفذ بجلده من ال(خمط) والسلب؟!
و (وراك وراك دايما...اتبع خطاك دايماً).