فضاءات

السيد باسل بقّال: برنامجنا قـّدم 3,3 مليون دولار مساعدات لللاجئين العراقين / كمال يلدو

كانت الصدفة وحدها هي التي قادت السيد "باسل بقّال" للشروع بدعوة ابناء وبنات الجالية العراقية في ديترويت، لمساعدة اللاجئين العراقين الذين فروا الى دول الجوار، نتيجة الحرب الطائفية وأستهداف المكونات الدينية الصغيرة، وتردد السلطات المعنية بتوفير الأمن والأمان للمواطنين. الدعوة كانت لتأسيس صندوف اعانة، او مشروع اعانة بأسم "تبني عائلة لاجئة"، ومنذ ذلك الحين والمشروع مستمر ومتواصل ويلقى دعما طيبا من ابناء الجالية العراقية، فيما اليد الأخرى تمتد لتساعد المحتاجين الذين تقطعت بهم السبل عقب فرارهم من العراق.

الشرارة
يقول السيد بقال في معرض ذكرياته: في احدى ليالي شتاء 2006 وبينما كنت اتابع الأخبار في احدى المحطات الأمريكية الرئيسية وأذا بهم يقدموا تقريرا مصورا عن حال (بعض) اللاجئات العراقيات في سوريا، وكيف ان الحاجة والعوز وعصابات الأتجار بالبشر قد دفعتهم لتأدية اعمال لا تليق بكرامة الأنسان. بالحقيقة، راعني هذا الفلم، وفجّر بداخلي بركان غضب على ما آلت اليه اوضاع وطني الغالي وناسه الطيبين بعد الأحتلال البغيض، والسياسيين الفاشلين. قررت بعدها بفترة قصيرة التوجه للشرق الأوسط حيث يتواجد هؤلاء اللاجئون (سوريا والأردن) والوقوف على حقيقة الأمور وحجمها. ساعدتني في تسهيل مهمة الأتصال بالناس مشكورة كنيستنا الكلدانية والآباء اليسوعين في كلا البلدان. زرت العوائل، والتقيت بالكثير منهم، وأستمعت الى قصصا مروعة عن معاناتهم خاصة وأن اغلبهم قد غادر البلاد دون ان تمنح له اية فرصة للملمة اوضاعه، ناهيك عن انه لا يسمح لهم بالعمل في تلك الدول، والدولة العراقية لاتتدخل ولا تريد المساعدة، فما العمل؟

البدايات
عدت للولايات المتحدة، وأتصلت ببعض الأصدقاء، بعد ان تولدت عندي قناعة تامة بضرورة عمل شئ ما، اي شئ، لمساعدة هؤلاء الناس قبل ان ينحدروا اكثر نحو العمل اللاانساني. نضجت الفكرة في مشروع "تبني عائلة لاجئة" والذي يقوم على اساس مرن وبسيط وشفاف: تقوم عائلة في المهجر ، بتبني (اسميا) عائلة لاجئة في سوريا او الأردن، عبر ارسال مبلغ مالي محدد شهريا(ما بين 100-125 دولار). وكان من حسن حظي، وحظهم ايضا، ان وجد النداء آذانا صاغية لدى الجالية ، فأندفع الكثيرين للتبرع وتبني اكثر من عائلة، وكذا الأمر في العمل الطوعي وطرق الأبواب والحديث المباشر للناس او فتح طاولات للتعريف بالبرنامج حيثما كانت هناك نشاطات لمؤسسات الجالية.

كيف يجري اختيار العوائل
سألت السيد باسل بقّال عن آلية اختيار العوائل، خاصة ونحن نتحدث عن آلاف العوائل التي اضطرت للهرب من العراق فقال: بالحقيقة هذا الأمر كان غاية في الصعوبة، خاصة وكوننا نحن نعيش هنا في الولايات المتحدة، والمصيبة قائمة في الشرق الأوسط، وليس لنا اية علاقة او تنسيق مع الجهات الحكومية العراقية او الأممية. لكن والحق اقول، ان هناك اشخاص وأسماء سأظل اتذكرها ما حييت، نتيجة لعملها الكبير ووفائها وصدقها وجهاديتها، تلك المجموعة من الشابات والشبان والكهنة الذين ساعدونا بفرز العوائل وترتيب وسائل توصيل الأموال لهم. وأقترحنا ان تكون اكثر العوائل تعففا، اما من حيث كثرة عدد الأطفال، او كثرة عدد كبار السن او النساء، وأخيرا ان كانت عندهم حالات مرضية. وفعلا كان جرد هذه العوائل اكثر بكثير مما استطعنا توفيره، فقمنا بالعمل أكثر بأمل ان تزداد اعداد المتبرعين تباعا.

