فضاءات

مناضلون من بلدي / جلال رومي

يقول المثل الفيتنامي .....
اذا كنت حجرا فكن ماسا....واذا كنت معدننا فكن ذهبا ... واذا كنت طيرا فكن نورسا... واذا كنت انسانا فكن شيوعيا...
هذا المثل ينطبق حرفيا على مناضل شيوعي وهو مثلي الاعلى فهذا الرفيق الشهيد البطل كان صلبا كصلابة الالماس ونقيا كنقاوة الذهب الصافي ووديعا كوداعة النورس ،هذا بطل اسطوري ويستحق ان يكون اسمة بجنب كبار المناضلين
كسلام عادل وفهد وجيفارا وجياب ....الخ ولماذا لا نعطي لمناضلينا هذه الصفات التي يستحقونها فما قدموه ليس اقل من الاخرين ففدوا وطنهم بأرواحهم
المناضل الذي اود استذكره اليوم هو المناضل عامل البناء ياسين حمة صالح حاجي قادر من اهالي السليمانية حيث تعرفت علية لأول مرة في مقر البتاليون التاسع الواقع في قرية دولكان الايرانية المقابلة لناحية ماوة التابعة لمحافظة السليمانية في بداية الثمانينات كان في بداية العشرينات من عمره وكانت لغته العربية ضعيفة لكنه كان يحب ان يغني الاغاني العربية حتى اننا كنا لم نسمعها من قبل لكن كانت اغنيته المفضلة اغنية لمضيع ذهب بسوق الذهب يلكاه بس لمضيع وطن وين الوطن يلكاه، كان متحمسا للعمل ومستعدا لكل مهمة يكلف بها مهما كانت من الصعوبة لأنه ابن المهمات الصعبة كان يساعد جميع الرفاق وخصوصا الرفاق العرب الجدد لكونهم لا يجيدون اللغة الكردية ولا يعرفون المنطقة فكان خير مساعد لنا ،ترافقت معه كل السنين حتى للحظة استشهاده التي سأتحدث عنها لاحقا اشتركت معه بعدة عمليات لآننا كنا نعمل في نفس البتاليون ونفس السرية وكنت عضو مكتب السرية وفي البداية هو نصير ولم يحتل في البدايات اي مركز قيادي بالسرية لكنة دائما يكون القائد الفعلي لأي مفرزة موجود بها لإمكاناته ولنشاطه ولطاقته حيث كان قوي الجسم يمتاز بالضخامة وله طاقة كبيرة كانه، سوبر مان ،ففي احدى العمليات المشتركة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لضرب مواقع النظام في مجمع قلعة جولان صيف 1982 كلفت انا بآمرية المفرزة وكان معي 6 رفاق من ضمنهم الرفيق ياسين كنت انا حامل سلاح ،ر.ب.ج، كان الطريق بعيدا ووعرا جدا حيث تحركنا من قرية اسمها جنيان في منطقة شربازير حوالي الساعة الثانية عشر ظهرا لنصل الى مكان العملية حوالي الساعة التاسعة مساء كان في كل الوقت بجنبي ليحميني حتى لا اضيع الطريق لكوني لا اعرف المنطقة وانقطع عن المفرزة وكان يحاول تخفيف الثقل الذي احمله حتى انه اجبرني ان اعطية القذيفة الاضافية التي احملها ويعمل نفس الشئ مع الرفاق الاخرين، بعد ان نفذنا العملية التي دمرنا فيها احدى ربايا العدو حيث احترقت بالكامل وحصلنا على قذائف واعتده من المتعاونين مع الانصار بالمجمع .حمل ياسين نفسه بعدد كبير من القذائف والعتاد حيث قال لي: رفيق الحزب يحتاج عتاد، و لم يفكر أبدا بأن الطريق طويل ووعر لأننا اضطررنا مجبرين بالسير بأوعر الطرق واصعبها لان قوات النظام قطعت جميع الطرق والممرات الجبلية التي تتوقع خروجنا من المجمع منها بالقصف الكثيف ،
لكنه كان سعيدا جدا بما يحمله للحزب، كانت هذه المرة الاولى التي يأتي بها الى المنطقة وفي ليلة دامسة الظلام قاد المفرزة بالكامل بالطريق الصحيح واوصلنا لأول قرية بعيدة عن المجمع اسمها هه رمن حيث تناولنا بعض الاكل الساعة الثالثة والنصف صباحا وبعدها رجعنا من حيث ما جئنا .
رفيقنا ياسين في كل وقت ومكان كان هكذا اذا دخلنا مدينة السليمانية كان القائد وفي المقدمة عندما نذهب لزراعة الألغام بالقرب من مواقع العدو كان الحارس الامين على الرفيق الذي يقوم بالمهمة. في كثير من الاستطلاعات كنا نذهب سوية فكان هو في المقدمة وصاحب الرأي الصائب .
