فضاءات

ذكرى الانقلاب الأسود في شباط عام 1963 استبيح الدم العراقي / بشار قفطان

في هذه الايام تمر الذكرى الرابعة والخمسون للانقلاب الدموي في شباط 1963.
يوم الثامن من شباط عام 1963 الذي كان يوم الجمعة المصادف الرابع عشر من رمضان،
لم يكن يوما عاديا يمر على الشعب العراقي.. إذ حققت قوى البعث ومن تحالف معهم من أعداء ثورة الرابع عشر من تموز نجاحا خططوا له في الدوائر الغربية، وبدعم مباشر من بعض الأنظمة العربية التي ناصبت ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958 الحقد والعداء، نتيجة التحولات التقدمية التي أنجزت في عمر الثورة، التي لم يمض سوى أكثر من أربع سنوات على نجاحها.
الانقلاب لم يكن مفاجأة لبعض القوى الوطنية والتقدمية التي كانت تحذر من وقوعه , نتيجة النهج اللا ديمقراطي الذي مارسته حكومة الثورة وممارسة سياسة فرق تسد, لكن السلطة القائمة كانت غير آخذة بتلك التحذيرات بعين الاعتبار، وعمدت إلى إعادة معظم الضباط المشكوك في ولائهم إلى مواقع مهمة في الدولة، وهم الذين قاموا بعدة محاولات انقلابية فاشلة، ومنها محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في السابع من تشرين الأول من عام 1959، حيث أعيدوا إلى مراكزهم المسؤولة في قيادة الجيش والقوات المسلحة، وإبعاد العناصر الوطنية المدافعة عن المنجزات التقدمية التي حققتها حكومة الثورة من تلك المراكز.
لقد سبق تنفيذ الانقلاب ما قام به الاتحاد الوطني لطلبة العراق وهو من واجهات حزب البعث، من فرض الإضراب الطلابي بقوة السلاح على طلبة الجامعات والكليات والمعاهد والثانويات.. ما سبب إرباكا للوضع العام بسبب دعم بعض الأجهزة الامنية لهم، واعتقال ومطاردة الطلبة الذين وقفوا في وجه الإضراب. كل ذلك مهد الطريق أمام التسريع في خطة تنفيذ الانقلاب.
وفي ليلة السابع على الثامن من شباط، قام بعض العسكريين باعتقال الضباط الطيارين الوطنيين المحسوبين على السلطة في مواقع تواجدهم.. وفي ساعة مبكرة من صبيحة يوم الثامن من شباط كانت ساعة الصفر، تنفيذ عملية اغتيال قائد القوة الجوية الشهيد الزعيم جلال الأوقاتي، بعد ذلك قامت طائرتان من نوع ميكَ بالإغارة وقصف وزارة الدفاع.وعندما تأكد قادة الانقلاب من وجود قائد ثورة الرابع عشر من تموز والضباط المدافعين عن الثورة في وزارة الدفاع، حركوا مجموعة من الدبابات وطواقمها رافعين عليها صور عبد الكريم قاسم للتمويه وإيهام الجماهير المحتشدة امام وزارة الدفاع زاعمين محاولتهم إفشال الانقلاب، وعندما اتخذت تلك الدبابات مواقعها وجهت طواقمها فوهات أسلحتهم صوب الجماهير المحتشدة وتم قتل العديد من المواطنين العزل خلال تصدي الجماهير لتلك الآليات
العسكرية.
