مجتمع مدني

لمصلحة من تدمر مصانعنا الوطنية ؟ / محمد موزان الجعيفري

مضى اكثر من شهر ومنتسبو الشركات والمعامل الصناعية التابعة للدولة والخاضعة للتمويل الذاتي يتظاهرون احتجاجا على عدم صرف رواتبهم منذ اربعة اشهر واكثر وقد اصدر مجلس الوزراء قرارا بصرف رواتبهم لمدة شهر واحد فقط لهذه الشريحة التي تضم مهندسين وفنيين وموظفين وعمالا وهو اجراء وقتي لا يحل جذور المشكلة المرتبطة اصلا بسوء الادارة والتخطيط والاهمال لهذه الشركات التي مازالت تكافح من اجل البقاء من دون ان ينظر احد من المسؤولين الى هذا القطاع ، طبيعته وعمق المشكلة فيه واسبابها .
المتظاهرون من شركات النسيج في الحلة والكوت والنجف والديوانية ومثلهم في البصرة من منتسبي معمل البتروكيمياويات وغيرهم في بغداد حملوا الحكومة مسؤولية هذا التدهور في القطاع الصناعي المهم بسبب سياسة اغراق السوق بالبضائع الاجنبية الرديئة وغير الخاضعة لمقاييس الجودة وبأسعار ارخص من المنتج العراقي، بل ان بعضها خاصة الغذائية والزراعية يشكل خطرا على صحة المواطن ويهدد حياته بحسب ما اشار اليه احد اعضاء مجلس النواب، مبرهنا على ذلك بالزيادة الملحوظة للاصابة بالامراض السرطانية التي تفتك بحياة الناس .
لاندعي هنا ان قطاعنا الصناعي المهم خال من مشكلات كثيرة ادت الى ضعف انتاجيته كما ونوعا ،إذ إن هذا لايعني ان هذا القطاع باكمله وبجميع منشآته لايملك مقومات النجاح فهو يستطيع ان يرفد السوق بما يحتاجه اذا ماتوافر له الدعم اللازم والمشروع وهو ماتنهض به كل الحكومات الحريصة على مصالح شعوبها وعدم التفريق بالكفاءات العلمية والهندسية والفنية المشهود لها بالبنان والابداع ورفد السوق بأهم احتياجاته في ظروف قاسية عشناها أيام الحصار الظالم في تسعينيات القرن الماضي وليس صحيحا تبرير الغياب الكامل لدور الدولة بدعوات الخصخصة ان من غير المنطقي ان نجعل بلدنا مكشوفا بالكامل امام الاسواق الخارجية ونبقى نعتمد على واردات استخراج وتصدير النفط وتصل بنا الامور الى حد استيراد ( الموطا ) ومنتجات الالبان والمعجون، في حين شهد بلدنا منذ الاربعينيات والخمسينيات انشاء مشاريع صناعية مهمة نمت وتطورت حتى بعد تأميمها بعد عام 1964 كما ان العديد من تلك المصانع تمتلك خبرات ليس من الصحيح التفريط بها لنضاعف مشكلة مزمنة تتمثل بهجرة الكفاءات الى الخارج، فهم في كل دول العالم ثروة بشرية لايستغنى عنها وفي دراسة نشرتها غرفة تجارة بغداد قال الدكتور بلاسم جميل الخلف ( ان اكثر من واحد وعشرين الف مشروع صناعي صغير ومتوسط قد توقف عن العمل ) ما يعني ارتفاع نسبة البطالة والفقر، ناهيك عن ما سببه الاستيراد العشوائي من استنزاف عملات العراق الصعبة ما يتطلب من الجهات المعنية طرح معالجة حقيقية تعيد الحياة الى القطاع الصناعي بشقيه العام والخاص على وفق دراسات واقعية ووطنية ونظرة مستقبلية تأخذ بنظر الاعتبار ان النفط مادة آيلة للنضوب وقد سبقتنا الى العمل بهذا الاسلوب دول لاتمتلك مثل خبراتنا وكفاءاتنا كدولة الامارات العربية المتحدة التي اعلنت وضع استراتيجية لما بعد نضوب النفط. ?نعترف بصراحة بان سوء الادارة والتخطيط والفساد وهو ما يعترف به الكثير كان السبب المباشر لكل مانحن فيه من تدهور كبير في قطاعاتنا الاقتصادية واختلال كبير فيها نعاني آثاره الحادة بعد انخفاض اسعار النفط الكبير
ان رواتب العاملين في القطاع العام ليس منة بل استحقاق كفله الدستور وواجب الدولة منح الفرصة وتوفير المستلزمات لاطلاق طاقات المواطنين، اما تحميلهم اخفاقات سياسة الدولة واسلوبها في المحاصصة وما افرزته من كوارث ومآس فهو الظلم بعينه، فالخصخصة تدمر مصانعنا الوطنية ونقولها بصوت عال : لمصلحة من تدمر هذه المصانع ولماذا اهمال هذه المعامل الحيوية التي كانت قد اثبتت منتجاتها حضورا جيدا في الاسواق العالمية؟ فلنمنح هذه المعامل الامل واول خطوة هي شراء منتجاتها وايقاف سياسة الاستيراد العشوائي وبذلك نكون قد انتصرنا للوطن واهله .