ادب وفن

طارق الآلوسي: أتعامل مع الحرف بهندسة روحية متدرجة / حاورته شهد مولود الرفاعي

طارق السيد عبد القادر الآلوسي، خطاط عراقي، ولد في تكريت عام 1973، وجد لنفسه مكانا بارزا في مجال الخط العربي والزخرفة الاسلامية، بعد أن أستطاع أن يؤسس له أسلوبا مميزا منفردا عما سبقه من العاملين في هذا الفن، من خلال المشاركة في العديد من المعارض العراقية، وحصل من خلالها على العديد من الجوائز.
ولتسليط الضوء على تجربته الفنية كان لنا معه هذا اللقاء:
- في حياة كل منا نقاط تحول، متى كانت نقطة التحول التي نعتبرها بداية فعلية لتشكيل هوية الخطاط طارق الألوسي؟ وهل استعنت بشخص دربك على كتابة الخط حتى وصلت الى هذا المستوى الرفيع؟
* في بداية الأمر كنت في صغري أميل الى الرسم، وهي موهبة ليست مكتسبة، حيث ولدت وأنا أرسم، دخلت الابتدائية في مدرسة صلاح الدين، وتبنى موهبتي الأستاذ عبد الرزاق الشكوري أطال الله عمره، فكان من أشد المشجعين حيث وفر لي جميع اللوازم وكنت أعمل في الشهر ما يقارب "40" لوحة مائية في شتى الرسومات، في المناسبات الوطنية والدينية، أما في العطل المدرسية فكنت أذهب الى دار السيد أياد الالوسي أساعده في بعض الأمور، وكان يحبني ويقول لي أنت يدي اليمنى، بعدها في المرحلة الإعدادية توجهت الى الخط العربي فقد تأثرت بخط القرآن الكريم، كذلك نشأتي في عائلة عرفت بالتقوى والزهد والصلاح فوجدت نفسي أبحث عن كراسات لتعليم الخط العربي وفعلا اقتنيت أول كراس لي بخط الخطاط محمد هاشم البغدادي، وأنا أذكر هذا اليوم ولن أنساه أبدا، كذلك اقتنيت كراسة الخطاط عباس شاكر البغدادي فتلهفت أن أكون أحد تلاميذه وفعلا اتصل به الدكتور خالد الرفاعي أحد أقاربي واتفق معه وذهبت الى بغداد عام 1997 وكنت مسرورا جدا برؤيته وعرفني على بقية تلاميذه، كنت له تلميذا مجتهدا حتى عام 2004 ، هكذا بدأت مسيرتي مع الخط العربي والزخرفة وأصبحت لي حرفة أزاولها حتى الأن، تعينت في جامعة تكريت بصفة خطاط وبعدها كونت وحدة الخط والزخرفة الاسلامية في الجامعة لاقامة المعارض والدورات وتعليم الزخرفة..
المدرسة البغدادية في الخط العربي من يمثلها اليوم؟
* المدرسة البغدادية في العراق أنجبت العديد من الخطاطين الذين ذاع صيتهم في الأفاق ولهم باع طويل منذ العصر الذهبي والى الآن، أنجبت بغداد كبار الخطاطين، وتتلمذ علىيدهم العالم منهم من حضر مشافهة ومنهم من وصلت اليهم كراساتهم ومن هؤلاء "أبن البواب - وياقوت المستعصم - وعلي الفضلي - وصادق الدوري" وغيرهم.
 هل اشتغلت على تصميم شعارات والكتب والاختام وغيرها؟
* بالنسبة لعملي فأن رئاسة جامعة تكريت تعتمد على أسلوبي في تصميم شعارات الجامعة والكليات والندوات العلمية والدينية والأختام والدروع وكذلك الشهادات التقديرية والتدريسية في الجامعة.
 للحرف العربي جمالياته وأستخدمه العديد من الفنانين التشكيليين في لوحاتهم ليمنحوها طاقة أيحائية وخصوصية تشكيلية، كيف تعاملت مع الحرف العربي وكيف اكتشفت بنياته الجمالية؟
* نحن نتعامل مع الحرف العربي تحت هندسة روحية متدرجة وفق الأصول عند الأوليين ما يجعله مساوياً ومنضبطاً وفق القواعد المتعارف عليها خلافا للوحات الفنية، اذ هي متغيرة غير ثابتة على انطباعها الموجود في جمالية الطبيعة، أما أسلوب الخط فهو منضبط ولا يجوز الخروج عن القاعدة الاصلية حتى لا يكون فيه نقص فيعتبر عند الخطاطين مخالفا للضوابط فمن هذا المنطلق أصبح له كيان خاص وقاعدة خاصة وليونة وجمالية حيث يجعل منه نغمة روحية تذهب بصاحبها الى السماء وتعود اليه بصائر مفرحة عند الصباح.
