فضاءات

العيد.. فرح وتزاور وكليجه وعيديه / ايهاب القاضي

العيد للجميع، النساء والرجال ، الكبار والصغار، وحتى البعض من غير المسلمين الذين يشاركون إخوانهم المسلمين في أفراح عيدهم هذا، ولا دليل أوضح من هذا، على قوة لحمة وتآخي العراقيين. وقد اعتاد العراقيون على ممارسة أمور كثيرة في العيد. فالبعض منهم يبدأ الساعات الأولى من أول أيام العيد بالمشاركة في أداء صلاة العيد التي تعد فضلاً عن كونها طقساً دينياً، وسيلة اجتماعية للتعارف وتعزيز اللحمة الاجتماعية.
وآخرون يبكرون في الذهاب إلى المقابر لقراءة سورة الفاتحة وتوزيع الثواب على الناس قرب قبور أحبائهم ومعارفهم، ليعودوا بعدها إلى تبادل التهاني مع الأقارب والجيران، بعضها يتم عن طريق الهاتف النقال، والآخر من خلال الزيارات المباشرة، وهكذا ينتهي اليوم الأول من أيام العيد الثلاثة، ليبدأ اليوم الثاني المخصص عادة لإحدى السفرات الترفيهية، والتي غالباً ما تكون إلى المناطق الزراعية، كالتي في قضاء المدائن "سلمان باك". ليبدأ قسم من العوائل سفرتهم بالتوجه مباشرة إلى البساتين الجميلة، وخصوصاً منها المطلة على النهر، فيما يبدأ الآخرون بزيارة مرقد الصحابي الجليل سلمان المحمدي، وآثار طاق كسرى أنوشيروان ملك الفرس وقصره، بعدها، يذهبون إلى البساتين الجميلة، ليقضوا فيها يوما جميلا رائعاً إلى جنب العوائل الأخرى التي جاءت هي الأخرى لقضاء وقت ممتع وتغيير الجو "الما يزورك سلمان عمره خساره"، وغالباً ما تنتج عن هذه السفرات واللقاءات العائلية حالات صداقة وعلاقات ودية قد يتوج بعضها بصلات نسب من خلال تزويج ابن إحدى العوائل من بنت عائلة أخرى، كما تقوم بعض الأسر بشوي السمك لوجبة الغداء على الحطب المتوفر في البساتين عادة. وربما يذهب بعضهم إلى السباحة في النهر، أو لعب الكرة وغيرها من الأنشطة المختلفة، فضلاً عن قيام مجاميع من الشباب باستخدام الطبلة، "الدنبك" والضرب عليها بشدة ليصاحب ذلك غناء شعبي جماعي، تشترك فيه معظم الأسر الموجودة، نساء ورجالا، صغاراً وكباراً، وقبل حلول المساء يبدأ مشوار العودة إلى البيوت. فيما يكون اليوم الثالث عادة، يوم راحة بالنسبة للبعض استعدادا ليوم عمل جديد، وبالنسبة لآخرين يكون يوماً يؤدون فيه ما لم يتسن لهم أداؤه في اليومين الأولين، وغيرهم يستثمره بأخذ أسرته إلى أحد المتنزهات وتسلية الأولاد من خلال مشاركتهم في بعض الألعاب الموجودة في المتنزه. وعلى العموم، فإن مناسبة العيد، تعد فرصة جيدة للناس من اجل الترويح عن أنفسهم وتجديد نشاطهم وحيويتهم، فضلاً عن الميزات الأخرى.
"كليجه العيد فلّه"
الحاجة أم تحسين، قالت "ان استعدادات العراقيين كانت أكبر في السنين الماضية، وان أكثر من نصف طقوس العيد قد ألغيت ولم تمارس، وكل شخص حسب ظروفه المادية والمعنوية، فيما حافظ البعض الآخر على هذه الطقوس لظروفه المعاشية".
وتؤكد أم تحسين بالقول:"نتذكر نحن كبار السن في الأعوام الماضية كيف كان الناس في العيد، أكثر تكاتفاً وتقارباً، وهم يتحسرون على فقد الكثير من خصائصه وطبيعته، ولم تبق من هذه الطقوس تقريباً سوى عمل "الكليجة" وإعطاء "العيدية" للأطفال".
