مدارات

الفريد سمعان : في الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراق ..مع المسيرة الثورية الخطوات الاولى (1)

الحزب الشيوعي العراقي
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )

لاأدري من أين أبدأ؟.. يرافقني هاجس وبعض الاعتذار لكي لاتكون هذه الكلمات أغنية أترنم بها واتباهى أمام الآخرين، لأني أعلم أن لكل مناضل في هذا الوطن قصة، ولكل منهم خطوات أولى.. واكثر من ذلك لهم مواقف وبطولات لم يسمح لهم الزمن والظروف.. وربما الاستشهاد بان تروى في المجالس وتكون مُثلا عليا تشيد بالمواقف الشجاعة والجريئة والاهوال التي مروا بها والتحديات التي برزت خلال مسيرتهم ومساهمتهم في بناء هذه المسلة الرائعة والمشهد المتوهج والفكر المتألق في المسيرة المضيئة، مسيرة الحزب الشيوعي العراقي.
كنا في البصرة، اثناء الحرب العالمية الثانية، مجموعة من الطلبة نتأثر بما يحيط بنا ونتلمس خطانا ونحاول ان نفهم مايدور حولنا، كان مدير المدرسة (فيصل الاول الابتدائية) الاستاذ مخلص، كان ذا شخصية متميزة، تمتد أياديه في كل المواضع.. من غرفة الادارة الى الساحة.. الى الصفوف التي كان يقدم فيها بعض الدروس ولم يكن يسمح لأي طالب ان يقاطعه عندما ينسجم مع الموضوع الذي يتناوله، وكان معي على (الرحلة) المدرسية سعد صالح جبر (إبن متصرف البصرة آنذاك) وأصبح رئيسا للوزارة عام 1948 وعقد معاهدة بورتسموث التي قابلها الشعب العراقي بالاحتجاج والمظاهرات الصاخبة والاصرار على الغائها، وكانت وثبة كانون المجيدة التي اسقطت المعاهدة ورئيس الوزراء، وكانت الغضبة العنيفة الاولى ضد الحكم الملكي، التي انتهت باسقاطه بعد عشر سنوات.
في هذه المدرسة دخلت امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي، عام 1941، عند قيام حركة رشيد عالي الكيلاني التي انتهت بالفشل وباعدام مجموعة من الضباط الاحرار، ومن المفاجأت ان درس اللغة الانكليزية قد ألغي في هذا الامتحان باعتبار ان الثورة قامت ضد الانكليز وهي سذاجة في التفكير القومي السائد آنذاك لاننا يجب أن نفهم لغة اعدائنا بكل ما في هذه العبارة من تأكيد، لكي نستطيع أن نتعرف على مواقفهم تجاهنا ونبادر للرد عليها، وأتذكر اني حصلت على درجة مائة من مائة في درس الرياضيات وهذا ما لم أحصل عليه طيلة حياتي الدراسية في هذا الدرس الذي ماكنت ميالا اليه بل كنت اقرأ احيانا قصيدة في ايام الخميس اثناء الاصطفاف العام، اثناء تحية العلم، طبعا ليست من تأليفي بل لشعراء اخرين وبتكليف من استاذ اللغة العربية.
وقد درّسنا هذه اللغة آنذاك المناضل الفلسطيني الشاعر عبدالرحيم عمر الذي استشهد في فلسطين وكان قد ألف مسرحية تحمل طابعا نضاليا واعطاني دور فلسطيني وكان فيها صرخات الغضب والتحريض على المقاومة ودموع الانكسار والشكوى مما يتعرض له ابناء فلسطين تحت سيطرة الاستعمار البريطاني ودعمهم للصهيونية ومنظمات (الهاغانا) و(شتيرن) التي شكلت النواة الاولى لتسليح الصهاينة وبالتالي تأسيس دولة اسرائيل التي رفضها قادة العرب آنذاك وهددوا بالقائها في البحر، وكانت اعلانات متملقة ومناورات قادتها انكلترا والدول الغربية الاستعمارية ونفذتها الرجعية العربية، ومازلنا حتى الان ننتظر (الفرج) للشعب الفلسطيني الموزع في المخيمات وفي كل ارجاء العالم بينما تشكلت من الجدل حول القضية ملايين الصفحات دون جدوى، وهذا ديدن الركوع والانصات الرجعي (العربي) لقوى الاستعمار والانصياع لهم ولمخططاتهم.
كان الشهيد عبدالرحيم عمر يشجعني ويعلمني كيف اقوم بدوري بالاشارة والايماءة والوجع ونطق الجمل المأساوية والحماسية، وكان حسب علمي راضيا عما كنت أفعله، وكان هنالك، وهذه هي المفاجأة، معلم للرياضة، كان هادئا ورقيقا وعطوفا وجاد، يحب التلاميذ ولايقسو عليهم، ويعمل على توجيههم اثناء درس الرياضة، يعلمهم كيف يتعاطفون مع بعضهم ويساعدون الضعفاء منهم، وينشر عبارات المحبة والتضامن والمودة والتآخي، وهو والد الناقد سهيل سامي نادر، انه الاستاذ سامي نادر الذي كان المسؤول الاول للحزب الشيوعي العراقي في البصرة، الذي قاد المعارك الاولى للطبقة العاملة في اضرابات عمال الموانئ والسكك، واستطاع ان يحوّل (الشقاوات) رفاقا او أصدقاء للحزب، وهذه هي الخطوة الاولى.