ايصال المعونات
عن هذا الأمر المهم والحساس يشرح السيد بقال: من جهتنا هنا، فتحنا حسابا مصرفيا بالمشروع، وحصلنا على اذن رسمي وأسم تجاري وعنوان. اما في تلك الدول (سوريا والأردن) فقد تمكن اصدقائنا من وضع العديد من البيانات بالعوائل وأسمائها وأعمارهم وما الى ذلك، فجرى بعدها اشعار المتبرع هنا بأسم العائلة التي سيتبناها مع تقديم البيانات له (لغرض الطمأنة الشخصية) وذات الشئ مع العائلة هناك، لابل ذهبنا ابعد وأوجدنا صلات للتواصل الألكتروني او التلفوني او حتى البريدي مابين العائلتين، مما ساعدنا كثيرا في توطيد اواصر الصلات مع اناس لم يكونوا يعرفوا احدهم الآخروالآن صاروا شركاء في الأنسانية. وكانت المعونات تصل للعوائل شهريا، وتسلم باليد مصحوبة بأمضاء على وصل الأستلام الذي يصل الينا هنا والى الشخص المتبرع.

كم كنتم تستقطعون
اشكرك على هذا السؤال المهم، يجيب السيد باسل بقال ويقول: لا توجد دولة في العالم يمارس فيها العمل الأنساني او التبرعات او جمع الأموال للعمل الخيري مثل الولايات المتحدة، ولا يوجد ايضا حجم في "الحيل" والضحك على الناس مثل ما موجود هنا، لهذا كان طريقنا صعبا في البداية وتطّلب (ومايزال) تضحيات كبيرة لأثبات مصداقيتنا للمتبرعين، والمستلمين ولعموم جاليتنا، وأن نثبت لهم بأن (الدنيا ما زالت بخير) كما يقولون. ان نظام الوصولات، والتواصل عبر الأيميل والمراسلة واضح جدا، فالشخص الذي يتبرع هنا ب 100 دولار، هناك عائلة في الأردن او سوريا، لهم تلفون وعنوان وأسماء يستلمون 100 دولار بالتمام والكمال، ويوقعون على الوصل. وقد يسأل سائل، ماذا عن مصاريف التحويل او اجور النقل في تلك الدول وما الى ذلك، وهنا لابد من التوضيح بأن كل المصاريف المتعلقة خارج مبالغ التبرعات نتحملها نحن اعضاء هذه الجمعية بشكل شخصي، وأعتبرناها جزء من عطائنا للناس، وهي ليست مفروضة بل بشكل طوعي، اما في تلك الدول، فأقول ، وأكرر شكري لتلك النخبة الطيبة التي ساعـدتنا على مدى السنين في القيام بهذا العمل الأنساني الكبير وبلا مقابل، وأكررها ،بلا مقابل.

دع الأرقام تتحدث
وبغية وضع النقاط على الحروف يضيف السيد باسل بقّال: ان فكرة المشروع بدأت في العام 2006، اما الأنطلاقة الحقيقية فكانت مطلع 2007، وكان مشروعنا في البداية يساعد العوائل في سوريا والأردن، واليوم تصل مساعداتنا الى لبنان ايضا. يصل عدد العوائل اليوم الى (850) عائلة تستلم المساعدات بشكل شهري ومنتظم، وأملنا في هذا العام والقادم ان تصل مساعداتنا ل 1000 عائلة.اما لمن يرغب بالمزيد من المعلومات والتفصيلات فيمكنه زيارة موقعنا الأكتروني وألاطلاع مباشرة عبر عنوان مؤسستنا "تبني عائلة لاجئة" :
http://www.adoptarefugeefamily.org/

منذ ذلك الوقت ولليوم وصلت المبالغ المستلمة من المتبرعين، والمسلمة للعوائل 3,3 مليون دولار، مثبتة في حسابنا المصرفي وفي التحويلات المصرفية لتلك الدول وفي الوصولات التي ترسلها العوائل عند الأستلام اما مجموع الناس الذين استفادو من برنامجنا الأنساني فيبلغ (000و175)شخص ضمن عوائلهم، اذ ان التبرعات تصل للعائلة وليس للأشخاص. وللتوضيح اود ان اورد تبرعاتنا لشهر كانون ثان 2014 والتي كانت كلآتي: عدد المنتفعين لهذا الشهر بلغ 1080 شخص، المبلغ المرسل لعوائل في (سوريا، الأردن ولبنان) بلغ 51,006 دولار، اما المبلغ الكلي منذ بدء البرنامج فبلغ لحد اليوم:3,331,042 دولار. ورب سائل يقول، ما التغير الذي سيحدثه مبلغ متواضع بمقدار 100 دولار للعائلة خلال الشهر، وبالحقيقة انا اتفق بأن المبلغ بسيط، لكن هذه هي الأمكانيات، فنحن لسنا دولة نفطية نمتلك المليارات، نحن اناس لنا عوائلنا وألتزاماتنا، لكننا شعرنا بالمسؤلية وقمنا بذلك، فيما المفروض ان تقوم الحكومة العراقية او وزاراتها او الأمم المتحدة بأغاثة هؤلاء المساكين، بدلا من ان ترميهم اسباب الحاجة للأنزلاق في دروب لا تليق بالأنسان.