أم أمل ربة بيت قالت:"ما يميز العيد العراقي، الكليجة وهي حلوى من الدقيق والسمن والسكر محشوة بالمكسرات والتمر والسمسم في قوالب صغيرة ومتنوعة أعدت لهذا الغرض وبحجم الجوزة أو أكبر".
وأكدت أم أمل:" ان معظم أفراد عائلتها يجلسون لصنعها في متعة كبيرة مع إطلاق النكات والتهاني بهذه المناسبة الجميلة، وبعد إكمالها توضع في صفوف متراصة في صينية كبيرة، تحملها النساء الى الفرن الذي في المحلة، وبعد نضجها تقدم مع الشاي أو المشروبات الباردة تبعا للموسم اذا كان صيفا او شتاء ، لإفراد العائلة ولزائريها".
وقالت "لا يوجد عيد من دون عمل الكليجة" وهي احد الحلويات المهمة التي تعد من الواجبات المهمة التي يتوجب على ربة البيت عملها فالبيت الذي لا يحتوي على "الكليجة" يعتبر متقاعسا عن اداء ما توجب عليه".
"عليهه"
يقول باسم جوده، معلم:"في صباح يوم العيد ينهض صغار العائلة مبكرين وأمهم تعاونهم على ارتداء ملابسهم الجديدة التي كانوا قد وضعوها بالقرب من محلات منامهم وبعضهم يضعها "جوه رأسه"، أما الرجال فينهضون مبكرين أيضا للذهاب الى الجوامع مصطحبين معهم أولادهم لأداة صلاة العيد حيث يبتدأ العيد في العراق بعد صلاة العيد وبعدها يذهب الكثير من العراقيين إلى زيارة المقابر فهي من التقاليد التي حرص العراقيون على ممارستها، أما الصغار والصبيان فيذهبون الى محلات اللهو الفرجة راكبين الحمير والبغال، ويأنسون بالمراجيح ودولاب الهواء الخشبي والفرارات وغيرها، ويأكلون لفة بيض أو كبة أو سميط، وغير ذلك ما كان يباع في الفرجة في ذلك الوقت، اذ لا بد من صرف عيدياتهم.
وأضاف: يبقى الحديث عن الماضي ممتعاً ويحمل في طياته ذكريات تتزين بالبساطة والتلقائية في التعامل لهذا يجد من يحاول الهروب من أثقال الحياة في تذكر الماضي وسيلة للهروب.
"آني أدفع وبس"
أبو وليد، سائق سيارة أجرة، قال:"بالنسبة لي، لا أتدخل في أي شيء من أمور البيت، إذ كل ما يتوجب عليَّ، هو دفع الأموال، وزوجتي من تقوم بتدبير كل شيء، وقد اتفقت مع زوجتي على هذا لسببين: لأن زوجتي مدبرة وأم بيت ممتازة، والثاني كي أتفرغ إلى عملي، وكما قلت لكم، وفضلاً عن كونها موظفة وتحتل موقعاً وظيفياً جيداً، يتطلب منا بذل جهود استثنائية، إلاً أنها أثبتت نجاحها في إدارة شؤون البيت أيضاً، وهي بذلك تكون قد خففت عني الكثير، ما ساعدني على التفرغ لعملي والنجاح فيه.
"كلمن يمدد على كد غطاه"
انتقلنا بعد ذلك إلى شارع "20"، في البياع والتقينا السيدة أم نادية التي كانت تتمنى لو تشتري كل ما يبعث المسرة في نفوس أبنائها ولكن!
قالت: تمنيت أن تكون ظروفنا المادية أحسن، لنقدم لأولادنا وأحبائنا ما يدخل البهجة والسرور في نفوسهم، وأضافت: ولكن "شنسوّي، كلمن يمدد على كد غطاه".
وأردفت قائلة: ومع ذلك، نحمد الله ونشكره "اللي مكنَّا واشترينالهم اللي نكدر عليه"، ثم قالت:"بس ألله يساعد الفقره الميكدرون يجيبون شي لعوائلهم ويفرحوهم بهذا العيد المبارك".
