المنبرالحر

إنهم يحرقون الكتب ويغتالون الفكر ..! / شاكر فريد حسن

ما من شك ان العمل الذي اقدمت عليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر أثناء عملية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ، بإشعال النيران في منزل الصحفي والكاتب والمؤرخ الكبير المعروف محمد حسنين هيكل واحراق مكتبته الغنية ، التي تحتوي على مخطوطات ووثائق وكتب تاريخة نادرة ، هو عمل بربري وهمجي ، وجريمة نكراء ضد الحضارة الانسانية ، وبمثابة اعتداء صارخ على العلم والفكر والثقافة والمعرفة والتنوير . وهي تعيد الى اذهاننا وذاكرتنا ما فعله التتار ببغداد عاصمة الرشيد في العصور الغابرة ، حيث حرقوا مكتبتها الضخمة والقوا كتبها في نهر دجلة حتى أصبحت مياهه سوداء من الحبر ، فضلاً عن احراق مؤلفات الفيلسوف العربي القرطبي ابن رشد ، وحظر الاشتغال بالفكر والعلوم واعمال العقل ، بعد اتهامه بالكفر والزندقة .
وتأتي عملية احراق مكتبة هيكل في اطار المخطط الإخواني المكشوف لحرق مصر وتدمير الدولة المصرية وتحويل حياة شعبها الى جحيم ، بعد عزل محمد مرسي وطي صفحتهم السوداء .
إن الاعتداء على محمد حسنين هيكل هو اعتداء على رمز مصري ، وصحفي عريق، ومفكر ومؤرخ وسياسي، وموسوعي كبير، له باع طويلة في ميادين الصحافة والفكر والتورخة والتوثيق ، وله أثر هام في الحياة السياسية والثقافية والفكرية والصحفية المصرية ، كان صديق حميم ورفيق الزعيم القومي والعروبي الخالد جمال عبد الناصر . وقد بلغ من العمر عتياً ، ووخط الشيب شعره لكن ذاكرته لا تزال قوية ومشعة ومشتعلة ، وفي ارشيف مكتبته كان يحتفظ بالعديد من المخطوطات والوثائق التاريخية المهمة ما لم يكن يمتلكها غيره من رجالات الصحافة والثقافة والسياسة والتاريخ .
ليس غريباً على جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من قوى الظلام والسلفية والاصولية ، التي تمارس عداءها وقمعها لكل نبض حقيقي في الثقافة العربية ، اقدامها على جريمة حرق مكتبة هيكل ، فقد سبق واغتالت الكاتب المصري العلماني فرج فردة ، واطلقت الرصاص باتجاه الروائي نجيب محفوظ بهدف تصفيته وقتله ، واجبرت المفكر الراحل حامد نصر أبو زيد على الرحيل والهجرة من مصر بعد تكفيره ، والطعن بالكاتبة والطبيبة المصرية المعروفة نوال السعداوي بهدف النيل من أفكارها ومكانتها الريادية . كما مرت أظافر هذه القوى على "الأدب الجاهلي" لعميد الادب العربي الدكتور طه حسين ، وعلى "الفتوحات المكية " لإبن عربي ، و"الف ليلة وليلة " وحكمت عليها بالاعدام ، ودفنت في طريقها الفيلسوف حسين مروة والمفكر الايديولوجي مهدي عامل ، وهدرت دم الكثير من المثقفين والمفكرين التقدميين والعلمانيين والليبراليين والأحرار المتنورين ، علاوة على احراق المسارح في قرى ومحافظات مصر .
ان اضرام النار بمنزل محمد حسنين هيكل يمثل اعتداءً فظاً على الكلمة المسؤولة التي تحتفل بشرف الانسان وكرامته ، وعلى حيز الفكر السياسي العقلاني المضيء . انها جريمة تستهدف بالاساس احراق الكلمة الحرة الواعية المستنيرة ، واخماد صوت العقل وجذوة الفكر الطليعي ، واغتيال الذاكرة والتاريخ ، وتغييب الأفكار الناصرية التحررية عدا عن تسييد ثقافة الجهل والتخلف والشعوذة والاقصاء .
إن الجماعات الاسلاموية باعمالها وممارساتها الدموية واحراقها مكتبة هيكل ، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك انها تريد أن تفرض معايير واوضاعاً ماضوية سلفية ورجعية تشكل ردة حضارية بكل المقاييس ، ودعوة الى تمزيق وتفكيك المجتمع وعزله عن حضارة العصر وصولاً الى فرض سلطة دينية على المجتمع المصري والعربي . وكما هو معروف لا فرق بين القمع الفكري وبين التعصب الأعمى ، فالقمع قهر واذلال ، والارهاب تخويف وترويع ، وكلاهما يلتقيان في ممارسة العنف .
المعركة الثقافية والفكرية الحضارية ضد اعمال قوى الارهاب الفكري وممارسات المجموعات الدينية المتطرفة ، وجماعات التكفير والهجرة ، التي تخاف الكلمة الحرة والعقل المنفتح المتنور ، والمعادية للحضارات الانسانية وللأفكار التنويرية المشعة ، هذه المعركة يجب ان تتواصل وتستمر بزخم اكثر ، وواجب المثقفين في عالمنا العربي مخاصرة فكر هذه الجماعات السلفية واماطة اللثام عن حقيقتها وفضحها وتعريتها ، وكشف هدفها الرامي الى اعادتنا للوراء آلاف السنين ، الى زمن الجاهلية .
ولا ريب ان صمت المثقفين، وما تبقى من رجالات الفكر على قيد الحياة ، وعدم تفاعلهم مع الاحداث والنتغيرات الجارية هو ضوء أخضر يعطي لهذه القوى والجماعات شرعية الاستمرار في اعتداءاتها الارهابية ضد ثقافة التنوير والديمقراطية والتقدم والمعرفة ، وضد المثقفين والمفكرين من حملة مشاعل الفكر التفدمي العلماني الحضاري النهضوي .
ليرتفع الصوت عالياً تنديداً واستنكاراً لجريمة حرق منزل ومكتبة الصحفي والكاتب والسياسي المخضرم محمد حسنين هيكل ، وضد خطاب قوى التأسلم السياسي القائم على الخواء الفكري والسياسي ، والرافض للفهم العلمي والمنطقي للنص الديني .