في احدى المرات في بداية عام 1983 كان الحزب بحاجة الى ادوية فاستطلعنا احد المراكز الصحية القريبة جدا من المعسكرات التابعة لناحية بنكرد، انا وهو ورفيق اخر، فكان الرفيق آمر مفرزة في ذلك الوقت ورجعنا وناقشنا في مكتب السرية فيما اذا كنا نقوم بالعملية ام لا و ما هو عدد الرفاق للقيام بهذه المهمة فكان رأي الرفيق ياسين نحتاج فقط اثنين فتعجبنا فقال انا ورفيق اخر شخصه و سماه بالاسم واسمه شاخوان لأنه ابن المنطقة، وقال ان العدد الكبير يمكن ان يثير الانتباه وهناك طريق يمكن ان نتسلل من خلاله وننفذ المهمة وقلنا له لكن نرسل رفيق او رفيقين لحمل الثقل معكم فقال انا وحدي مستعد لحمل اكثر من مئة كيلو اضافة الى سلاحي. اقنعنا لأننا نعرف امكانياته. وبالفعل قام بتنفيذ المهمة بعد عشر ساعات جاءا مع الادوية ومعهما حمار صغير، فقال بعد ان وصلنا الى منطقة امينة استعرنا هذا الحمار الضعيف حيث قال اصحابه خذوه ولا ترجعوه لأنه كبير في العمر ولا نستفيد منه ولا نعتقد سيوصل اغراضكم للمكان الذي تقصدوه.
كثيرة وكثيرة المهام التي قام بها الرفيق اذا احتاج رفاق القاطع رفاقا بمهام سريعة وخطرة استعاروا ياسين بريد و كان على استعداد كامل.
و لاحتياج مقر قاطع سليمانية وكركوك لمثل هذا الرفيق فقد نسب لهم واصبح امر فصيل. في صيف 1983 كان يرافق رفاق القاطع بجولاتهم ولقاءاتهم مع القوى الاخرى اضافة الى كل الاعمال العسكرية التي يحتاجها الرفاق من البتاليونات الاخرى ، وفي 20 ايلول قام الرفيق ابو تارا والرفيق ابو لينا بالنزول من كرزال حيث كان مقر القاطع مع مفرزة القاطع بقيادة الرفيق ياسين الى منطقة شهرزور لمتابعة قوات الحزب هناك حيث، في هذه الفترة كانت قواتنا تتمركز هناك مع قسم من قوات حدك وحسك ومن الجانب الاخر تتواجد قوات اوكو كذلك تتمركز القوات الحكومية متمثلة بالفيلق الاول للجيش العراقي حيث كانت هناك معارك على جبهة بنجوين، وفي فترة تواجد رفاق قيادة القاطع جرى تقدم كبير من قبل القوات الحكومية مع اعداد هائلة من الجحوش من مناطق مختلفة من كردستان جرى التقدم على قريه سولميش يوم 25 ايلول حيث كانت سرية شرباشير العائده للبتاليون التاسع هناك السرية كانت بقيادة الرفيق عمر حامد المسؤول العسكري وان المسؤول السياسي والرفيق شوان المسؤول الاداري وكان معنا الرفيق ماموستا سردار عضو مكتب البتاليون لا اريد ان اكتب عن المعركة فقط ابين دور الرفيق ياسين بالمعركة .. لم يكن الرفيق معنا في بداية المعركة لكن بعد اشتداد المعركة واقتراب دبابات العدو للقرية بعد الظهر وبدأ عتادنا ينفد طلبنا عن طريق الجهاز الذي كان مع الرفيق ماموستا سردار اخلاء الجرحى وتزويدنا بالعتاد ،المهمة صعبة للغاية الوصول الى القرية لان القرية شبه مطوقة والهلكوبترات تجوب السماء كان الرفيق ابو تارة والرفيق ابو لينا والرفيق احمد رجب وارفيق ماموستا كمال في قرية_ تبة كل_ فاختارو مجموعة رفاق للقيام لهذه المهمة فاختاروا الرفيق ياسين لقيادة المفرزة على ان يرجعوا بعد ذلك الى قرية _تبه كل_ مع الجرحى.. وصلونا مع كميات كبيرة من العتاد رفاق المفرزة المرسلة من _تبه كل_ رجعوا مع الرفاق الجرحى الا ياسين فقد رفض الرجوع وقال بالحرف الواحد رفيق احمد تريد تحرمني من المعركة.. هذه فرصة اواجه بها العدو.. كان اكثر رفاقنا متعبين جدا وكان الرفيق يوسف عرب حيث استعمل القاذف لأكثر من خمس ساعات متواصلة وعليه ان يستريح لفترة ولو قصيرة، وكانت هذه فرصة ياسين فتلقف القاذف وبدأ يقذف دبابات العدو بنيرانه التي لم تنقطع، كان قد اخذ زاوية احد البيوت المهدمة خندقا له، عند وصول الدبابات لبداية القرية عند ينبوع الماء في اسفل القرية اكتشفت الدبابات من اين تأتي هذه الحمم فركزت بقصف المكان وفي اللحظة الاخيرة من حياة هذا البطل كنت على بعد امتار عنه وانا ايضا كنت احمل قاذف، اشاهد الرفيق ياسين يصوب نحو الدبابة والدبابة توجه مدفعها صوبه وانا اصرخ ياسين انتبه فإذا بقذيفته تنطلق وقذيفة الدبابة تنطلق بنفس اللحظة لتصيب الجانب الايسر من جسمه وتنهي حياة هذا البطل الفذ النصير الاسطورة ابن الرابعة والعشرين ابن العائلة الشيوعية التي قدمت الكثير والكثير للحزب، حتى في نفس يوم استشهاد ياسين جاء الاب ليستلم جثمان ولده الطاهر ونحن نبكي لخسارتنا الكبيرة، جاء الاب ليصبرنا على مصابنا ويقول كل واحد منكم هو ياسين.. وبالمناسبة الاخ الاصغر لياسين جرح في المعركة حيث كانوا ثلاثة اخوه معنا في السرية والأب في هذا اليوم لم ينس ان يجلب معه البريد الحزبي من السليمانية، فأي عائلة مناضلة هذه فالف الف تحية لروح هذا الشهيد البطل ولشهداء الحزب.