"آه يا لمة العيد"
تحدث الحاج أبو ياسر قائلاً: لدي ثلاثة أولاد من الذكور وبنتان، أربعة منهم متزوجون ما عدا أصغر أولادي الذي يؤدي حالياً امتحان البكلوريا للصف السادس العلمي، فقد اعتدنا في اليوم الأول من كل عيد، أن يجتمع الأولاد من الذكور والإناث، ومعهم أحفادي الثمانية في بيتنا الذي صاروا يطلقون عليه صفة البيت الكبير، وبعد الفراغ من تناول طعام الغداء، نخرج في نزهة إلى احد المتنزهات، كالزوراء أو شارع "أبو نؤاس"، أو غيرهما من الأماكن الجميلة. ولولا الظرف الأمني غير المستقر الذي يمر على بلدنا وشعبنا المظلوم، لقمنا بسفرة إلى سلمان پاك، أو الصدور، أو الحبانية، أو غيرها من المناطق السياحية الجميلة كما كنا معتادين عليه قبل ابتلائنا بالأعمال الإرهابية الخسيسة الظالمة.
"بتاع كلو"
السيدة أم رند تحدثت قائلة: العيد جميل جداً؛ لأن فيه طقوساً وعادات لم نألفها في الأيام العادية، فهو فرصة ممتازة للقاء الأهل والأحبة والأصدقاء، ويتم فيه تبادل الزيارات وتنظيم الطلعات إلى الأماكن الترفيهية التي لا نرتادها في الأيام العادية بسبب مشاغلنا اليومية الكثيرة، فأنا مثلاً زوجة وأم لبنتين وولد واحد، أحاول تربيتهم تربية جيدة، ولا يتم هذا بالسهل، فهو متعب لكن فيه متعة وراحة لي، خصوصاً عندما تتحقق بعض الثمار التي نرجوها ونسعى إلى تحقيقها من وراء ما نبذله من جهود استثنائية في تربيتهم، مثال ذلك: شطارتهم في دراستهم وتحقيقهم نتائج مبهرة في الامتحانات، "متفوقون وأوائل دائما"، ما يبعث على الراحة والاطمئنان والأمل القوي.
ما حيلة المضطر إلاّ ركوبها
المواطن، سلوان غانم، قال: بالرغم من خوفي الشديد من احتمال قيام الإرهابيين بعمل من أعمالهم الإجرامية يذهب ضحيته كالعادة مجموعة من الأطفال الأبرياء؛ الا أنني قمت بنصب عدد من "المراجيح" التي قمت بتصنيعها محلياً واعتدت على نصبها في العيد من كل سنة، وذلك بعد تعوقي في الحرب العراقية الإيرانية، لأحصل منها على مبلغ يعينني على قضاء وإنجاز جملة من الأمور التي لا يكفي تقاعدي لإنجازها.
وأضاف: إنني أمارس هذا العمل الآن مجبراً، لأنني بحاجة كبيرة إلى المال الذي يعينني كما قلت على تمشية أموري التي أؤجلها دائماً لحين حلول مناسبة العيد المبارك وأحصل من خلال عملي هذا على ما يمكنني الحصول عليه.
"حرمونه.. ألله يحرمهم من رحمته"
من جانبه قال أبو نسيم: حرمنا المجرمون حتى من فرحة العيد الذي ننتظره طوال السنة، وأجبرونا على الجلوس في بيوتنا خوفاً من غدرهم وإجرامهم، فإنهم مجرمون لا يخافون الله، ولا يولون الجانب الشرعي ولا الإنساني أي اهتمام يذكر. وإننا نتوقع منهم مفاجأتنا بتنفيذ عمل إجرامي في أية لحظة كما عودونا على ذلك. يذهب ضحيته عدد من الأبرياء من عموم شرائح الشعب دون تمييز أو تحديد لهوية الضحايا، ما يؤكد لنا أن القاتل الذي يقتل "الشيعي" هو نفسه من يقوم بقتل "السني"، وكذلك أبناء الطوائف الأخرى من مسيحيين وصابئة وغيرهم من الأقليات الأخرى. ولا يفرقون بين هذا وذاك، وإن هدفهم الأساس، هو ذبح أكبر عدد من العراقيين الشرفاء الأبرياء، ظناً منهم أنهم يستطيعون من خلال ذلك زرع الفرقة الأبدية والعداء بين أبناء شرائح الشعب المختلفة. وإضعاف العراق.
