من الحزب

مجلة "الغد"البصرية في حوار مع الرفيق رائد فهمي :الحزب يخوض معترك النضال الطبقي والوطني الديمقراطي في ظل ظروف بالغة التعقيد بكل ثقة وهمة

نشرت مجلة الغد البصرية في عدد شهر ايار 2015 حواراً معمقاً في قضايا السياسة والأقتصاد والفكر أجرته هيئة تحرير المجلة مع الرفيق رائد فهمي، نائب سكرتير اللجنة المركزية وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، لمناسبة الذكرى الحادية والثمانين لتأسيس الحزب .
في ادناه نص الحوار :
س/ بعد انتكاسة الموصل في 10 حزيران 2014 وتمكن قوى الإرهاب من السيطرة على مدن وأراض عراقية بما يشكل ثلث مساحة البلاد تقريبا .. ماهي رؤيتكم لمستقبل العملية السياسية ؟
*اجتياح تنظيم داعش الارهابي للموصل وما سبقه ورافقه من انهيارات على المستويين العسكري والاداري كان كاشفاً عن الضعف وهشاشة بناء المؤسسة العسكرية والكثير من مؤسسات الدولة الاتحادية والمحلية. وهذا الخلل الخطير في بناء الدولة ومؤسساتها لم يكن غائبا عن نظر الكثيرين ، وعن حزبنا بشكل خاص. فمنذ سنوات ونحن نؤشر وننبه إلى المخاطر المترتبة على بناء الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية على اساس نظام المحاصصة الطائفية والأثنية ، والذي يعني عمليا تقاسم السلطة ومنافعها بين القوى والكتل السياسية المتنفذة. فهذا النظام ، كما كشفت الأحداث والتطورات، يحمل في منطقه وآليات عمله بذور أزمات متوالية ومتنامية، وصراعات دائمة لاقتسام وإعادة اقتسام مغانم السلطة والنفوذ، ويوفر تربة خصبة لنمو واستشراء الفساد السياسي والمالي والاداري. ولهذه الاسباب كلها ، إضافة إلى مؤثرات أخرى داخلية وخارجية لا يتسع المجال لشرحها ، عجزت القوى المتنفذة المتحاصصة عن بلورة رؤى واستراتيجيات وطنية مشتركة واضحة للدولة وللتشريعات والقوانين الأساسية المنظمة لها كما نص عليها الدستور ، ولحل المشاكل الأساسية للبلاد والتي باتت ترحل من سنة إلى أخرى ومن دورة تشريعية إلى أخرى.
إن انتكاسة الموصل تشكل جرس انذار مدوياً يؤشر ضرورة الاسراع في اتخاذ خطوات جدية لانتشال العملية السياسية من ازمتها وتصحيح مسارها وإعادتها إلى السكة السليمة.
لقد تراكمت الأزمات وإزدادت المشاكل تعقيدا واتسعت التدخلات الخارجية واصبحت المعالجات اكثر صعوبة ولكنها مع ذلك ممكنة اذا ما توفرت الارادة الصادقة والمنهج السليم الذي يعتمد الحوار والمشاركة ونمط التفكير الواقعي بعيدا عن التفرد والتعصب والاقصاء. والمخاطر التي يواجهها العراق والتي تتهدد مستقبل العملية السياسية تؤكد الحاجة والضرورة لعقد مؤتمر وطني شامل ، تشارك فيه القوى السياسية الممثلة في السلطة وخارجها، وتجري التهيئة المسبقة له جيدا عبر الحوارات واللقاءات وخلق الأجواء السياسية المناسبة وإنضاج المقترحات والمشاريع التي توضع على جدول أعماله للمناقشة ليخرج بنتائج عملية من أجل إعادة بناء العملية السياسية على اسس سليمة وتخليصها من نهج المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت وترميم النسيج الوطني وإصلاح عملية بناء الدولة الديمقراطية الاتحادية على اسس المواطنة ووفق قراءة مشتركة للدستور، نصا وروحا.