بقيت وزارة الدفاع تحت الحصار حتى اليوم التالي التاسع من شباط الذي ارتأى فيه عبد الكريم قاسم ان يسلم نفسه الى سلطة الانقلابيين حقنا للدماء.. ولم يقف قادة الانقلاب عند هذا الحد.. وإنما واجهوا الجماهير العزل التي خرجت عن بكرة أبيها مؤيدة ثورة الرابع عشر من تموز وانجازاتها التقدمية بالرصاص الحي كما حصل في العديد من المناطق والاحياء في شارع الكفاح وعكَد الاكراد ومدينة الثورة والشاكرية والصالحية،والمواجهة مع ابناء الكاظمية البطلة التي استمرت عدة ايام.. وكما حصلت مواجهة التظاهرات في معظم المدن العراقية التي خرجت ضد الانقلاب .. وعزز الانقلابيون مواقعهم بإصدار بيان الإبادة رقم 13 سيئ الصيت الذي أصدره الحاكم العسكري رشيد مصلح واوجب فيه قتل الشيوعيين وأنصارهم أينما وجدوا، ذلك البيان المشؤوم الذي جرى تطبيقه على الشبهة والشك، من قبل أفراد الحرس القومي، وراح ضحيته العديد من الناس الأبرياء بغض النظر عن الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي او القوى السياسية الأخرى المعادية للبعث وحلفائه، او من الشخصيات الوطنية والديمقراطية والتقدمية.
وجرت حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات الآلاف من المواطنين من الرجال والنساء والطلبة والشباب والعسكريين.. غصت بهم المعتقلات في جميع أنحاء العراق واستغلت المدارس والنوادي والسينمات وسجن رقم واحد في معسكر الرشيد.. ومعتقل خلف السدة، وكذلك النادي الاولمبي في الاعظمية وافتتح قصر الرحاب وأطلقت عليه تسمية قصر النهاية ليكون مسلخا بشريا ذاع صيته السيئ، وجرت تصفيات لخيرة ابناء الشعب من المدنيين والعسكريين سواء تحت وطأة التعذيب الوحشي، او من خلال تنفيذ بيان الإبادة الجماعية السالف الذكر : سلام عادل، محمد حسين ابو العيس، حسن عوينة. عبد الرحيم شريف، توفيق منير. لطيف الحاج، عدنان البراك، عبد الصاحب مرزة، سعيد متروك، وصفي طاهر، خزعل السعدي ماجد محمد امين، حسين خضر الدوري، عبد الكريم قاسم , فاضل عباس المهداوي، طه الشيخ احمد، كنعان حداد والمئات من المدنيين والعسكريين.
لقد كانت ايام فترة الانقلاب ايام دامية ارتكبت فيها ابشع المجازر الدموية، استبيح بها الدم العراقي بشكل غير مسبوق ما زالت اثاره باقية يعاني منها العديد من أبناء شعبنا في الحصول على استحقاقاتهم.
وقد عبر عن هوية الانقلاب وجرائم منفذيه شاعر العرب الأكبر الجواهري في قصيدة ميمية عصماء وثقت تلك الجرائم الى يومنا هذا يتداولها العديد من ابناء الشعب (امين لا تغضب) خاطب فيها الشخصية اليسارية اللبنانية الصحفي امين الاعور،
أمينُ لا تغضبْ فيومُ الطـَّغامْ
آتٍ وأنفُ شامتٍ للرَّغامْ
أمينُ لا تغضبْ وإنْ هُتـِّكَ الـ
سِّتـْرُ وديستْ حُرُماتُ الذ ِّمام
وإنْ غدا العيد وأفراحُهُ
مآتِما ً في كل بيتٍ تـُقامْ
أمينُ خلِّ الدم ينزِفْ دمـاً
ودعْ ضراما ً ينبثقْ عن ضرامْ
وخلِّ سوحَ المجد ينهضْ بها
ركامُ موتٍ عن بقايا رُكامْ
ودعْ مُدى السفـّاح مشحوذة ً
ظمآنة ً، يُبَلُّ منها الأ ُوامْ
خمسونَ عاماً وقتيلُ الكفاح
يشيبُ منه الطفلُ قبل الغلام
خضناهُ جبّارينَ في سوحِهِ
أهونُ ما نلقاه موتٌ زُؤامْ
فالصبحُ أبهى ما يُرى حسنُهُ
إذا استطالت غَمَراتُ الظلامْ