ادب وفن

التخصص الفني.. / سلام حربه

فن التمثيل من الفنون الجمالية الراقية، هذا الفن له سحر خاص ليس على المشاهد فقط بل يمثل عتبة اجتماعية تطورية مهمة، ان معظم الممثلين في العالم نجوم لا يبارون وهم يتقدمون في مراتبهم الاجتماعية على اكثر السياسيين شهرة وحتى رؤساء الجمهوريات وهذا دليل على ارتباط الفن بحياة الناس وتفجيره مشاعرهم واحاسيسهم الوجدانية، وبقيت الكاريزما الشخصية للممثلين وطريقهم كلامهم وأساليب عيشهم وموضة لباسهم تتناقلها الناس جيلا بعد جيل، ان الوصول الى مستوى الفنان الممثل أو الممثلة حلم يراود الشباب من الجنسين منذ ظهور التمثيل حتى يومنا هذا..
في الغرب هناك تخصص فني، فالفنان الذي يعمل في السينما لا يعمل في التلفزيون والذي يعمل في المسرح لا يعمل في أحيان كثيرة في السينما ولا في التلفزيون، لأن هذا الفنان يجد ان سحره وتأثيره على الجمهور هو في هذا المجال الفني الذي يعشقه، كما ان الفنان وبسبب ازدحام الاعمال الفنية وعلى مدى الايام والاشهر والسنين فانه يرغب العمل في مجال واحد ويعتبر ان تحرير طاقته الابداعية يكمن في السينما وليس في التلفزيون او على المسرح وهو يبدأ حياته الفنية ويختمها في هذا القطاع الابداعي مع الاخذ بنظر الاعتبار ان حرفة السينما وادواتها وآلياتها واجواءها تختلف عن التلفزيون، والاثنتان تبتعدان عن المسرح.. في بلداننا العربية الامر مختلف بعض الشيء، الممثل هنا يعمل في السينما وفي التلفزيون وفي المسرح في آن واحد معا، ليس هذا فحسب فكبار الممثلين قاموا بتقديم برامج تلفزيونية فنية كانت او غير فنية وبرامج ترفيهية لقنوات فضائية خليجية، ربما ينظر البعض الى هذا الامر على انه أمر طبيعي فالفنان من حقه ان يقوم باي عمل ينسب اليه ،قد يصح هذا الأمر مع العاملين في القطاع الفني مخرجين مصورين كتاباً وكل العاملين خلف الكاميرا ولكنه لا يصلح مع الممثل ، لان ذاكرة المشاهد تحتفظ له بادوار قام بأدائها وبالتالي اصبحت جزءا من وعيه ومن موقفه تجاه هذا العالم.. كل مواطن وفي اية بقعة في العالم لديه ممثل مفضل فهذا يقلد لباس الن ديلون وآخر دراجة جيمس دين وذاك تسريحة شعر الفيس بريسلي وتلك اطلالة مارلين مونرو وهذا يذوب عشقا بقفشات عادل امام أو بخفة دم يوسف العاني وغيرهم الكثير، هذه الشخصيات تبقى لصيقة بذاكرته ما دام حيا وربما بعض الادوار والحوارات البليغة تغير من مسار حياة هذا المُشاهد. ان ظهور ممثل السينما او التلفزيون في برامج ليست فنية كأن يكون مقدما لبرامج تسلية واثارة ستكون له نتائج سلبية ليست على الممثل فقط بل على المشاهد كذلك ، وقد يتعدى هذا الامر عند المشاهد ويسقط هذا الفنان من ذاكرته وذائقته لاختلاط الاداء لديه، فهو يحتفظ له في البداية بصور لا تمحى من خلال أدوار مميزة. ان ظهور هذا الممثل الفنان في الشاشة خارج الأداء التمثيلي وان كان ناجحا له تأثيرات نفسية عميقة ويربك من قناعات هذا المشاهد وربما يسقطه من حساباته الى الابد ولن يكون مقنعا له ان أدى دورا ثانيا في اعمال فنية سينمائية كانت او تلفزيونية او مسرحية.. كلنا يتذكر مثلا الفنان المبدع ايمن زيدان في اعماله التلفزيونية الباهرة وكيف كان ناجحا في تقديمه لبرنامج «وزنك ذهب» لصالح احدى القنوات الخليجية وكذلك الفنان نور الشريف الذي قام بتقديم هذا البرنامج أيضا حين اعتذر ايمن عن مواصلة تقديمه، ان هذين الفنانين قدما أعمالا سينمائية وتلفزيونية عديدة بعد ذلك ولكن بقي في ذاكرة الناس ان ايمن زيدان وكذلك نور الشريف كانا مقدمين ناجحين لبرنامج تلفزيوني، وهناك ممثلون كبار ايضا قدموا برامج متنوعة، هذا الامر سينسحب كثيرا على قناعات الناس في تقييم اعمالهم الفنية فالصور متداخلة بين التمثيل والتقديم، هذه الازدواجية ليست في صالح العملية الفنية ولا في تربية الذائقة وتأثيراتها السلبية اكثر من الايجابية... اما ما يخص الفنان العراقي فهو لا يعرف التخصص ابدا وهذا بسبب فقر عملية الانتاج الفني في هذا البلد لظروفه السياسية المتغيرة ولذا نجد ان بعض فنانيه الكبار يقومون باي عمل ينسب اليهم حتى لو كان مقدما لبرنامج مع مشعوذ يبيع الاكاذيب والاوهام الى الناس وهذه طامة كبرى وعلامة من علامات التردي الفني الذي يعانيه البلد. في العراق العديد من السياسيين لم يأتوا من خانة السياسة بل الصدفة هي من قذفتهم الى عملية لا يفقهون بها شيئا وكذا الحال بالنسبة الى الفنانين فالكثير منهم وبسبب من ضيق الحال المادي وتلكؤ الانتاج الفني على مدار السنين وخاصة في زمن الحصار وما بعد عام 2003 فانه يتنازل عن موقعه المتقدم في ذاكرة الناس مقابل تلبية حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والاشتغال في اعمال لا تليق به ولا بسمعته وهذا ما خلق ويخلق فجوة بين المشاهد والممثل تصل احيانا الى القطيعة وعدم الاقتناع بالأداء الفني لهذا الفنان او ذاك بسبب التباس الادوار والمواقف، هذا في جانب وفي جانب اخر فان المواطن لن ينسى ان حركة الفن العراقي في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي انتجت ممثلين وممثلات قدسوا فنهم وما زالوا يتربعون في ذاكرة المشاهد لكن معظم هؤلاء غادروا الساحة الفنية اما بسبب تقدم السن او الهجرة بسبب ظروف البلد القاسية او طوى صفحات بعضهم الموت والنسيان ، الفن مرآة حياة البلدان ويبقى المواطن في حاجة دائمة الى رموز يتمثلهم ليس في السياسية فقط بل في الفن وصنوف الابداع الاخرى لانهم يشكلون دفقا حياتيا له لمواصلة المشوار بهمة أكبر، انها دعوة الى التخصص الفني واحترام الممثل لذاته، لان هذه الذات غالبا ما تكون ذاتا جمعية..