ادب وفن

كولاجات علي شبيب ورد الشعرية / خليل مزهر الغالبي

في بدء قراءتنا لكتاب "كولاج تأويـل - مشروع نقدي- تطبيقات على عيّنات من المشهد الشعري العراقي" للشاعر والناقد "علي شبيب ورد" نرى من الضروري أن نستمع الى روح الشاعر المتماثلة مع رؤاه النقدية والكامنة في إهدائه الشعري، لما له من أهمية في استقراء مضافات نصوصية اُخرى....
"الى الآتين ...
مع أمنياتنا لهم بسماء ثامنة
لا تتقاطع وأحلامهم... ولا تصد عن رغباتهم،
هي خارج سماوات التحريم والتجريم والمسالك التالفة
وهم فيها محبون بألفة
وناجون حتماً...
من فخاخ التسلط... وحجابات الثوابت... وأفانين التأليه...".
ويُستَدلْ عليها في دراساته النقدية المصغية وغير اللاغية لأي بصمة وتفرد لشاعر، وأيضا من نماذجه المختارة وكولاجاته لـ "35" شاعراً عراقياً اختلفوا في اسلوبهم الشعري وتوحدوا في ابداعهم، كما اتضحت به رؤاه النقدية، فالنقد لديه لا يتعلق بحقيقة نقدية واحدة في معاينة النص الجيد، كما في اشارته هذه إذ يقول "من دون تصورات مسبقة تُخْضِعُ النصّ لمحددات أو ثوابت نظرية أوتطبيقة ما. بوصفه "أي النقد" لاحقاً لسابقه "النص" منه يستمد كشوفاته الرؤيوية، وآليات كتابة نصوصه التأويلية. غير أنه لاحقٌ محايدٌ منتجٌ لتأويلٍ خصب، وليس منحازاً لتصوّرٍ مانعٍ لحرية التأويل".
وكانت التسميات أو العنونة الفرعية متقدمة في التعبير اللغوي الجمالي كعتبات، مفاصل أو "حِزَمْ" الكتاب، وهي عبارة عن تأكيدات لضرورات أو وجوبات في الخلق والبناء الشعري، والتي امتثلت لشروح النقد المدرسي، ومنها قوله "النقد نص لاحق لسابق، كفاءة النص في التواصل عبر الأزمة، بلاغة التلقي، الذائقة ومفاتن النص، الشعر ليس امتثالاً لنزوة عابرة،الكتابة خارج اسوار الشعر المهادن، قصيدة النثر الحرة، التفاعل التخادمي بين النص والتلقي، بلاغة البساطة" وغيرها كتعابير جمالية في إيصال الدالة اللغوية، وبأريحية فيوضاتها وامتدادات تلك الحزم، لتنطوي على مواصفات بلاغية، ولتفترش مائدة دسمة لتغذية المتلقي، والاستئناس بقراءة دالة الجملة ومجساتها.
ولاختلاف هذه الكولاجات الشعرية، في الأسلوب والاليات من لغة وتصوير ومتعلقات أُخرى، نهج الناقد في تناوله مقاربة رؤى-رولان بارت- في لغته الإتباعية Metalanguage- أي ان تكون لغة نقدية فاعلة ومتنقلة مع جميع النصوص الشعرية المختلفة التكوين، إذ يعتبر بارت أن نظام الإشارات العائد إلى عمل شعري ما، إنما يُحدد من قبل الكاتب نفسه, فيتجاوب حتما مع أسلوبه الشخصي،ودور الناقد يكمن في إعداد لغة معرفية متنوعة يستطيع بواسطتها التعامل مع المتعدد المختلف، والمقترن بمؤشر "بارت" في مقالته" نقد وحقيقة "لا تتعلق موضوعية الناقد الأدبي باختيار الشيفرة، ولكن بالدقة في اختيار النموذج الذي سيطبقه على العمل الأدبي"، وهذا ما يُستَدلْ عليه في دراسة كولاجات بعض الشعراء المختلفين ولكنهم متوحدين في وصولهم للنموذج الابداعي للقصيدة الشعرية، وكأن الأمر لا يتعلق بحقيقة نقدية محددة لمشروعيتها، كما في مقاربة - علي شبيب ورد- في حزمة "إعادة الاعتبار للتخوم والهوامش"في قوله "لسنا هنا لنفرض على النص هيئة تشكل معينة،بل نحاول تأشير ما يبدو لنا،والذي ربما لا يبدو للآخرين، فلكل رؤاه، وما من معضلة، والنص منجز ذاتٍ تحاول إنتاج صورة - الآخر/ العالم - كما تراه هي لا كما نراه نحن،وما علينا سوى فحص تلك الرؤية والاشارة لمدى نجاحها او اخفاقها في افانين عرضها لمفاتن منظومتها...