"جا وين العيديه؟"
"يلي عيدتك دكم بالريش واصخام الفشك كيكه"، هكذا بدأ الموظف ازغير دواي بهذه اليليات الهزلية، عند رده على سؤال وجهناه له تضمن استغرابنا من عدم تطرق أيٍّ ممن التقيناه بشأن مطالبة الحكومة في تقديم عيدية للموظفين والمتقاعدين، كما كان متبعاً في الأعوام السابقة، قال:"لأن سالفة العيديه، العراقيين نسوهه"، وتابع قائلاً: أو بالأحرى حكومتنه هيَّ النسَّتنيّاهه".
"ديروا بالكم علينه"
عدد من المواطنين طالبوا أمانة بغداد بتخفيض أسعار الألعاب في الحدائق والمتنزهات العائدة لها إلى النصف، وعدم الاكتفاء بإعفاء روادها من الـ "500 دينار" أجرة الدخول لتوقعهم في فخ الأجور الباهظة للألعاب، وتشجيعا منها للعوائل الفقيرة وذوي الدخل المحدود، على ارتياد هذه الأماكن المخصصة أصلاً لخدمة وراحة المواطنين والترفيه عنهم، خصوصاً وإن مثل هذه الأماكن لا يرتادها إلاّ شريحة الفقراء وقسم من أبناء الطبقة الوسطى، أما الأغنياء، فلهم منتجعاتهم وسفراتهم التي أقلها الذهاب إلى المناطق السياحية الجميلة في اقليم كردستان العراق، وخصوصاً في مثل هذه المناسبة الكريمة، عيد الفطر السعيد.
"السنه نعيِّد بالمقبره"
هذا ما قالته السيدة أم رحاب التي كانت ترتدي الملابس السوداء، ثم واصلت كلامها قائلة: ذهب زوجي قبل أقل من ستة أشهر، ضحية أحد التفجيرات الإجرامية الظالمة، ليتركني وطفلتنا الوحيدة "رحاب"، التي يتمها المجرمون وهي ما تزال طفلة بريئة لم تكمل الأربع سنوات، لقد قتلها وقتلني الإرهابيون كما قتلوا زوجي الذي كان متوجها إلى عمله، وهو مهندس مدني في إحدى الشركات الأهلية للمقاولات. وهي ذات الشركة التي عملت فيها مهندسة مدني أنا الأخرى، وبعد أن جمعنا العمل المشترك في الشركة، شاء الله أن يجمعنا العيش معاً في بيت الزوجية، لينهي القتلة المجرمون هذه الشراكة التي ظننا أنها ستدوم حتى آخر أيام عمرينا، ولكن "قاتل الله لكن"، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وهذا أول عيد يمر علينا نكون فيه وحيدتين من غير الأب الذي أحببناه وتعودنا عليه، ولا أدري كيف يمكن أن أتصور نفسي، في حال وصولنا قبر المرحوم، وما الذي سأفعله، هل سأفقد مشاعري ولن أسيطر على نفسي؟ وأنا أعبر عن عميق حزني وألمي على زوجي وحبيبي ووالد ابنتي الحبيبة، رحاب، التي بقيت لي ذكرى عزيزة منه، أم أكتم مشاعري مراعاة لمشاعر البريئة رحاب؟ ألله يرحمه ويصبرني.
"راحت أعياد أيام زمان"
أبو جمال، متقاعد قال: كنا نتجول بين المتنزهات، وكنا حريصين على الذهاب الى السينما التي كانت منتشرة في باب الشرجي والسعدون ومنطقة الأعظمية وغيرها من المناطق والتي تحولت اليوم الى اطلال تستفز مشاعر العراقيين بأجمل الذكريات متمنيا عودة الألق إلى شوارع العاصمة وهي تطرز باكتظاظ المواطنين وضجيج السيارات مثلما كانت أيام زمان بعيدا عن لغة المفخخات والارهابيين الذين تسللوا الحدود العراقية محاولين سرقة أحلامنا.