س/ الملاحظ أن العديد من السياسيين العراقيين يؤكدون في ظهوراتهم التلفزيونية المتكررة بأن داعش وأخواتها مجاميع أرهابية ممولة دوليا وأقليميا ولها حاضنات عراقية، لكن دون ان يجرؤ أي منهم على تشخيص تلك الدول الغربية أوالأقليمية والعربية والحاضنات العراقية، إلا يعد إخفاء أسماء تلك الدول والمؤسسات والحاضنات، وبحسابات النتائج، نوعاً من التواطؤ . وبالتالي كيف يستقيم التعويل على التحالف الدولي ضد داعش والجماعات الأرهابية ممولة من إدارات بعض الدول المشاركة،كذا،في ذلك التحالف؟
*في هذا السؤال شقان، الأول يتعلق بمغزى ودلالة عدم ذكر الجهات الدولية والاقليمية التي تقوم بتمويل داعش، وبهذا الخصوص فعدم ذكر الدول بالاسم والتحديد المشخص من قبل شخصيات سياسية مسؤولة في الدولة او برلمانية ليس كافيا لعده تواطؤا فقد يكون الدافع عدم وجود ادلة كافية تدعم الاتهام او رغبة في عدم تأجيج الخلافات وتوتير العلاقات الرسمية مع تلك الدول، ولكن ما يمكن اعتباره تواطؤا عندما يجري السكوت والتعتيم والتقليل من بشاعة جرائم قوى الارهاب، أو تقديم مبررات لها وتصويرها وكأنها تدافع عن مكوّن وعن مذهب واستخدام خطاب طائفي تحريضي وعدواني.
أما الشق الثاني فيتعلق بالموقف من التحالف الدولي ضد داعش. بدءاً لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن تنظيم داعش لا يمثل فقط تهديدا خطيرا ووحشيا للعراق، شعبا وكيانا وثقافة وحاضرا وتاريخا ومستقبلا، وإنما يشكل تهديدا مباشرا لشعوب وبلدان المنطقة ولأمن مجتمعات دول التحاف ذاتها بسبب الأعداد الكبيرة من مواطنيهم أو المقيمين في بلدانهم المنضوين تحت راية داعش، وبالتالي فإن لهذه الدولة مصلحة مباشرة في اضعاف داعش ومنعها من التمدد، وليس بالضرورة القضاء عليها كليا لأن استمرار وجودها لا يزال يخدم بعض الأهداف الاسترايجية لهذه الدول في المنطقة. لذلك فان التعويل الحاسم في محاربة داعش والارهاب يجب أن يتركز على بناء جبهة داخلية متماسكة ونبذ الانقسامات وتعزيز اللحمة الوطنية وتقوية القوات المسلحة، تسليحا وتدريبا وقيادة، وإعادة هيكلتها على أساس الكفاءة والنزاهة والاخلاص للوطن وترسيخ عقيدتها الوطنية، وتأمين إشرافها على قوات المتطوعين من الحشد الشعبي وابناء العشائر الذين يجترحون المآثر ، وتحقيق مزيد من التعاون والتنسيق الوثيقين مع قوات البيشمركة. وبالاستناد إلى هذه التعبئة الوطنية يمكن الاستعانة بالدعم الخارجي سواء من قوات التحالف الدولي ، أو من بلدان الجوار بما لا يخل بالسيادة الوطنية واستقلالية واولوية القرار الوطني العراقي.
س/ بالرغم من ان الدولة العراقية مازالت دولة ريعية، لكن نجد من الضروري التساؤل عن كيفية الخروج من الأنشوطة التي يعاني منها الأقتصاد العراقي الراهن والمتمحور حول ثروة نفطية ناضبة مستقبلاً، وخاضعة لتقلبات الأسواق الدولية ؟
*منذ التغيير ، عملت السياسات والاجراءات الاقتصادية المعتمدة على تكريس وتعميق الطابع الريعي للاقتصاد والدولة العراقية، إذ يشكل المورد النفطي أكثر من 60 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وأكثر من 90 بالمائة في المتوسط من ايرادات الموازنة العامة للدولة. ولم تكشف الأزمة المالية الحالية التي تواجهها الموازنة العامة، والناجمة عن انخفاض الايرادات النفطية بأكثر من اربعين بالمائة، عن مخاطر انكشاف الاقتصاد العراقي لتقلبات اسواق النفط العالمية وحسب، وانما بينت ايضا هشاشة الاقتصاد العراقي وفشل الحكومات المتعاقبة وسياستها الاقتصادية في توفير تحوط مناسب تحسبا لتذبذب اسعار النفط العالمية. ومما يزيد من الأعباء الاقتصادية لانحسار العوائد النفطية ، طغيان الطابع الاستهلاكي للاقتصاد العراقي وشدة الاعتماد على استيراد السلع والخدمات والمنتجات الزراعية بحيث تزيد قيمة الاستيرادات على 50 بالمائة من ايراداته النفطية.
