ادب وفن

محطات مزهر بن مدلول/ رشيد غويلب

نصوص العزيز مزهر بالنسبة لمن عرفه حديثا، تكشف بأن هذا الفتى الساخر الحزين لم يغادر شغبه، ولم يتبدل كثيرا، فالسنين العجاف الطوال وتجربته المريرة لم تزده الا التصاقا ببداياته الاولى، حلمه، "واختياره المتجدد".
نحن ازاء نصوص صادقة لا تسعى ولا تدعي تسجيل التاريخ، ولا تدخل حيز التحليل، وتبتعد عن الادعاء الذي دأب عليه العديد من اصحاب المذكرات السياسية، بل تنشغل باستحضار ايام صعبة، وتفاصيل ومشاعر مزهر، الذي كلما دخل في مأزق، ظل متمسكا ببوصلته وتفائله وامتلاكه لشجاعة صادقة، لا تخفي التردد، وتعترف بلحظات الخوف، الذي يتحول عنده في كل مرة الى منطلق للنجاة وللبدايات الجديدة.
نصوص "ابو هادي" وثيقة جديدة تجدد ادانتنا للجلاد وتكشف عن خسته، وعن التدمير الهائل الذي سببه للناس افرادا وجماعات، ولو قدر لمواطني منافينا القسرية ان يطلعوا على هذه النصوص وعلى مثيلاتها وهي كثيرة جدا، لتعجبوا من ان ما عاشناه يمكن ان يكون قد حدث قبل ثلاثين او عشرين عاما، وليس في قرونهم الوسطى التي تطالعهم في الكتب المدرسية.
ان هذه النصوص مهمة لجيل كاتبها، وخصوصا اولئك الذين قاسموه الموقف والمصير، ولكنهم عاشوا تجارب مختلفة، فهم يقرأون هذه النصوص بفضول لا محدود لمعرفة هذا الكم الهائل من الحكايات التي اشتركوا في بطولتها، وليجدوا ان خزائن ذاكرتهم مليئة باصرارهم في امس الحاجة اليه في هذا الزمن الرديء، وليسجلوا ردا آخر على المدعين والمنافقين وسراق المال العام. وهذه النصوص مهمة ايضا للأجيال التي لم تعش سنوات المحنة، ولكنها تعيش اليوم سنوات الفوضى والموت العدمي، فتعطي لهؤلاء زادا وذخيرة للاستمرار ومواجهة الايام القادمة.
وتمثل نصوص (مزهر بن مدلول) اجابة جديدة لسؤال يواجهنا دوما عن تفائلنا، وسر تمسكنا بالتغيير، فالقسوة وضبابية المشهد، تجعل الكثيرين فريسة لليأس، وعندما يلتقون بحالم مثل (مزهر) يعيدون ذات السؤال "لماذا انتم متفائلون؟" .
تحية للرفيق والصديق العزيز ابا هادي، الذي جعلني انتقل معه الى بداياته الاولى، الى اسماء قرى وقصبات الناصرية، التي لم ازر الا بعضها، وفي وقت متاخر جدا، ولكنها كانت جزءا من طفولتي وذاكرتي عبر حكايات والدي، الذي ربما يجمعه مع مزهر صدقه وحبه هو الاخر للسماء الاولى.