فضاءات

التحريض في المقال الصحفي لدى أبو كاطع - 3- / إحسان شمران الياسري

غنا حسين العاصي
تتناول هذه المقالة أخطاء الصحافة، ولكنه يضع فيها كم كبير من التورية السياسية في عدد قليل من الأسطر، وهو مستعد لتوجيه النقد لنفسه.. فقد زعل خلف الدواح بسبب كثرة الأخطاء المطبعية في الجريدة، (وكنت أعرف مرمى كلامه، وهو يعنّفني بقسوة، وكأنني المسؤول عن كل خطأ مطبعي، ولذا (تساهلت) معه، واكتفيت بالإصغاء. فقد شرحت له ذات مرة، عملية التصحيح ومسؤولية المصحح، وأعرف أنه يقصد المصححين بكلامه، ولكن عدم وجودهم ضُحى، وكراهيته (للغِيبة!) جعلتني هدفا لسهام غضبته..
ثم صار يخاطبني بصيغة الجمع: تدري؟ انتم مثل حسين العاصي.. ينراد منكم لو طلعت الجريدة، يوم من الايام خالية من الاغلاط المطبعية، تعتذرون ثاني يوم، للقاري، مثلا تگولون: متأسفين.. طلعت جريدتنا أمس وما بيها ولا غلطة مطبعية !!
چان حسين العاصي صوته كلش حلو.. يغنّي كل أطوار الأبوذية، لكن عنده عيب (يتحنحن) هواي بأثناء الغنا.. مثلا يقرا هذا البيت: (عفاني اشلون إلي مهجه وإلي روح..)
يغنيه هالشكل: احح احح.. عفاني.. عفاني.. احم اشلون الي احح احح.. وعلى هالرنه..
بعض الليالي يقرا البيت كله، وما يگول احح.. ولا احم.. وهذاك الوكت يتونسون الجاعدين ويطربون قاطين، لكن حسين العاصي، يگطع الغنا.. ويگول:
- الليلة حسي مو زين.. مدري اشبيه؟!!
صعدوك يو نزلوك؟
مع أن أبوگاطع وضع تحليله لفكرة نقل مقالته بهذه الكيفية، لكنني أعتقد أن (الجماعة) فعلاً (نزّلوه).
فالصفحة الثامنة هي الصفحة الأهم في الجريدة، ومقاله فيها يستفز شركاء الجبهة:
(جاءني بالأمس خلف الدواح، وتعابير وجهه تقول: أنا جاد فيما أقول.. فلا تُناكد.. ولا تُمازح.. وسألني بلهجة محايدة: گلي (بسراحه) صعدوك، يو نزلوك؟ لمّن نگلوا چلمتك من الصفحة الثامنة للرابعة؟!
فوجئت بالسؤال.. حقا.. إذ لم تكن مسألة تحويل الكلمة من صفحة لأخرى مثار نقاش، يفضي إلى تأويل عن التصعيد والتنزيل.. بل كانت وراء المقترح (ميول) فنية بحتة، وضعت في الاعتبار الأول مزاج القارئ.. وأتذكر أن الزميل المتخصص، في فن إخراج الصحف، عرض في حيثيات اقتراحه، الآتي:
لما كان القارئ يبدأ بالصفحة الأولى (الدولية) فهي ولا شك تستفز كوامن همومه، لأنها تتناول العالم كله، من فلسطين إلى فيتنام.. من البرتغال إلى شيلي.. من سريلانكا إلى فرنسا.. والخ.. والصفحة الثانية أكثر تفصيلا.. وأدعى لإثارة الهموم.. ثم تأتي الثالثة، ثقافة، ايديولوجيا وشعر.. التروتسكية والماوتسية.. والغارودية كذا وكيت..
والصفحة الرابعة مرآة البلد. وخلف الدواح خير من يعكسها. والخامسة منبر الشاكين أو المشتكين ومعالجات جادة.. والسادسة متخصصة متنوعة (الطلايب) والسابعة الرياضة وبقايا..
ثم يستريح القارئ تحت مظلة.. أو قل هي محطة انتظار.. أو واحة بعد راحة.. أو.. وأعني بها الصفحة الثامنة (الخفيفة) عموما اقتنعت بالفكرة، وأُقنعت هيئة التحرير. والآن يسألني خلف الدواح: (صعدوك يو نزلوك؟) وعندما أوضحت لخلف أسباب نقل مكان الحكاية.. ونزعت من ذهنه بذرة وهم التصعيد والتنزيل.. ترطب مزاجة إلى الحد الذي جعله يعقب بالقول:
- چا هاي سالفة چلمتك، مثل عنوان ابن خالي.. چان يشتغل خادم بالمستشفى.. يوم من الأيام اجاني فرحان ومستانس.. گال لي ابشرك بدّلوا عنواني من خادم إلى مُعين..
گتله، يا نعمتك يا ربي.. واشكثر زاد معاشك. جاوبني: كلشي ما زاد.
گتله چا عليمن بّشرتني.. كونها خالي بلاش عسى ما يسمونك مستعين!