واستحضر الناقد أيضاً أهمية نظرية التلقي عند حزمة "التفاعل التخادمي بين النص والتلقي" فيقول إن "النقد كاجراء إبداعي، يقع ضمن منطقة فعل التلقي اللاحق لفعل الإتصال الذي يحدثه النص، وبهذا فهو عمليا لاحق لسابق هو النص،إذن النص اولاً، ثم يأتي النقد المتضمن لعمليتين متعاقبتين وهما القراءة والتأويل، ونحن لانتفق مع النقد المدجج بوصايا او فرضيات مسبقة عنه..
ويعد بارت خاصة في الحالة النقدية هذهِ والمتمثلة لنصوص مختلفة التكوين والاسلوب- ان القراءة النقدية لأي نص، تعود الى نجاح اسلوب الشاعر وابداعه الخاص والمختلف عن اسلوب الشاعر الأخر، لتكُون لغة بارت رؤية نقدية مفتوحة، فاعلة ومتغيرة في متغير النص المدروس، وليست رؤية احادية جاهزة قبل مثول النص للقراءة النقدية، وهذا ما أكده الناقد"علي شبيب ورد" في حزمة "النص وبلاغة البساطة" في تنبيهه الى ان النقد ما عاد "تطبيقا منهجيا صرفا لآليات تناول جاهزة- تعمل عمل المشرط- في النص، ربما تلك الاليات تصلح لنصوص تكرار المأوف - المتهيبة من الخطوط الحمر،بل هو فحصٌ رؤية في رحاب عالم النص..".
وتبان القيمة المعرفية العالية لدرس الناقد"علي شبيب ورد"في إيصال هذه المنبهات ذات الحوارالفاض للكثير من الاشكاليات في الرؤى النقدية وتفاصيلها المتفق عليها واللامتفق عليها في الوقت نفسه، والتي تصب في القبض على الروح المتمردة في كونية الشعر والمتجسدة أخيراً في القصيدة، ومنها راح الناقد في سلوك نقدي نابع من ذات النص المدروس مع بقاء ابداعه المختلف في الشكل والطعم واللون، والمتوحد في جماليات الشعر، وهي دراسة نقدية وفق فلسفة النص النقدي المائز من حيث الإسلوب والابداع.
هذا الفهم لحالة المختلفات النصية للشعر، سيقوض سياقية القراءة غير المنتبهة للأخر النصي والمتعسفة تجاه خصوص بصمة الشاعر وتفرده، وفق الحصار الذي يفرضه مفهوم "التاريخ،المجتمع،المؤلف" ولابد هنا من العبور الى القراءة النسقية التي تعمل وفق التلقي المفتوح في استكشاف ذات العمل الفني وقراءة النص قراءة محايثة، بعيداً عن كل ما هو خارج النص، فلا قيمة للمقاييس الخارجة والبعيدة عنه سواء كانت نفسية أم اجتماعية أم تاريخية .. لأن كل ما لا ينبع من النص ولا يرتبط بخاصية عناصره المكونة، هو في الواقع دخيل لا يصلح لحوارات النص.
ويمكن إيجاز الرؤية النقدية للشعر لدى"علي شبيب ورد"ضمن الحزمة الأولى من دراسته"النص نص لاحقاً لسابق"، إذ يقول "فيما سبق تبين جوهر مسعانا النقدي،ألا وهو تباين مسارب تناوله كل نص، من النصوص الفائته، لأنه لا يحمل جعبة نقدية محددة، بل يستمد أدواته من النص ذاته، وينتج نص ما بعد التلقي المتأثر بطقوس منظومة بث النص المفحوص. بوصفه نصا لاحقا لسابق، كان مبعث ولادته وسبب نشوئه وحراكه لمغزاه"، وذلك عن طريق تأمل الناقد لعناصرالنص وامومتها السيميائية وطرق أدائها لوظائفها وعلاقات بعضها ببعض دون أن يتجاوز حدود النص من موقع آخر.