إن إحداث تحوّل في النهج الاقتصادي والسياسات المتبعة بات أمرا ملحا، وإلاّ ستزداد الأزمة البنيوية للاقتصاد العراقي حدة وستنعكس بالضرورة على الواقع الحياتي والمعاشي لعموم ابناء شعبنا.
وتتطلب الاصلاحات الجذرية معالجة مواطن الخلل الجدية في ادارة المال العام واعتماد استراتيجية اقتصادية من أجل تحقيق تنمية مستدامة عبر توجيه نسبة أكبر من الموارد العامة إلى القطاعات الانتاجية، الزراعية والصناعية والخدمات الانتاجية، وإنشاء الصناديق التنموية لهذا الغرض، وأن يتلازم ذلك مع تفعيل حزمة القوانين التي توفر الحماية للمنتج المحلي وان تتولى وزارات ومؤسسات الدولة شراء احتياجاتها من المصنوع والمنتج المحلي، كما انه من الضروري ان تتوفر الارادة السياسية القوية لاعادة تاهيل الشركات العامة واصلاح اداراتها وتحديث اساليبها، وايجاد الشراكات المناسبة مع القطاع الخاص. ويصعب تصور تحقيق تقدم يذكر ما لم يجر تنفيذ الاصلاح الاداري والمالي وتقليص الروتين والبيروقراطية، وتحديث التشريعات وإزالة الكوابح والعوائق المختلفة أمام القطاع الخاص والاستثمار الوطني في القطاعات الانتاجية، وتنظيم السوق وآلياته بما يحقق الشفافية والكفاءة ويضمن سلامة ونوعية السلع المتداولة وتوجه الاستثمارات والتوظيفات المالية إلى المجالات الانتاجية. وفي ضوء الضعف البنيوي لواقع القطاع الخاص المحلي، لا يمثل التوجه نحو تصفية القطاع العام والخصخصة الشاملة حلا مقبولا من الناحية الاجتماعية ومرضيا من الناحية الاقتصادية.
س/ اعلنت دولة الأمارات العربية أن برميل النفط الأخير الذي سيصدّر من الأمارات إلى الخارج سيكون بعد أقل من خمسين عام . وفي ضوء هذا الأستشراف وضعت الدولة الاماراتية الاتحادية استراتيجيات مستقبلية لإدامة أقتصادياتها بعد نضوب النفط . ماوضع الدولةالعراقية الأتحادية، كذا، بعد إبحار السفينة أوالشحنة الأخيرة من النفط العراقي؟ وهل تعتقد ان النخب الحاكمة اليوم أو غداً قادرة على وضع السياسات الاستراتيجية المستقبلية وهي ما زالت عاجزة عن معالجة ظاهرة الفساد المالي والأداري، ان لم تكن تلك النخب جزءاً رئيساً من ذلك الفساد؟
*اوضحت في الاجابات السابقة أن بنية الاقتصاد العراقي لا تزال احادية تعتمد على المورد النفطي، وهو مورد ناضب ومعرض لتقلبات السوق العالمية ولتذبذب أسعار النفط العالمية التي لا سيطرة عليها من قبل الدولة والسلطات العراقية. وأنه لم يحرز اي تقدم على صعيد تنويع القاعدة الانتاجية وايجاد مصادر جديدة لتمويل الموازنة، ومن المرجح أن تتعمق ريعية الاقتصاد العراقي في حال استمرار ذات السياسات الاقتصادية وعدم معالجة الضعف المؤسسي الشديد للدولة واستشراء الفساد في مفاصلها. وكون العراق يمتلك ثاني أو ثالث اعلى احتياطي نفطي في العالم، فان نضوب نفط العراق قد يستغرق أكثر من مائة سنة في حال ارتفاع معدلات الانتاج بنسب زيادة معتدلة. ولكن مكانة النفط واهميته الاقتصادية قد تتراجع قبل هذه الفترة بكثير لاحتمال تزايد الاعتماد على مصادر طاقة بديلة كالشمس والرياح والطاقة النووية وغيرها. ولا يزال العراق غير متحسب عمليا لهذا الافق، ولن يتمكن من وضع وتنفيذ استراتيجيات اقتصادية مستقبلية من اجل التنمية المستدامة من دون القيام باصلاحات جذرية في مختلف مجالات الادارة الاقتصادية ومؤسساتها والمكافحة الفاعلة للفساد.