"يابه عيد ومشوهه"
يقول نجم صالح:"العيد فرصة رائعة للمصالحة بين المتخاصمين وتنقية النفوس، ونجد في العيد فرصة رائعة للتدخل بين المتخاصمين، ونصالحهم ونحاول جاهدين ان تلتئم نفوسهم ونزيح الأخطاء التي مضت.
ويضيف: عندما نتجول بين الجيران لمعايدتهم ونعرف أن صاحب هذه الدار له خلاف مع جاره فلا يمكن ان نتجاوزه، بل ندخل على داره ونشرب من مائه وناكل من طعامه ولا نخرج من داره إلا بعد مصالحته مع خصمه وكنا نؤجل قضايا الصلح إلى مثل هذه المناسبة وبالطبع تكون من مسؤولية شيوخ العشيرة او الوجهاء والسادة الأشراف.
ويقول ابو وائل، موظف:" في هذه المناسبة يتزاور العراقيون بينهم، الجيران والأقرباء والأصدقاء، وتكون هذه المناسبة فرصة لطيفة لإصلاح الود بين المتخاصمين، سواء كانوا جيرانا أو أقرباء أو أصدقاء بمساعدة أهل الخير والوجهاء من الناس".
استعدادات
الموظفة منى، قالت: الاجازات تكثر قبل حلول عيد الفطر لأن النساء وحسب تعبيرها مبتلاة بتغيير البيت كله من ديكور البيت الى التنظيف الخاص بالعيد وهذه العملية مرهقة وتحتاج الى تهيئة قبل أيام عدة، وبالرغم من الأعباء الكثيرة قبل حلول العيد الى أن الواجبات مقسمة على جميع أفراد العائلة فنشاهد الجميع منشغل وله واجباته الملقاة على عاتقه حيث نشعر بمتعة ولذة معينة عندما نهيئ بيتنا وحتى أنفسنا للعيد فيزيل التعب بهذه المتعة.
أما الفتيات فيجدن في العيد متعة شراء ملابس العيد، وتختلف ملابس العيد عن الملابس التي نشتريها في بقية أيام السنة، فلها شكل ثان وطعم خاص على الرغم من انه لا يصادف ان نرتديها في العيد ولكني يجب ان اشتري ملابس في العيد لكي أقول هذه ثياب العيد!
أما ابو همام فيرى ان استعدادات العراقيين تختلف في استقبال عيد الفطر، بين ملتزم بالطقوس الاجتماعية والأسرية التي أعتاد على تأديتها، وآخر يجد أن طعم العيد قد تغير عما كان عليه، وتواصل العوائل العراقية في الأيام الأخيرة من شهر رمضان لاستقبال عيد الفطر.
ويؤكد ابو همام ان زوجته ومع اليوم الأخير من شهر رمضان تقوم بإعداد الحلوى والمعجنات العراقية وشراء الملابس الجديدة بالاضافة إلى تنظيف المنزل ليستعدوا في اليوم الأول من العيد لاستقبال الزائرين من الأصدقاء، من خلال بقائهم في البيت، وفي اليوم الثاني نقوم بزيارة الأقرباء، أما اليوم الثالث فنخصصه للعائلة حيث نذهب إلى زيارة العتبات الدينية للائمة والأولياء الصالحين او الذهاب إلى الحدائق العامة ومدينة الألعاب لترفيه الأطفال.
أسواق العيد
تشهد الأسواق العراقية زحاماً شديداً لشراء ملابس العيد والحلويات العراقية استعداداً لاستقبال الضيوف.
يقول أبو علي، أحد أصحاب المحلات التجارية لبيع الملابس في منطقة الشورجة: نشهد في العشرة الأخيرة من "رمضان" اقبالا شديدا من قبل الناس للتبضع استعدادا للعيد، لذلك نقوم بفتح محالنا منذ الصباح ولوقت متأخر من الليل، ونبذل جهودا مضاعفة للاستقبال الزبائن.
"خريج مستفلس!"
