المنبرالحر

الدرس الاول في الاخلاق ثم الانتماء / حسين علوان

مجموعة من الشباب مراهقون كنا نلتقي بالقرب من احدى المدارس الثانوية للبنات في منطقتنا. تلك المدرسة كانت تعد من اكبر مدارس الرصافة من حيث اعداد الطالبات وفيها الدوام على وجبتين، صباحي ومسائي ؛ وفي الوجبتين كنا نتواجد تاركين مدارسنا وواجباتنا كي نحظى بنظرة او ابتسامة او اشارة من احدى ذلك الزخم الهائل من الطالبات وكنا نحفظ رسائل الحب التي كانت تنشر في مجلات مثل الموعد وغيرها وفي حقيبة كل واحد منا رسالة او اكثر نترقب تسليمها لمن ( تحن علينا )، كلمات غير صادقة ولا تعبر عن مشاعرنا لكننا ننقلها من المجلات كي تقربنا من الحبيبة ( الحلم ).
في يوم ربيعي جميل كنا نترقب خروجهن من المدرسة واذا به يمر أمامنا ذلك ( المنقذ) الانسان العظيم المعلم الاول لنا، هو ابن منطقتنا المحترم رجل تجاوز الخمسين من عمره. القى التحية علينا وخجلنا جدا من رؤيته لنا ونحن نقف بالقرب من الثانوية ثم قال تعالوا معي اتبعوني ( لدي عمل معكم ) .جلسنا في احد المقاهي الشعبية لمنطقتنا وطلب لنا الشاي وبعدها سألنا جميعا سؤال واحد قال هل لديكم "خوات" وبدأ يسمع الاجابات قلت انا نعم قال كم واحدة قلت اربعة قال طالبات قلت اثنتان منهن قال في نفس الثانوية قلت نعم ثم سأل صديقي الاخر نفس الاسئلة ثم الاخر والاخر وكانت الاجابات جميعا لدينا خوات في الثانوية ثم قال:
هل يرضى أحدكم ان يقبل لأحد ان يسمع اخته كلاما غير مقبول ؟ جميعا قلنا كلا قال ماذا تعمل لو رأيت اختك ( يتحرش ) بها انسان غير منضبط؟ هنا عرفنا أننا غير ( منضبطين ). قلنا لن يسلم منا اطلاقا وسوف نهشم رأسه ونشوه خلقته. ضحك عاليا ثم داعبنا وقال (لازم انتو اشقياء). قلنا نعم ( اكو واحد يتحارش بعرضنه ونسكت له ) قال: هو هذا السؤال الذي اريد التوصل اليه معكم ؟ لو شاهدكم اخ احدى الطالبات وانتم ( تتحرشون ) بأخته الا يقوم هو بنفس ما تفعلون انتم به من تهشيم وتشويه؟ قلنا نعم، قال من اليوم اعتبروا جميع الطالبات خواتكم وانتم تدافعون عن عرضهن لأنكم شباب مؤدبين وحبابين وبعد ما اريد اشوف واحد منكم واقف بالقرب من الثانوية والا ازعل عليكم .
كنا نحترمه كثيرا لأنه رجل محترم في المنطقة ثم قال اعطوني ( عهد ) بذلك. قلنا انتهى الامر ونحن نشكرك جدا على هذه النصيحة الاخلاقية الكبيرة . اقترح علينا ونحن الشبيبة اليافعة توا ان نشارك في احدى السفرات معه ومع مجموعة من ابناء وبنات المنطقة ذات التوجه الديمقراطي ( احدى سفرات اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ) شاهدنا في السفرة خيرة ابناء وبنات المنطقة فيها يتحدثون بثقة وبدون حواجز بينهم يتصرفون كأنهم عائلة واحدة. تجمعنا في احدى بساتين ( جديدة الشط ) وكان صاحبها هو الذي استقبلنا برحابة صدر لا توصف بستان عامر بالفواكه لكن لا احد يمد يده عليه منهم. انهم حاملون لقيم والاخلاق والمبادئ الاصيلة. نحن ننظر فقط اليهم وكنا خجلين جدا الا انه اخذنا بيده وهو يسمعنا لا تخجلوا فالخجل ( عادة ) برجوازية وعرفنا على جميع تلك القلوب المتآخية على الثقة والمحبة وحب الناس. تعلمنا منهم كيف نبني شخصيتنا وكيف نتفوق علميا بعد ان كنا على شفى الهاوية بتصرفاتنا الصبيانية لولا ( المنقذ ) لنا. انه سليل عائلة آل ( جزعول ) وهو الاكبر فيهم .انه القائد الشيوعي الفذ ( هادي عبد جزعول ) شهيد الحزب مع اخوته الثلاثة الآخرين ( عادل وسعدي وعبلة ) الذين طالتهم يد الغدر ابان النظام الدكتاتوري الفاشي البائد .. تكررت لقاءاتنا معه ثم عرض علينا العمل في اتحاد الشبيبة ولم نتردد كان هو مسؤولنا ونحن خمسة من الشباب بعمر الورد ننصت الى كل كلمة يقولها وكانت كلها عبر ودروس في التربية والاخلاق والوطنية كان يؤملنا بأننا من سيقود البلاد في المستقبل ( نحن الشباب ) بيدكم التغيير الحتمي للمجتمع .. في احدى الجلسات وكان حول كتابة الشعر أسمعنا هو شعرا كان قد كتبه يقول فيه .... يا شباب سيروا للامام ... عزمكم مجيد ... قوة الشباب ... قوة الحديد ... واقترح علينا ان نكتب مثله في اللقاء القادم كان يحرضنا على الكتابة والقراءة لكنه يؤكد على الاولويات هي التفوق في الدراسة المنهجية لنكون من الاوائل وفعلا تقدمنا في ذلك بعزيمة كان هو قد غرسها في دواخلنا ....
اليوم أقف امام مسؤولي الاول بزهو، وهو اعتلى بروحه المشانق كي نكبر نحن ونبقى على خطاه سائرون من اجل الانسان وقيمه النبيلة وخلاصه من الاضطهاد والعبودية والتحرر من كل القيود التي تفرضها ماكنة رأس المال الجشعة انه الخلاص من كل ذلك بالانتماء الى فكر الناس الطيبين والكادحين والشرفاء ( الحزب الشيوعي العراقي ) مازلت اواظب في دروسي يا معلمي ولن اتركها كما عاهدتك الى ان نكمل المشوار ولن انساك ما حييت يا معلمي الاول هادي عبد جزعول شهيد الحزب المخلد ...