س/يتسم النسيج المجتمعي العراقي الراهن بتنامي الخلافات الطائفية والأثنية والدينية، ويمكن عَدّ تلك الخلافات، لا الأختلافات، مقدمات لتمرير مشروع تفكيك العراق إلى ثلاث دويلات، كما أوضح ذلك بجلاء مشروع برنارد لويس الذي تبنته الادارة الامريكية ...ما هو استشرافكم للمخاطر المحدقة بالمشروع الوطني التي تقوم على إنتفاءً لمقولات الصراع الطبقي وتوازنات القوى الاجتماعية وتغييب ًللهويةالوطنيةالعراقية؟
*لم تعد المخاطر التي تتهدد المشروع الوطني العراقي ، واستمرار وجوده بصورته الحالية مجرد احتمالات واستشرافا مستقبليا، بل اصبحت مخاطر داهمة. أن العراق كان على الدوام هدفا لأطماع قوى خارجية، اقليمية وعالمية بسبب ثرواته وموقعه الاستراتيجي ورصيده الحضاري، ولكل من هذه الجهات مشاريعها الخاصة بالعراق المنطلقة من مصالحها الخاصة، ومنها مشروع تقسيم العراق وتشكيل كيانات مستقلة لمكوناته المذهبية والأثنية. وتنتعش هذه المشاريع وتزداد احتمالات تنفيذها وتحققها كلما ضعف التماسك الوطني واحتدمت الصراعات الداخلية وتعمقت الفجوة بين أطيافه وتخلخل بناء الدولة وانحسرت سلطتها واهتزت شرعيتها. والعديد من هذه الظواهر حاضرة بقوة في عراق اليوم، وهذا ما يزيد من فرص تمرير المشاريع التقسيمية التي تمزق النسيج الوطني العراقي. ومتطلبات اجهاض مثل هذه المشاريع وقطع الطريق أمام تحقيقها تكمن في معافاة العراق من الاستقطابات الاثنية والدينية والمذهبية ، وإعلاء شأن الموطنة وتعزيز الطابع المدني الديمقراطي للدولة والنهوض بالاقتصاد الوطني بما يضمن العيش الكريم لعموم ابناء الشعب.
س/الحزب الشيوعي العراقي، ومنذ تأسيسه،عابر للانتماءات الدينية والمذهبية والاثنية .الخ. أي أنه مازال متقدماً على الأحزاب المتمحورة حول تلك الأنتماءات. لكن اللافت للنظر ان حصاد الحزب في الأنتخابات النيابية جاء محبطا اذ لم يتمكن أي من مرشحيه الفوز بمقعد في البرلمان ,هل يكمن الخلل في الخطاب السياسي والفكري ؟ في آليات العمل الجماهيري ؟ في البنيةالداخلية؟أم في البنى المجتمعية؟
*يمكننا القول بدرجة عالية من الموضوعية والموثوقية بأن نتائجنا الانتخابية لا تعكس حقا وزن وتأثير الحزب السياسي والجماهيري، ولذلك أسباب متعددة، منها قانون الانتخابات غير العادل، عدم نزاهة عدد من مفاصل العملية الانتخابية، الاستخدام الواسع للمال السياسي وتوظيف موارد الدولة ومواقع المسؤولية لأغراض انتخابية بصورة غير شرعية ومخالفة للقوانين والتعليمات السارية، ممارسة الضغوط المختلفة على الناخبين في المناطق الخاضعة للنفوذ جماعات وقوى غير حكومية. ولكن هذا لا يعني أن الحزب والقوى المدنية الديمقراطية كانت ستحصل بدون هذه المؤثرات السلبية على اصوات تمنحها ألأغلبية أو تجعلها بموازاة الكتل الكبرى الرئيسية في مجلس النواب. فلا يزال الواقع الاجتماعي السياسي، والاجتماعي الثقافي والثقافي الراهن لا يتيح ذلك بسبب موازين القوى غير المتكافئة لغير صالح الحزب والقوى المدنية الديمقراطية.
