المنبرالحر

في ذكرى التأسيس الثانية والثمانين / لفتة عبد النبي الخزرجي

في الحادي والثلاثين من آذار من كل عام، يستذكر الشيوعيون بكل الاعتزاز عبق الذكرى وأريج العطر والق التاريخ المضمخ بالتضحيات الكبيرة، والمعطر بالحب السرمدي لأولئك الرجال الأفذاذ الذين صنعوا هذا المجد الشامخ وسطروا البطولات على طريق الوطن الحر والشعب السعيد.
ولكي نتعرف على أول احتفالية يقيمها الشيوعيون لاستذكار ميلاد حزبهم، نذهب إلى الجزء الأول من كتاب طيب الذكر الرفيق عزيز سباهي "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق " حيث نقرأ : ان تقليد الاحتفال بميلاد الحزب ارسي لأول مرة في سجن بعقوبة المركزي، عام 1954م، حين كان يجتمع هناك معظم السجناء الشيوعيين الذين عاشوا مع يوسف سلمان يوسف "فهد" في سجن الكوت.
ان هذا التاريخ هو المصدر الأول الذي تعرف الشيوعيون من خلاله على ذكرى تأسيس حزبهم، فكانت الاحتفالات قد استمرت لتعيد إلى أذهان الشيوعيين ان حزبهم متمسك بدرب النضال ولن يوقف مسيرته أو يقف حجر عثرة في درب عطائه ونشاطه، أي عائق أو مانع أو حاجز.
أما عن المؤسسين الأوائل الذين ارسوا اللبنات الأولى في بناء هذا الحزب العملاق، فقد وردت أسماؤهم في الجزء الأول من كتاب " عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي "القادم من النجف، حيث يذكر عزيز سباهي وهو يتحدث على لسان احد المؤسسين وهو "حسن عباس الكرباس" الذي يذكر قائمة تضم عددا من أسماء الأعضاء الذين اعتبرهم الحزب من الذين شاركوا في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي.. وهم :
(يوسف سلمان يوسف "فهد فيما بعد"، عاصم فليح،قاسم حسن، مهدي جاسم، نوري روفائيل، حسن عباس، يوسف إسماعيل، عبد الرحمن داود،و موسى حبيب )، كما ان سباهي يذكر أيضا، إننا لا يمكن ان نغفل دور الكثير من الشيوعيين الذين كانت لهم بصمة في التأسيس في البصرة والناصرية والعمارة. ومن الأسماء المشهورة في البصرة خاصة " زكريا الياس، سامي نادر، ظافر ".
ان الاحتفال بميلاد الحزب، لا يعني العودة إلى الجذور فقط، بل يعني ان الشيوعيين استطاعوا ان يعبروا الحواجز والعقبات والمصدات الكثيرة التي زرعها أعداء الحزب وعداء الاشتراكية والنظام الديمقراطي والتقدم والحياة. فقد سجل التاريخ بمداد الفخر، ان الشيوعيين ورغم ضآلة إمكاناتهم وعوزهم المادي، إلا أنهم تصدوا ببسالة قل نظيرها، للأنظمة الديكتاتورية والمعادية للشعب، الذي ينشد الانعتاق من نير الظلم والقهر الطبقي ومواصلة التقدم وبناء مجتمع جديد، مجتمع خال من الوجع الإنساني والظلم والقهر الاجتماعي.
ان الثبات والمطاولة والصمود البطولي في اشد الظروف تعقيدا وأصعبها مطاولة، كانت من أصعب ما واجهه الحزب في مسيرته الطويلة التي امتدت ثمانية عقود ونيف.
لم يكن الحزب في بداياته يمتلك الإمكانات الذاتية التي تمكنه من العمل والنشاط في صفوف الشعب، لأنه ببساطة وكما يقول سباهي " لم يكن بوسع حزب صغير العدد وقليل الخبرة، ويفتقر إلى الإمكانات المالية التي تعينه على التحرك الواسع بين الجماهير ان ينهض بأعمال كبيرة في سنيه الأولى. "، إلا ان الكاتب يعود ليتحدث بثقة عالية عن أن الحزب بضآلة تجربته ومحدودية إمكاناته والظروف الصعبة التي أحاطت بنشاطه ونقاط الضعف الذاتية التي اشرنا إليها ، سعى حتى في تلك الفترة المبكرة جدا من حياته إلى ان يخوض في قضايا أساسية تواجه نضال الشيوعيين عادة"، ولذلك فنحن نقرأ في البيان الأول الذي أصدره الشيوعيون في السنة الأولى من عمر حزبهم، والذي كان يحمل عنوان"بيان جمعية مكافحة الاستعمار " وقد كان موجها إلى العمال والفلاحين، إلى الجنود والطلاب، إلى كل المضطهدين: (على سواعدنا قامت الثورة العراقية الأولى*، نحن جماهير العمال والفلاحين، ومن طبقتنا جاءت الآلام والتضحيات وعشرات الألوف من الضحايا، وذهبت المنافع الى الرأسماليين والإقطاعيين وكبار الموظفين.. ولم يكن نصيبنا سوى الجوع والبرد والمرض الذي لا يرحم.. وقطيع من محصلي الضرائب الذين ليست لديهم ذرة من الرحمة والإنسانية )* المقصود هو ثورة العشرين الخالدة.