شئ عن المتطوعين
ان من محاسن الحياة في هذا البلد هو نظام التطوع الذي يلقن به التلاميذ منذ طفولتهم، وقد كنت من المحضوضين بالعمل مع نخبة رائعة من الشبان والشابات، والذين لهم عوائلهم وألتزاماتهم لكنهم مصرين لحضور الأجتماعات او الفعاليات التي نقيمها بغية زيادة عدد المتبرعين، حتى نتمكن من مساعدة عوائل اكثر. ولا يفوتني هنا ان اشكر كل من عمل معنا (يبلغ الآن 20 متطوع، لكن المجموع منذ البداية يصل لحوالي 50)، وأشكر االكهنة وراعي كنيستنا المطرار ابراهيم ابراهيم الجزيل الأحترام، وكل اصحاب المحلات التجارية ووسائل الأعلام المرئية والمقروئة والمسموعة التي احتضنتنا وساهمت بالدعاية والأعلان لمشروعنا الأنساني.

الصعوبات
بالحقيقة ان اكبر ما يقلقنا هذه الأيام هي حالة عدم الأستقرار السياسي في العراق او المنطقة، فهناك عوائل تنزح من العراق بأستمرار، وهناك الأوضاع الدموية في سوريا والحالات الصعبة في الأردن ولبنان، ان كل ذلك يؤثر سلبا على سلاسة عملنا. ان العقوبات المالية على سوريا قد اعاقت عملنا ، فنحن لا نرغب باللجوء للحيل والطرق الملتوية في ايصال الأموال للمحتاجين، كما لا نريد ان نخضع للمسائلة من السلطات الأمريكية في حالة تصرفنا بشكل غير سليم، انها قضية شائكة ومؤلمة، فهناك ناس بأمس الحاجة للمساعدة، وهنا اناس مستعدين للمساعدة وهناك اوضاع تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، لكني اطمأن القراء الكرام بأننا نعمل المستحيل لأيصال المساعدات وحتى بالحصول على الرخص الخاصة من الجهات الأمريكية المسؤلة. اما الصعوبات الثانية فكانت من جراء استمرار وتعمق الأزمة الأقتصادية في هذه البلاد وأثرها على الناس وخاصة ممن يشاركوا في تبرعاتهم ببرنامجنا، لكن الأمور تسير بشكل حسن، وعندنا متبرعين جدد في كل شهر. وأرغب ان اذكر بعض الصور التي يتسامى بها الأنسان فوق جراحاته حينما يتعلق الأمر بمساعدة الآخرين، فقد كنت على صلة صداقة مع احدهم والذي كان قد تبنى 5 عوائل وأستمر بذلك، وعلمت ان وضعه الأقتصادي في تدهور وربما يخسر بيته لحساب البنك، فألتقيته مرة في احدى المناسبات وحاولت افهامه بأن لا مشكلة لو اراد تأجيل الأشتراكات لعدة اشهر ولحين استقرار وضعه الأقتصادي، نظر الـّي والدمعة مخنوقة فيها وقال: انا لو خسرت بيتي، لي عشرات الأهل والأقرباء استطيع الذهاب عندهم، لكن هؤلاء المساكين، لو لايمتلكوا شيئا للصرف، فمن الذي سيمنحها لهم، وهل نقبل ان تبيع العراقيات اجسادهن العفيفة!

سيرة ذاتية
ولد السيد باسل بقّال في العام 1964 بمدينة تلعفر، وأنتقل الى بغداد مع عائلته التي سكنت مدينة الطوبجي/حي السلام، وهو لم يبلغ السنتان. انهى الأبتدائية من مدرسة الفرسان، اما المتوسطة والثانوية فأكملها في اعدادية العروبة حتى الصف الخامس علمي، حينما قررت العائلة الهجرة للولايات المتحدة. اكمل الثانوية وحصل على بكالورويوس في العلوم، انتقل بعدها لدراسة الطيران المدني، وحصل على 6 شهادات منها في ميكانيك الطيرات، وأخرى في القيادة، والطيران التجاري والطيران المدني. لقد اصبح وفي عمر 31 عاما، أصغر طيار مدني من اصل عراقي/ كلداني يحلق بشكل مجاز في سماء الولايات المتحدة، كما يحمل ايضا شهادة متقدمة في دراسة اللاهوت من المعهد الكاثوليكي الشرقي. بعد رحلته مع الطيران والعلوم، انتقل للأعمال الحرة وهذه المرة في مشاريع الأعمار والتنمية، ثم تحول بعدها لعمل الفنادق، وهو اليوم بمعايير السوق من رجال الأعمال الناجحين، وذوي الأفق الكبير في التطور.

كمــال يلـدو
شــباط 2014