المنبرالحر

دور الشبيبة والعامل الخارجي في المرحلة اﻹنتقالية / د.علي الخالدي

يمكن إعتبار الحراك الشعبي الثاني الذي تم في مصر والذي تدور رحاه في تونس ، والعراق ( جاء متأخرا أكثر من عشر سنوات ) ،و بوادره تتفاعل في كل من اليمن وليبيا ، بمثابة إسترجاع ما منحته شعوب تلك البلدان ، من ثقة وشرعية للقائمين على الحكم في المرحلة اﻹنتقالية ، بعد اﻹستفاقة ، من مخدر الوعود المتعددة الألوان ، ومن خداع المخططات الوهمية ، التي إختفت خلفها نوايا ومآرب ذاتية اﻷسلام السياسي المتشح بعباءة تدين إقصاء الآخرين ، في زمن غاب عنه الوعي العام وإرتفع فيه مستوى الفقر المدقع بين الناس ، وخُلطت اﻷوراق ، فضاعت مفاتيح التفاهم ، بين شرائح مستحقي مردودات التغيير، والمستحوذين عليها من اﻷحزاب اﻹسلامية القديمة والجديدة . التي إستنهضت كل مجساتها ، لسرقة فرحة الشعوب بسقوط اﻷنظمة الشمولية ، وأيقاف شم نسيم الحرية والديمقراطية ومشوهة إيمان وإعتقاد الناس المطلق ، بأن المتدين لا يمكن معصية ولي نعمته ( الشعب ) ، بممارسات فعلية ، أطفاءت شمعة التغيير ، وأبعدت المرحلة اﻹنتقالية ، عن مهامها الوطنية العامة ، و أثارت إستياء المرجعيات الدينية العظام في النجف اﻷشرف واﻷزهر الشريف ، فنصحت القائمين على الحكم ، بضرورة إسترضاء الناس ، وكافة اﻷطراف التي قارعت اﻷنظمة الشمولية، بالعمل وإياهم على وضع المرحلة اﻷنتقالية على مسارها الصحيح ، وجعل كنس موروثات الدكتاتورية ، والقيام باﻹصلاح و التنمية أولى مهامهم ، لكونها السبيل الوحيد لنيل ود ، و ثقة الجماهير، لا إضافة منغصات جديدة تثقل كاهل الناس ، و تُغَيبت رغيف الخبز النظيف عنهم ، مع إلتزام الصمت ، وعدم كشف الفاسدين ، ممن إنتفخت جيوبهم وتكورت كروشهم من المسؤولين ، والمحسوبين عليهم ، بمساءلتهم من أين جاء ذلك متى وكيف ؟ . و مما زاد الطين بلة عدم إيقاف هرولتهم الى تطبيق ما حللته شرائعهم ، في مسألة الحقوق المدنية التي إكتوت بسعيرها المراءة المسلمة ، فطوقت عدالة حقوقها اﻹنسانية . بتعدد الزواج وأنواعه ( زواج المتعة ، زواج المسيار ، الزواج العرفي ، وأخيرا أضافوا نكاح الجهاد ). فاتحين النار على بقية اﻷديان ، وعلى كل من لا يؤمن بتدينهم الجديد ، مما أدى الى طمس مؤشرات السلم اﻹجتماعي ، وإيقاع البلدان في متاهات وكوارث سياسية وإجتماعية وخدمية وأخلاقية بكل المعاني
لقد شعرت الشعوب وشبيبتها بعد فيض ، من المعاناة والحرمان أضيفت لما ورثته من اﻷنظمة المقبورة . أنه لم تعد في اﻷفق نية المواجهة الجدية للممارسات الوحشية التي تقوم بها القوى الظلامية ، ولا مواجهة المخططات المجردة من القيم الدينية والخلق الوطنية ، والتي يراد تنفيذها في المنطقة ، ليس لمواصلة نهب خيرات البلدان فحسب وإنما كمسقطة كبرى لمسيرة شعوب المنطقة نحو تحقيق أهداف التغيير . بدءا بإعادة تركيب الدولة في المرحلة اﻹنتقالية ، بما يفيد إستمرار اﻷستئثار بها الى اﻷبد ، وبسيادة ديمقراطية تخدم اﻷقلية ، وتنعش تسيب الذات ، وتخفي في طياتها مجرى التنكر للوعود و عدم أرضاء الناس . ديمقراطية يُستنكر منها ما يتعارض مع مطامحهم ، ويُغيب منها ما تعلق بالديمقراطية اﻷجتماعية ، وبقوانين اﻷحوال المدنية ، مُحدثين فجوة واسعة في تشتيت المفهوم القانوني والمجتمعي لحقوق اﻹنسان عامة ومستحقي مردودات التغيير في المرحلة اﻹنتقالية بصورة خاصة ، ومُجيرين مردوداته لشريحة ذات لون واحد ، سادلين الستارعن إعتماد ثقافة وطنية تخاطب الفكر اﻷنساني ، وتربي اﻹنسان المنتج المؤهل علميا وفكريا بمعرفة نوازع الشعب ومستقبل الوطن . ثقافة تُطور مقومات إنعاش النفس وتطوير الفكر اﻹسترخائي عبر الموسيقى والمسرح والسينما ، لا ثقافة خرافات سحر وشعوذة ، مصحوبة بشعارات أخروية تسيء للأديان ، وتنمي الفكر التكفيري الطائفي ومعاداة اﻷديان اﻷخرى ، بأدوات جاء بها العامل الخارجي ، أو بمن تمتع بامتيازات الخدمات اﻷجتماعية في ألدول الرأسمالية ، فضيعوا قيم التغيير ، ودماء شهداءه في دهاليز المصالح الذاتية لمسوقي التدين والتكفير
إن إستفاقة الناس المغلوبة على أمرها ، بعد وصول المرحلة اﻹنتقالية لطريق مسدود ، مورست خلالها شتى أساليب الطعن باﻷنتماء الوطني ، مما صَعَد من عزم الشباب ، فقاموا بتحركهم المكلل بالنجاح في مصر ، وأعادوا متطلبات التغيير الى نصابها ، فاعطى زخما وشعورا عاليا بالمسؤولية الوطنية لتلبية النداء والبدء بالمشوار في تونس والعراق ( إستعملت القوة المفرطة لتفريق تظاهرهم ) للمطالبة بحقوقهم التي هضمت ، وأستعادة الشرعية التي مُنحت للقائمين على الحكم باﻷستحقاق اﻷنتخابي ، بغفلة من الجماهير وبإثارة العواطف الدينية التي إستغلوها بغية الإستحواذ على المرحلة اﻹنتقالية وتطبيق نهج لا يحقق غير توثيق وتوسيع اﻹنغلاق الطائفي والديني ، وإمتصاص خيرات البلدان وتهريبها الى الدول التي أقسموا لها الولاء عند منحهم جنسيتها الولاء.
، فالشباب عبر تحركهم الذي أغاض الحكام فاستعملوا القوة المفرطة ، لعرقلة تحركهم ومصادرة حقهم الدستوري ، أقسموا عل أن لا يكل عزمهم بمواصلة تظاهرهم السلمي ، حتى يُوصلوا شعوبهم الى ما هو أرقى وأغنى حياة لمستقبل زاهر ، ولن يدعوا من تحايل ، وأفسد ، ونهب المال العام ، اﻹفلات من المحاسبة . وإن لم يفلحوا في السنين العجاف الماضية ، فثقلهم اﻹنتخابي لن يخضع ﻷوهام التدين الجديد ، والتعليمات الطائفية والميليشياوية التي غيبتهم عن النهوض والتصدي للذل والعيش المنكد.