وهذا التقييم لدور العوامل الموضوعية وللواقع المجتمع العراقي لا يلغي دور العوامل الذاتية المرتبطة باداء الحزب السياسي والاعلامي والجماهيري الذي يستطيع اجتذاب مزيد من المؤيدين والناخبين، ولذلك تخضع السياسة العامة للحزب واداؤه وعمل منظماته وهيئاته في مختلف المجالات إلى التدقيق والمراجعة المستمرين وبصورة جماعية بمشاركة الهيئات الحزبية على جميع المستويات. ويقوم هذا التدقيق على اساس متابعة وتحليل التطورات في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ودراسة فاعلية نشاطات الحزب وخطابه في تحقيق الاهداف الموضوعة لها ورصد تأثيراتها جماهيريا واستخلاص الدروس والاستنتاجات للارتقاء بعمل وأداء ونفوذ الحزب.
إن نتائج الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات، ومن ثم انتخابات مجلس النواب تؤشر احراز الائتلافات الانتخابية التي ضمت الحزب على نتائج أفضل، وهي تشي بوجود امكانات لتحقيق مزيد من التقدم في الاستحقاقات الانتخابية. وما يعزز مثل هذه التوقعات الواقعية، فشل مشاريع قوى الطائفية السياسية على ارض الواقع وفي التطبيق العملي كما يتجلى ذلك في سوء الاداء الحكومي والفساد المالي والاداري وتوالي الأزمات. ونلاحظ ونتلمس حاليا وجود مراجعات داخل القوى المتنفذة بحثا عن الحلول خارج اطار منظومتها الفكرية والسياسية أو عبر اجراء تغييرات داخلها. فمشروع القوى المدنية الديمقراطية ، والتي يمثل فيها الحزب الشيوعي العراقي طرفا أساسيا ، يمتلك افقا واعدا، وحزبنا يعمل مع حلفائه في اطار التيار الديمقراطي والتحالف المدني الديمقرطي، على نسج علاقات اوسع وأمتن مع الناس والتفاعل مع مطالبهم والدفاع عن تلك المطالب المشروعة تحت قبة البرلمان وخارجها.
س/ أثار فوز اليسار اليوناني (سيريزا ) بزعامة الكسيس تسيبراس في انتخابات كانون الثاني 2015 اهتمام المراقبين وهو تحالف من قوى يسارية ومجموعات ثورية انسلخت من الحزب الشيوعي اليوناني مبني على خطاب يساري تجديدي ..مالذي يمثله هذا الحدث فضلا عن نجاحات قوى اليسار في بلدان أخرى بالنسبة لكم ؟
*مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في الظروف، فإن تجربة سيريزا، والتجارب الممائلة في بعض الدول الاوروبية الأخرى، تحمل دروسا مفيدة لعمل القوى الديمقراطية واليسارية في العراق. لعل أهمها وحدة عملها شرطا لتعزيز قوتها وزيادة وزنها وتأثيرها انتخابيا، وأن مشروعها السياسي والاقتصادي الاجتماعي يمتلك قوة جذب كبيرة ويمثل بديلا واقعيا للمشاريع والأفكار والحلول الليبرالية والليبرالية الجديدة التي لا تزال تهيمن على فكر اصحاب القرار الاقتصادي- الاجتماعي في العراق.
س/ يلاحظ غياب التنسيق بين الأحزاب الشيوعية والعمالية وقوى اليسار في البلدان العربية فيما تتعاظم التحديات والأخطار التي تتهدد مصالح شعوبنا ومطامحها للانعتاق من الهيمنة الأجنبية وصياغة مستقبلها..