 تجربة كتابة المصحف تميزت عن غيرها من التجارب كيف ذلك؟ وكم كان التركيز على العنصر الجمالي يأخذ من مجمل العمل في كتابة المصحف؟
* تجربة كتابة المصحف هي ليست هينة بل تحتاج الى معرفة رسم الحروف القرآنية وقياس الأوراق التي سيكتب عليها ونوعها وضبط الخطوط الأفقية المندرجة بين السطرين لكي لا يتشابك السطر الأعلى بالسطر الأسفل وقياس سمك "السلاية" وحجمها والترويزات والحركات وفواصل الآيات وحجمها والآينات الهندسية والتذهب واختيار الورادات بين الآيات وأن تكون غير مسيطرة بالنقط، وانهاء الوجهة لأن كل صفحة من المصحف تعتبر لوحة فنية ليس سرد كتابات دون أسلوب فني مبدع.
كيف تنظر الى المزخرف والخطاط العراقي أبداعياً في وقتنا الراهن؟
* بالنسبة الى الزخرفة فهي متعلقة بالخط كتعلق الأستاذ بثوبه الظاهر، وهو قول الخطاط حامد الأمدي، فلا بد للخطاط أن يتحلى بشيء قليل من الزخرفة لجمالية اللوحة الخطية بأسلوبه الخاص وليس التقليدي، على أن يكون تحت هندسة منضبطة وجيدة ومدروسة لكي يخلد التاريخ أعماله ويكون درساً من بعده لتلاميذه.
- رحلة الخطاط طارق الألوسي مع الخط العربي والزخارف الاسلامية عامة وكتابة المصاحف مليئة بالأفكار والرؤى عن الخطاطين والخطوط فمن ممن خطوا المصاحف مازالت نسخنة متداولة و رسخ خطه في ذاكرة طارق الألوسي؟
* بالنسبة لكتابة المصاحف فقد ضم العالم مصاحف الخطاطين العمالقة، مصاحف تذهب بالعقل بتكوينها ولكن العثمانيين ارادوا بكتابة المصاحف على نهج المدرسة التركية العثمانية ومنهم على نهج المدرسة البغدادية وكل خطاط قد أمتاز بأسلوب يميزه عن الآخر، منهم من قلد أستاذه ومنهم من أظهر أسلوبا جديدا، ومنهم من أستخدم الأسلوب التقليدي أو الكلاسيكي ولكن لن أبالغ فأستاذنا عباس البغدادي قد أنعم الله عليه جمالية الخط فهو شيخ الخطاطين في العالم ومن دون منافس.
- يقال ان الموهبة تصقل بالمران والدراسة، هل كانت دراستكم أكاديمية؟
* في البداية كنت رساماً في طفولتي حتى مرحلة الابتدائية، أما مرحلة الإعدادية فقد توجهت الى دراسة الخط العربي لكن دراستي لم تكن أكاديمية بل كانت على طريقة المشايخ والأساتذة، كتعليم القرآن في دورات وحلقات فأول معلم لي هو الأستاذ القدير عباس شاكر جودي المعروف بالبغدادي، لازمته منذ عام 1997 الى ما بعد احتلال العراق حيث سافر الى عمان فأرسل بطلبي للقائه من اجل نيل الاجازة الشريفة من جنابه الكريم في سنة 2002 وبالفعل سافرت اليه ونلت الاجازة بحضور عدد من الخطاطين، منهم ساهر الكعبي من فلسطين، وهو أحد المجازين معي، بعدها ذهبت الى تركيا مع الأستاذ حسن جلبي فأجازني حامد الآمدي شيخ الخطاطين في تركيا، كذلك اجازة الأستاذ القدير صادق الدوري.
أخيراً ما هي أمنية طارق الألوسي؟
* أتمنى أن تؤسس مدرسة للخط العربي في كل جامعة وحتى في المدارس، لتعلم الخط العربي واستخدام الحبر العربي "والسلاية" وكيفية استخدامها.