المنبرالحر

ثورة 14 تموز 1958 انعطافة تاريخية كبيرة / رفعت نافع الكناني

تمر الذكرى 59 لتأسيس الجمهورية العراقية ، ففي مثل هذا اليوم قامت نخبة من الضباط الاحرار بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم بتفجير ثورة 14 تموز 1958 لتنهي النظام الملكي في العراق وتؤسس لنظام جمهوري على انقاضه . لقد كانت هذة الثورة بحق نتيجة طبيعية لمسيرة نظالية طويلة من قبل العناصر الوطنية وبتأييد من قبل قطاعات واسعة من الشعب العراقي . اي ان هذه الثورة كانت نتاج ثورات وانتفاضات عديدة قامت بها النخبة من مثقفي واحرار العراق ابتداءا من ثورة العشرين مرورا بانتفاضات ووثبات عديدة ، اي انها ثمرة نضال سياسي الهدف منه قيام نظام جمهوري يحقق السيادة الوطنية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية للشعب ويخلص البلد من عدد من التحالفات والمعاهدات لتعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي .
هذة الثورة احدثت زلزالا كبير ليس على مستوى العراق والمنطقة فحسب بل العالم اجمع ، هذا الحدث لم يغير نظاما سياسيا فقط بل احدث فاصلة تاريخية مهمة في حياة العراقيين شملت الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، كما ان هذة الثورة المباركة اثرت تأثيرا كبيرا على مجمل التوازنات في المنطقة والعالم لان العراق كان مركزا لتوازنات أقليمية وعربية واحلاف دولية عديدة ، منها حلف بغداد وما رسم للمنطقة والعراق من مشاريع اتحادية وكونفدرالية واقليمية ، اضافة لما كان يمكله العراق الملكي من مكانة كبيرة في المنطقة باعتباره جسرا للتواصل مع الغرب ، وما يشكله العراق من موقع متقدم في المنطقة العربية استخدم ضد المحور الشيوعي والاشتراكي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .
منذ قيام الثورة ، ابتدأت ماكنة العمل بالدوران ، فترجمت نظرياتها واهدافها الى عالم الواقع من خلال المئات من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية لتشمل كل قطاعات الحياة التي تتصل بحاجات ومطالب الشعب العراقي بكافة فئاته ومختلف مسمياته بطريقة متساوية شملت كل مدن العراق واريافه . واحدثت هذه الثورة الفتيه انقلابا قويا في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية متمثلة بسن قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958الذي رفع الحيف عن شريحة واسعة تشكل اكثر من 70% من مجموع الشعب العراقي في ذلك الوقت ، وقانون رقم 80 لسنة 1961 والذي اعاد للعراق اكثر من 99.5% من اراضية غير المستغلة من قبل شركات النفط الاجنبية بدون مقابل ، ولضمان حقوق المرأة العراقية وحريتها اصدر قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959
اذن 14 تموز 1958 ثورة بحق ، احدثت تغييرا كبيرا وشاملا في الساحة الداخلية والخارجية ، واعتبرت انها دخلت منطقة الخطوط الحمراء غير المسموح بها من قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية ، وان العراق بدا يسير بخطى مسرعة نحو مجتمع العدالة الاجتماعية والرقي في سًلم الاستقلال السياسي والاقتصادي لاختيار قراراتة الوطنية بعيدا عن الهيمنة الاستعمارية ومتخطيا الممنوعات والاملاءات ، كل هذه المنجزات اغاضت الكثير من القوى في العالم وبدأت عملية اجهاز متتابعة بتخطيط من مخابرات دول غربية وعربية وأقليمية لاسقاط هذه التجربة الوطنية ووأدها ، وبالفعل اوكل العمل لقوى واحزاب ومنظمات في الداخل العراقي ترفع شعارات القومية العربية كحزب البعث وبعض التيارات القومية والناصرية و ساعدتها قوى وتيارات دينية واقطاعية ليكلل عملها بأسقاط ذلك المشروع الوطني التحرري بانقلاب 8 شباط 63 الاسود .
ونحن نستذكر تلك الثورة المجيدة وما قامت به من انجازات ومكاسب خلال عمرها القصير عجزت حكومات بعدها من انجاز ما قامت به ، بالرغم من التأمر والعمل المسلح وسياسة الانقلابات المدعومة من الغرب والولايات المتحدة وقوى الرجعية العربية وقوى تدعي التحرر ورافعة راية القومية العربية . يلاحظ ان تلك القوى عادت للساحة بعد التغيير في 2003 بمسميات جديدة من خلال اتخاذ شعار الدين والمذهب والطائفة لتتوحد من جديد في مجموعات ارهابية كالقاعدة وداعش وفصائل مسلحة اخرى ليمارسوا ابشع صور القتل والاجرام بحق الشعب العراقي ، علينا استنباط العبر والدروس ومعرفة من هو مع العراق وتقدمة واستقلالة ومن هو مع معسكر اعداء العراق والانسانية . المجد والخلود لثورة 14 تموز ولزعيمها الشهيد عبد الكريم قاسم وصحبه الابرار والخزي والعار للانقلابيين القتلة من مجرمي 8 شباط الاسود ومن سار على خطاهم .