يقول سيف رافع، خريج عاطل عن العمل: "أيُّ عيد هذا الذي تريد مني التحدث عنه؟ شاب تجاوز الثانية والثلاثين من عمره، خريج جامعي، "لا زواج، لا تعيين"، ولا أيَّة فرصة عمل مهما كانت، على الأقل تمكنني من وضع مبلغ ولو بسيط في جيوبي الخاوية، "وداعيك لا يملك سوى هذا المبايل التعبان، حاجة بخمس آلاف وأمّي فرحت، إبنها تخرج من الجامعة وأظنهه بيومهه ههلهلت من الفرحة"، وأنا الساذج الأخر شاركت الآخرين في حفل التخرج، بالرغم من أنني كنت واثقاً من أنَّ التقاطعات تنتظرني لأبيع فيها الشاي أو الكلينس أو غيرها، وذلك لعدم تمكني من الحصول على فرصة تعيين، لأنني لا أملك المال اللازم للحصول على الوظيفة من جهة، ولا "الواسطة" التي تعينني من جهة أخرى. ثم ختم كلامه بالقول:
أولاد الأغنياء، كل ساعة من حياتهم عيدٌ وسعادة وهناء، و"الفكر" مثلي، حتى عيده همٌ ونكدٌ وغم.
"مسج وهاي هيه"
عصر السرعة والتكنلوجيا أوجدت من "مسجات العيد" وسائل بديلة عن بعض الزيارات التي قد تكون غير متاحة في العيد لضيق الوقت أو للانشغالات طارئة فقد وجد أبو جمال من "مسجات" العيد فرصة للخروج من الاحراجات التي يقع بها، قال:" المسجات" الجاهزة صارت في متناول الجميع وتتنوع "المسجات" حسب المرسل اليه فمسجات الأصدقاء تختلف عن مسجات الأقرباء " وأضاف:" في الغالب، وخلال العيد أقوم بزيارة أهلي وكذلك زيارة أهل زوجتي، أما زيارة الباقين فالمسجات تعوض عنها ما عدا الملحة منها كزيارة المريض أو العائد من السفر".
"جثروهه هالسنه"
أما العيدية فيقول عنها المواطن سلام:" ان الكبار من أفراد الأسرة الواحدة يمنحون المبالغ النقدية البسيطة والهدايا للصغار وتكون هذه العيديات مبلغ فرحهم وسرورهم، ويتباهون في جمعها أمام الآخرين من أصدقائهم، وليشتروا بها ما لذ وطاب من الحلوى والمأكولات وشراء الألعاب الأخرى، وبعد ان يذهب الكبار إلى زيارة الجيران والأصدقاء يذهب الكثير من الصغار بعد ان امتلأت جيوبهم بالنقود، الى اللعب واللهو وخاصة ركوبهم المراجيح والدواليب والدرجات والعربات التي تجرها حيوانات ".
لا بد منها
اما الحاج ابو مصطفى فيقول "ان هناك طقسا مهما لا يفارق العيد دأب عليه أكثر العراقيين وهو الذهاب إلى المقابر لزيارة الموتى ورش القبور بالماء وإشعال الشموع والبخور وقراءة القرآن والأدعية ".
وأكد أبو مصطفى:" ان هذا الطقس يمارسه العراقيون في العيد وبالتحديد في أول أيامه وخاصة في المناطق الشعبية حيث تتوافد أعداد هائلة إلى المقابر أول أيام العيد، وهو تقليد توارثوه ليعبر عن حالة من الوفاء مع الراحلين خصوصا مع كثرة الضحايا نتيجة للحروب والكوارث التي مر بها العراق".
وعلى الرغم من اختلاف اليوم الأول لبداية الأعياد الدينية، إلا إن العراقيين يتمسكون بالفرح الجماعي، والتقاليد التي تلم شملهم، خصوصا وان الأعياد الدينية في العراق تحظى باهتمام الناس بشكل كبير، ويجري التركيز فيها على العلاقات الاجتماعية، وتقديم المأكولات والمشروبات والحلويات النادرة، والمحافظة على الطقوس والاحتفالات الجماعية، ومع حلول كل عيد تبقى أمنية الكبار إلى جانب أحلام الصغار، هي تحقيق الأمن والاستقرار والعيش الرغيد.