*خلال الربع قرن المنصرم شهد العالم احداثا وتطورات عاصفة رسمت لوحة جديدة لتوزيع القوى على الصعيد العالمي على خلفية انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان الاشتراكية. وزوال القطب الاشتراكي الدولي. وانعكست هذه التطورات على واقع الأحزاب الشيوعية والعمالية. فقد تباينت هذه الأحزاب في تحليلاتها ومواقفها إزاء ما حدث ، وبعضها استخلص استنتاجات دفعته إلى تغيير اسمائها والتخلي عن منطلقات الفكر الشيوعي، والبعض الاخر إلى إجراء مراجعة انتقادية لتجربة البلدان الاشتراكية ، واخرى حافظت على مواقفها واعتبرت المراجعة مساومة ايديولوجية وانتقالا إلى مواقع الاشتراكية الديمقراطية. وقد ترك ذلك تأثيره على العلاقات في ما بينها حيث انقطعت ما بينها لسنوات، ثم عادت فاوجدت اشكالا متعددة ومرنة من التعاون والتنسيق. ولتزايد التعقيد والتمايز في ظروف عمل الأحزاب وتنوع المهمات التي تواجهها، ضيّق من مساحة المشتركات وحدد من عملها المشترك. في السنين الأخيرة طرأ تطور ايجابي، لكنه لا يزال محدوداً، على العلاقات ما بين الأحزاب الشيوعية والعمالية، حيث عقدت عدة لقاءات سنوية تم خلالها تبادل الاراء والتحليلات بشأن الأوضاع الدولية والنضال ضد الراسمالية المعولمة وتحديد مهمات الأحزاب الشيوعية والعمالية، وسيعقد لقاء قادم في شهر تشرين الثاني. حزبنا يدعو إلى الارتقاء بمستوى العمل والتنسيق مابين الأحزاب الشيوعية والعمالية ولأن تتواصل لقاءاتها الدورية ولأن تتطور آليات عملها باتجاه احترام التنوع في الآراء والتحليلات وتطوير صيغ التنسيق العملية على اساس المشتركات، وأن تجري الحوارات على اساس احترام استقلالية كل حزب وعدم التدخل في شؤونه الداخلية ونبذ الميل إلى فرض الراي والأقصاء.
س/ كنت رئيسا للجنة المادة 140 الخاصة بتسوية مشكلة مدينة كركوك وأنجزت خطوات مهمة في هذا المضمار ...ماسبب تعثر عمل اللجنة فيما بعد ؟ ومامدى تسوية المشكلة لصالح اقرار التعايش بين مكوناتها ؟
يعود السبب الأساس في تعثر عمل لجنة تنفيذ المادة 140 من الدستور إلى عدم توفر الارادة السياسية الحقيقية لتنفيذ جميع فقرات المادة والمراحل الثلاث التي تنص عليها : التطبيع، الاحصاء والاستفتاء. فجرى التسويف في استكمال الاجراءات اللازمة لانجاز عملية التطبيع، كالغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل وقرارت لجنة شؤون الشمال في النظام المباد وتشريع قانون تحديد الحدود الادارية للمناطق المتنازع عليها الذي رفعه رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب في الدورة السابقة، إضافة إلى عدم توفير المبالغ اللازمة لدفع التعويضات إلى المهجرين والمرحلّين و"الوافدين" بموجب سياسات تغيير الواقع الديموغرافي التي اتبعها النظام الدكتاتوري السابق.
*لا تزال الاوضاع معلقة في هذه المناطق وهناك من يعتقد بامكان حسم مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها الأخرى من خلال فرض سياسة الأمر الواقع وتغيير موازين القوى على الأرض. انها نظرة قاصرة، فالتسوية الحقيقة للمشكلة لا بد وان تستند الى الاحترام المتبادل لحقوق كل طيف ولهويته القومية والثقافية ، وتضمن المشاركة الفعلية في ادارة شؤون تلك المناطق واعتماد آليات ديمقراطية تسمح للجميع بالتعبير عن خياراتهم. لذلك تظل المادة 140 مرجعية دستورية نافذة واجبة الاحترام عند البحث عن حل نهائي لمشاكل المناطق المتنازع عليها.
-كلمة أخيرة تتوجه بها الى قراء المجلة لمناسبة ذكرى تأسيس الحزب ...
نحتفي بالذكرى الحادية والثمانين لتاسيس حزبنا الشيوعي المجيد والحزب يخوض معترك النضال الطبقي والوطني الديمقراطي في ظل ظروف بالغة التعقيد بكل ثقة وهمة، جامعا تجربة وخبرة وحكمة الأعوام وعنفوان وحيوية الشباب المتجدد، يستلهم دروس تجارب الماضي ومعاينة ومواكبة حركة الواقع لرسم سياسة الحاضر واستشراف المستقبل.
تأتي الذكرى والشيوعيون يشاركون سائر قوى شعبنا الخيرة في مواجهة ارهاب داعش الوحشي ومثيلاتها من قوى الارهاب. وانا انتهز الفرصة لأحيي القوات المسلحة وفصائل الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر وقوات البيشمركة وهي تحقق الانتصارات في معركتها ضد داعش، وانحني اجلالا لكواكب الشهداء وضحايا الارهاب، واضم صوتي إلى المطالبة باعتبار جرائم داعش بحق شعبنا من جميع اطيافه والتدمير الذي الحقه بالموروث الحضاري لبلاد الرافدين ، جرائم ضد الانسانية.