مدارات

في شأن سلم الرواتب الجديد / رائد فهمي

اثار سلم الرواتب الجديد موجة احتجاجات واسعة لدى مختلف شرائح الموظفين، وبشكل خاص من منتسبي الرئاسات والوزارات التي كانت تتمتع بمخصصات استثنائية، ومن الاساتذة الكاديميين في الجامعات الذين تعرضت رواتبهم إلى انخفاض كبير ومفاجيء اربك اوضاعهم المعيشية. وتجاوز القلق والاحتجاج موظفي الدرجات الخاصة ليشمل الموظفين ضمن الدرجات الاولى حتى السابعة، وهم يمثلون اغلبية موظفي الدولة، في حين جاء على لسان مسؤولين في الدولة دفاعا عن السلم الجديد انه يهدف إلى تحقيق العدالة ويضيق من الفوارق الكبيرة التي كانت قائمة، وخصوصا بين رواتب العاملين في الرئاسات واص?اب الدرجات الخاصة ومنتسبي الوزارات الذين منحوا مخصصات استثنائية عالية شملت الفئات الادارية وليس العاملين في المواقع او الذين يمارسون التدريس فعلا، وأن عدد المستفيدين يبلغ بحدود 3 ملايين موظف والمتضررون اقلية وان هناك حملة تهدف الى تشويه القانون. وهذا ينسجم مع مطالب الحراك الشعبي والمتظاهرين في تحقيق عدالة اجتماعية.
فإذا كان السلم يحقق كل هذه الأهداف ويفيد هذا الكم من الشرائح المتدنية الدخل، وهو ما يطالب به فعلا الحراك الشعبي والمتظاهرون ، كيف يمكن فهم وتفسير ردة الفعل السلبية الواسعة هذه ؟ ولماذا لم نشهد تظاهرات ووقفات واصواتا ترتفع دفاعا عن السلم الجديد من شرائح الموظفين الواسعة المستفيدة من السلم كما يقول الموقف الرسمي للحكومة ؟
1 - ينبغي تدقيق المعطيات فيما يتعلق بالمستفيدين والمتضررين من السلم من غير اصحاب الدرجات الخاصة، فاذا تأكد ان رواتب اصحاب الدرجات الأولى حتى السابعة تنخفض فعلا، فعندئذ ليس صحيحا القول أن المستفيدين يمثلون 3 ملايين موظف، إذ أن اصحاب هذه الدرجات قد تزيد نسبتهم على 70 بالمائة من اجمالي عدد الموظفين. وإذا ما شمل الانخفاض الفعلي رواتب شرائح الموظفين من الدرجات الرابعة حتى السابعة، والذين قيل أنهم لا يتأثرون بالسلم الجديد، فان نسبة هؤلاء قد تزيد على 60 بالمائة. وإذا صح ذلك كله، فهناك خلل في تصميم السلم.
2 - إن االطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع موضوع يخص أكثر من نصف المجتمع العراقي (4 ملايين موظف وعوائلهم اضافة إلى المتقاعدين) تقدم مثلا اضافيا عن ضعف ادارة "الاصلاح والتغيير"، إن لم نقل سوء الادارة الذي ادى إلى ان يتحول ما تعتبره الحكومة منجزا اصلاحيا إلى مشكلة سياسية وادارية.
فمن ردود الفعل التي حصلت حتى الان ، يتضح أنه لم يسبق اقرار السلم مشاورات مع ممثلين لمختلف الجهات والشرائح التي يمسها السلم، ولا مع النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني ، كما كان ممكنا نشر مشروع او مسودة السلم قبل اقراره ، وتقديم مشروع قانون الى مجلس النواب لأهمية الموضوع، مع الاستعانة بالضغط الشعبي لتمريره،
وحتى عندما تم اقراره، لم تقم الحكومة والمسؤولون بتوضيح تفاصيل السلم إلا بعد أن تعالت أصوات الاحتجاج.
3- إذا ما استمر هذا النهج الفوقي في اصدار القرارات والتعليمات، والتغافل عن اهمية المشاركة والتداول مع الداعين والمؤيدين للأصلاح، فان احتمالات الخطأ والفشل تزداد حتى مع افتراض حسن النية والرغبة الجدية في الأصلاح.
4 - اضافة إلى ما تقدم، هناك خطأ في ترتيب الأولويات عند اتخاذ الاجراءات، فهل من السليم المس باوضاع فئات متوسطة ودون المتوسطة تمثل الجسم الرئيس لادارة الدولة ؟ في حين كان المفروض التركيز على اصحاب الدرجات العليا والشرائح الضيقة التي كانت تتمتع بامتيازات فائقة .
5 - بات واضحا ان هناك ضرورة لمراجعة هذا السلم من الزاويتين المالية والتداعيات والآثار الاجتماعية المترتبة عليه، آخذين بعين الاعتبار الأزمة المالية الحادة التي تواجه البلاد، ينبغي ان لا يحمل السواد الأعظم للموظفين وعامة الشعب أعباء الأزمة بعد ان حجبت عنهم مزايا ارتفاع العوائد النفطية، وأن يتم الاهتمام بالشرح والتواصل والتشاور، وكذلك الأخذ باسلوب التدرج، اذ ليس معقولا ان يجري خفض المداخيل الى قرابة النصف بصورة مفاجئة.
أصبح واضحا ان ثمة ضرورة لمراجعة وتدقيق السلم.