المنبرالحر

حول التعامل مع قرار ضم الأهوار الى لائحة التراث العالمي / حسين جاسم محمد

شاءت الصدف ان اتنقل واعيش في اهوار الجبايش والشطرة وناحية الدواية واهوار العمارة منذ اواخر عام 1960 لثماني سنوات.وقد لاحظت خلال تواجدي في الاهوار حياة البؤس والشقاء والتخلف بادية على سكان الاهوار، ولم يدر في خلد الحكومات المتعاقبة الاهتمام بهم واستغلال الموارد المتوفرة في مناطقهم التي تنتظر من يستثمرها. وأرادت حكومة ثورة 14 تموز 1958 انصاف سكان الاهوار، ويلاحظ ذلك من خلال العقد الذي ابرمه وزير الاقتصاد الراحل الدكتور ابراهيم كبة مع الاتحاد السوفيتي السابق في منتصف عام 1959 الذي تضمن عدة مشاريع هي: تعميق مجرى نهر الفرات عند مروره بهور الحمار ليصبح صالحاً للملاحة والاستفادة من الاراضي التي ينحسر عنها الماء لزراعة الشلب (العنبر)، واستثمار الحقل النفطي في هور الحمّار وانشاء معمل لتعليب الاسماك ومعمل لانتاج الالواح التي تصنع من البردي المضغوط الذي يستخدم في بناء البيوت الريفية وغيرها.
وما ان بدأت الشركة اعمالها واجرت المسوحات اللازمة حتى ثارت ثائرة القوى الرجعية والحاقدة – تزامن ذلك مع ارتداد ثورة تموز عن نهجها التقدمي- عندها اجهض المشروع برمته، واستمر وضع الاهوار على ما هو عليه لحين قيام الحرب العراقية الايرانية حيث اقدمت حكومة المقبور صدام على تجفيف الاهوار خاصة بعد انتفاضة آذار 1991 لان الاهوار اصبحت شبحاً مخيفاً له ولحكومته لتواجد اعداد من المعارضة فيها. ولهذا قتلت الحياة في الاهوار وخربت البيئة مما دفع السكان الى النزوح حفاظاً على انفسهم وحيواناتهم.
وبعد سقوط النظام في 2003 قام الاهالي بفتح ثغرات في السداد مما سهل دخول كميات محدودة من المياه، الا انها لا تشجع على العودة الى الاهوار، وبقي القلق وحالة عدم الاستقرار تشغل بال من عادوا الى مناطقهم للتذبذب الحاصل بين زيادة المياه ونقصانها حتى بعد تشكيل هيئة انعاش الاهوار، وفعلا تكبدوا خسائر كبيرة بعد نفوق الكثير من حيواناتهم الا ان الانجاز الكبير الذي تحقق اخيراً بضم الاهوار واربعة مواقع اخرى الى لائحة التراث العالمي سيخلق حالة من الاطمئنان والاستقرار في نفوس سكان الاهوار. ومن اجل انجاح هذا المشروع الحيوي يتوجب تسخير كل الطاقات للعمل على ما يأتي:
• على الجهات المعنية تنفيذ القرار والعمل بهمة عالية لتحقيق الالتزامات التي طرحتها وتطرحها منظمة اليونسكو لاثبات مدى اهليتنا في تحقيق كافة الالتزامات التي يتطلبها تحقيق المشروع، وهذا سيسهل ضم آثارنا الاخرى الى اللائحة،لا سيما وان لدينا خزيناً كبيراً من هذه الآثار والمواقع.
• تشكيل هيئة لادارة هذا الملف المهم تمثل فيها كافة الوزارات ومجالس المحافظات ذات العلاقة، على ان تكون بعيدة عن المحاصصة والتسييس ويجري اختيار عناصرها على اساس الكفاءة والنزاهة والاستقلالية ومن ذوي الخبرة والتجربة والاستفادة من اهالي المنطقة والاستعانة بهم قدر الامكان.
• تشكيل وفد مفاوض مدعوم بارادة سياسية قوية للتفاوض مع تركيا وايران للحصول على حصصنا المائية لان تطوير الاهوار متوقف على المياه على قاعدة: (الاهوار = المياه ).
• اختيار ما هو مناسب وقابل للتحقيق من المشاريع التي جرى التطرق اليها في المقدمة بالاتفاق مع اي طرف لديه القدرة على انجازها.
• الاستفادة من اراضي الاهوار التي انحسرت عنها المياه والتي من الصعب وصول منسوب المياه اليها في المستقبل لاغراض الزراعة التي اثبتت الفحوصات المختبرية انها صالحة لزراعة محصول البطاطا.
• الاستفادة من مياه الاهوار في زراعة كافة انواع الحبوب في اراضي الجزيرة على امتداد الجانب الشرقي للاهوار لان الجزيرة تقع فيما بينهما. كذلك زراعة محصول الذرة الصفراء والبيضاء على ضفاف الاهوار.
• انشاء معمل لتصنيع الحليب ومشتقاته، لا سيما وان مادة الحليب متوفرة بكميات كبيرة في المنطقة وباسعار زهيدة.
• تشجيع الصناعات الحرفية التي تشتهر بها المنطقة التي يجيدها الرجال والنساء مثل صناعة الحصران وعمل الخريط ونسج السلال وتقديم المساعدة لهم وحماية منتجاتهم.
• جعل مناطق الاهوار مناطق سياحية، لما لها من قيمة جمالية واجواء مناسبة فهي تصلح ان تكون مشاتي في فصل الشتاء ومناظر جميلة وخلابة في فصلي الربيع والخريف، وكل ما تحتاجه هو تهيئة البنى التحتية المناسبة.
• فتح باب الاستثمار للاشخاص والشركات الوطنية والعربية والعالمية لتنفيذ المشاريع التي يتطلبها هذا المشروع الكبير، مع الاخذ بنظر الاعتبار رصانة واهلية الافراد والشركات عند التعاقد معها.
• ايلاء الاهتمام اللازم بابناء المنطقة ورفع مستواهم الصحي والثقافي والاجتماعي من خلال فتح المدارس والمستوصفات ومراكز التوعية الثقافية والاجتماعية ومكافحة الامية، ومحاربة الدجل والشعوذة المنتشرة بين سكان الاهوار وتشجيع منظمات المجتمع المدني ومساعدتها في الاسهام في انجاز هذه المهام.
• يمثل الاعلام اهمية كبيرة في انجاح هذا المشروع الكبير، لذا على المؤسسات الاعلامية الحكومية منها والخاصة التعريف بآثارنا التاريخية واهوارنا الجميلة وتشجيع الدراسات حول هذا الموضوع واعداد اللقاءات والبحوث ودعوة الاعلاميين والباحثين والمختصين من العرب والاجانب الى زيارة العراق والاطلاع على تراثه الغزير.
• الحفاظ على تنوع الاحياء في الاهوار ومنع الصيد الجائر للاسماك والطيور وتوفير الرعاية البيطرية لحيواناتهم من البقر والجاموس.
• على الجهات المعنية اتخاذ موقف حازم تجاه الاصوات التي تجاوزتها الحياة كثيراً والتي بدأت بالزعيق منددة بهذا المشروع، مع الحذر من الجهات والافراد الذين يعرقلون انجازه او يماطلون في تنفيذه.