ومن الشعارات التي رفعها الحزب في بدايات التأسيس الأولى "قووا تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية"، ومن أهم الإشارات التي تؤكد ارتباط الحزب الشيوعي العراقي، بالعمال، وأنه يعيش معاناتهم، ويتلمس عوزهم وشظف عيشهم، ويسعى جاهدا إلى خلاصهم من الجور والبؤس والظلم الذي يعيشونه. وفي هذا الإطار يشير حنا بطاطو، (كان الحزب الشيوعي قد نجح في جعل نفسه جزءا من حياة عمال السكك الحديد، كما انه تعلم التعبير بشكل واضح عن الأفكار التي تضج بها أذهانهم بشكل غير منظم والى درجة أنهم صاروا يرون أنفسهم في الصوت الذي يتحدث به) 1 جزء الأول / عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي / عزيز سباهي.
ثم ان الكاتب عزيز سباهي يذكرنا بزيارة قام بها مع عبد السلام الناصري وإبراهيم منصور، في البصرة إلى أكواخ العمال المحتشدة في منطقة شط الترك في المعقل عام 1946.. حيث كان يحمل بيده "جريدة العصبة " وهي لسان حال الحزب آنذاك، وكيف ان زوجة احد العمال طلبت منه ان يقرأ لها ما كتبته جريدة الحزب حول نضال العمال " بحات أبوك ما تكلي شحاچيه علينه العصبة اليوم ". وعندما يصدر هذا عن امرأة أمية، فهذا يعني ان الحزب كان موجودا يعيش بين العمال في أكواخهم ويفهم معاناتهم ويستلهم ما يدور في أذهانهم ويقود نشاطهم برهافة حس طبقي رائد.
ان الحزب الشيوعي العراقي وهو يستعيد ذكرى التأسيس، والبدايات الأولى، إنما يستعيد تاريخا من الظلم والحرمان والمطاردة والإعدامات، فقد نفذت الحكومة العميلة عام 1949، حكم الإعدام، بكوكبة من قادة الحزب "فهد –يوسف سلمان يوسف، حسين محمد الشبيبي وزكي بسيم "، ولم تتوقف جريمة محاربة الحزب ومطاردته وإعدام قياداته، فقد أقدم عفالقة البعث المقبور على جرائم لا حصر لها عندما أصدروا بيانهم سيئ الصيت " بين رقم 13 " عام 1963 والذي أباح للبعثيين إبادة الشيوعيين، حيث أقدم المجرمون على إعدام قائد الحزب آنذاك "سلام عادل " وكوكبة جديدة من أعضاء لجنته المركزية والكثير من أعضاء ومناصري ومؤازري الحزب، إلا ان التاريخ ما زالت ذاكرته حية وهي تشهد انهيار البعث وشموخ وثبات الشيوعيين، فقد ذهب أزلام البعث وأوباش الحرس القومي المجرم، إلى مزبلة التاريخ، إلا ان الشيوعيين يرفعون راياتهم الحمراء في كل محافظات بلادنا، ويستعيدون دورهم في صناعة التاريخ والمجد ومواصلة النضال بهمة أعلى وزخم اكبر، ويسجلون أروع الصور في التضحية والإيثار ويسطرون أبهى وأجمل ما تختزنه ذاكرة الشعب من قيم الأصالة والرجولة والشجاعة والتحدي والإصرار والثبات على المبادئ التي حددتها مسيرة الحزب في مؤتمراته الوطنية طيلة ثماني عقود من النضال البطولي، وستظل الأجيال تردد شعار الحزب العتيد " سنمضي سنمضي إلى ما نريد.. وطن حر وشعب سعيد ".