المنبرالحر

المعاقون محنة مستديمة * / مخير العلوان**

تفاقمت ظاهرة المعاقين بعد ان استلم القائد الضرورة مجرم الحروب الدموية عام 1979 واشعاله فتيل اول حرب مع ايران وبدون مسوغات تستحق الذكر إلا رغبة منه في القتل والدمار. فحل عام 1980 يحمل بين طياته نذر الموت والقتل والدمار والخراب الاقتصادي والمجتمعي. وبين تعنت وتزمت الطرفين المتحاربين افرزت الحرب مئات الالوف من المعاقين بعاهات مستديمة منها الشلل التام والنصفي والعمى وبتر الاطراف العليا أوالسفلى واشكال اخرى عديدة لا يسع المجال هنا لذكرها.
حصل ذلك بعد معاناة من التجنيد القسري قضاها المجند في خنادق الموت وسواتر لا تستر ضحاياها فلا يوجد لهم خيار غير مثلث (الموت، الاعاقة، الاسر) ورغم معاناة عائلة المتوفي (الشهيد) والاسير فإنهم بين من قضى نحبه وبين من ينتظر العودة لكن المعاق الذي بقى بين افراد اسرته لا هو حي ولا هو ميت مطلوب منه قسراً توفير مستلزمات مرضه من ادويه ومستلزمات طبية اخرى وتوفير احتياجات عائلته من طعام وملابس ومدارس لا يمكن ان يصرف له راتب بعد سنوات قهر وذل قد تطول لإثبات ان اصابته اثناء الخدمة ومن جرائها وتدوم معاناته وحيرته حيث إن راتبه لا يسد احتياجاته الشخصية فتدوم محنته معه إلى آخر يوم في حياته.
في البداية كانت للمعاق امتيازات إلا ان طول مدة الحرب قضمتها إلى الصفر وتحت الشعار الايماني الصدامي البغيض ((شهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار)) ما معناه ان المعاق عليه ان لا ينتظر بعد ذلك اي مستحقات وضمن حقبة من اشعل هذه الحرب العدوانية التي لا ناقة ولا جمل فيها للمجندين قسراً، وتوالت الحروب بعد ذلك مع دولة الكويت الاولى والثانية وتزايدت اعداد المعاقين اضعافاً وحلت كارثة الحصار واصبح راتب المتقاعدين عموماً كل ثلاثة اشهر يصل الى (7) الاف دينار محلي (استنساخ) لا يكفي لإطعام دجاجة ودامت هذه المحنة (13) عاماً ضاع فيها العمر وانتهكت الكرامة وصار العيش ذلاً وقهراً تنتظر الناس مصيرها وسط صمت العهر الاعلامي المحلي والعربي والعالمي.
انها محنة لم يشهد لها التاريخ الانساني مثيلاً فهام الإنسان الذي لديه صحة في براري العراق بحثاً عن العمل بما يسد رمقه وعائلته اضافة إلى راتب الفلسين الذي يهبه له نظام جائر لا يعرف الرحمة والإنسانية وشعب مقهور تحت سياط الجوع والارهاب من قبل الطاغية وازلامه وحل انتشار المخبرين السريين وآلة قمع وحشية تحت الشعار سيئ الصيت (كل شيء من اجل النصر). وتعلم الناس إن النصر هو بقاء القائد الضرورة في سدة الحكم وليذهب الشعب إلى الجحيم، أما المعاق فبقى متحيراً ليس له لياقة بدنية للعمل فهو يمشي لقضاء حاجاته غصباً عنه فكيف وأين يعمل؟ ففقد الحيلة والامل وسط تفاقم محنته العامة والخاصة. وبعد السنوات العجاف الطويلة التي تمنت فيها الناس الخلاص من الطاغية خصوصاً ابناء المناطق الجنوبية والوسطى الذين تأملوا النجاة من الفقر والبطالة والحروب وكان عام 2003 الذي سقط فيه الطاغية، تبين إنه يحمل بين طياته آلاماً وحروباً أخرى ومحنة مستديمة تبدوا بلا نهاية وخابت آمال الناس وخصوصاً شريحة المعاقين. وحملت سنوات ما بعد سقوط الطاغية توجها الى تعويض شرائح اجتماعية عديدة متضررة من النظام الديكتاتوري السابق، من شهداء وسجناء سياسيين ومحتجزي رفحاء ومئات الآلاف من عناصر الدمج برواتب تقاعدية مختلفة وبقي التمييز المقصود حصراً على شريحة المعاقين وظلوا في اسفل السلم في الراتب التقاعدي أو اية امتيازات اخرى وهناك اقاويل ضدهم من قبل سياسيين متنفذين بأن هذه الشريحة محسوبة على النظام البائد رغم ان الكثير منهم كانوا معارضين للنظام وتحملوا وزر السجون والمطاردة وشظف العيش ومنهم من شارك بفعالية في انتفاضة آذار 1991 وقدموا شهداء ولكن كل ذلك لم يشفع لهم لرفع المعاناة عنهم وانصافهم وتشكيل مؤسسة وطنية تعنى بشؤونهم وتعوضهم عن ما فاتهم من فقر وذل ومرض حالهم حال الفئات والشرائح الاجتماعية الاخرى التي تم انصافها وتعويضها مادياً ومعنوياً فإلى متى تطول معاناتهم رغم ان المليارات التي ضاعت منذ عام 2003 ولغاية عام 2015 كافية لأن تنصف الجميع من ابناء الوطن؟
محنة مريرة وضنك طال مداه وصمت حيال هذه القضية المصيرية للمعاقين من قبل المتنفذين يحمل في طياته نفسا استبداديا وعداءً واضحا ليس له مبرر وإذا اضفنا الاعداد الجديدة من ضحايا حروب داعش والقاعدة والتفجيرات فان اعدادا كبيرة اضيفت الى أبناء المحنة المستديمة ففي كل دول العالم هناك رعاية خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة إلا في العراق فلم يلتفت حكامنا السابقون واللاحقون إليهم لتوفير ابسط المستلزمات. وتم التعامل مع هذه الشريحة الواسعة من المجتمع وعوائلهم على انهم مواطنون من الدرجة العاشرة لا يستحقون الحياة تحت خيمة هذا الوطن فالسياسيون المتنفذون ومريدوهم متنعمون بخيرات الوطن وليذهب المعاقون إلى الجحيم. يا سياسيينا ويا حكامنا الجدد ارحموا المعاقين فهم ابناء الوطن وهم من حماته من العدوان وحماية حدوده تحت ظل أي نظام وهم لم يكونوا تابعين لأحد يوماً ما، إنهم ذهبوا إلى محارق الموت مكرهين مرغمين ولو كنتم انتم مكاننا لحل بكم ما حل بنا ولجرى لكم ما جرى لنا نحن لم نستجد احداً منكم ولا نبتغي هباتكم، نحن شركاء في الوطن وفي ثرواته التي من المفترض ان توزع على الجميع بسخاء لا ان تسرق بدو حياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* نداء الى السيد رئيس الوزراء المحترم، ومفوضية حقوق الانسان.
**كاتب وسياسي