من الحزب

حميد مجيد موسى لـ "طريق الشعب": الاصلاح والتغيير ضرورة ملحة

عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 9 تشرين الاول 2015 اجتماعها
الاعتيادي الدوري. وفي شأن هذا الاجتماع ومداولاته ونتائجه التقت "طريق الشعب" الرفيق
حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، واجرت معه الحوار الاتي:

التأم اجتماع اللجنة المركزية في مقطع زمني مهم، فما هو اهم وابرز ما توصل اليه ؟
اجتماع اللجنة المركزية انعقد في ظروف حساسة وغاية في التعقيد، محليا واقليميا ودوليا، وكان عليه ان يضع التصورات والمعالجات الكفيلة بايضاح موقف الحزب الشيوعي المتكامل من الازمة العميقة ومتعددة الجوانب التي يعيشها الوطن، وان يشدد على الحلول المنسجمة مع مصالح الشعب الوطنية العليا، بما يعيد مسار العملية السياسية الى الطريق القويم المفضي الى تعزيز المسيرة الديمقراطية وترسيخ المؤسسات الديمقراطية، والمضي في اجراءات مكافحة الفساد المستشري وتحقيق مستلزمات الانتصار على الارهاب وداعش.
النهج السابق قاد الى الفشل
لقد اكد الاجتماع من جديد موقف الحزب القائل بان النهج الذي سارت عليه ادارة الحكم منذ البداية قبل 12 عاما تقريبا، لم يفض الا الى الفشل والعجز عن تأمين ما يتطلع اليه الشعب من اهداف ومطامح. لهذا، والوطن معرض لكوارث واحتمالات لا تحمد عقباها، اصبحت عملية الاصلاح والتغيير ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل. وقد استبشر المشاركون في اجتماع اللجنة المركزية بتصاعد الحراك الجماهيري الواسع والمشاركة الكبيرة لابناء شعبنا في تشكيل جبهة ضغط مؤثرة، تدفع نحو الاصلاح والتغيير ولزعزعة المفاهيم والقيم والممارسات السيئة التي اعتمدها المتنفذون في الكتل السياسية في ادارتهم لشؤون الحكم في السنوات الماضية.
ان المهام الجليلة التي تنهض امام جماهير شعبنا، وبضمنهم القوى المدنية الديمقراطية واعضاء حزبنا، تتلخص في هذه المرحلة والظروف بالتصدي الكفوء الحازم للارهاب ولداعش، وتوفير كل مستلزمات النصر على اعداء الحرية واعداء حقوق الانسان، انصار الظلام والتخلف والمبشرين بالعودة الى ظلمات القرون الوسطى في ما ارتكبوه ويرتكبونه من جرائم وتقتيل وسبي وتخريب. هذا اولا، وثانيا ابتكار كل الاساليب والوسائل السلمية الناجعة لترسيخ وتنويع وزيادة تأثير ضغط الجماهير والرأي العام العراقي كافة على من بيديه مفاتيح الحكم، لتبني نهج الاصلاح وتحويله الى حقيقة ماثلة وممارسة جدية، والتوجه نحو التنسيق بين كل قوى العملية الاصلاحية في تيار جارف، لمواجهة اعداء ومعرقلي الاصلاح من الفاسدين والمتشبثين بالنهج السابق الذي ثبت فشله وبانت مضاره.
المحاصصة اس البلاء
وقد اشار اجتماع اللجنة المركزية الى صعوبة وتعقد عملية الصراع في سبيل الخلاص من افرازات نهج المحاصصة الطائفية- الاثنية، التي هي اس البلاء في المشاكل التي نواجهها حتى اليوم، والتي شوهت الديمقراطية وحفزت على انتهاك الدستور والاساءة الى المؤسسات القانونية، ورعت وحمت الفساد والمفسدين. كما انها اضعفت الى حد خطير كيان الدولة العراقية ووحدتها، واسست لادارة سيئة متفردة، متعالية وبعيدة عن روح الديمقراطية، تتسم بالبيروقراطية والموقف اللانساني ازاء حقوق الكادحين. نعم، وشجعت المحاصصة على الاستهانة بحقوق الانسان والتفريط بها وبروح المواطنة والمساواة بين ابناء العراق، وبمباديء الكفاءة والنزاهة. وكل ذلك ألحق بكرامة العراقيين وحريتهم ضررا بليغا، وساعد على استباحة واغتصاب مدن بلدنا واراضيه من قبل قطعان داعش الارهابي. علما ان عملية الصراع اذا ما اتقنت ادارتها وتوحدت جهود المناصرين لها وجرى تنسيق امكانياتهم، فانها قادرة فعلا على الحاق الهزيمة النكراء بالاعداء والمعرقلين، رغم ما يملكون من مواقع في السلطة ومن مال كثير واجهزة اعلامية ووسائل اتصال واسعة وعلاقات متشعبة.
وفي هذا السياق اكد الاجتماع ضرورة توظيف كل عناصر القوة لدى الساعين الى الاصلاح، والمتجسدة في الحراك الجماهيري ودعم واسناد المرجعية العليا الدينية، وكذلك العناصر الخيرة الوطنية المعتدلة في ادارة السلطة. وأشر ايضا حقيقة ان نبذ التردد والتباطؤ في اجراءات وممارسات الراغبين في الاصلاح ممن هم في السلطة، يلعب دورا مهما واساسيا في تحقيق الاصلاح الناجز.
وهذا الاصلاح الذي طال انتظاره يتطلب تحقيقه امورا عدة من بينها اولا: وجود تصور ستراتيجي متكامل لمساره، ثانيا: توفر معرفة بتعقيداته وبالقوى الرافضة له وبالتدابير الكفيلة بتأمين نجاحه وشل قوى العرقلة والاعاقة، ثالثا: وضع برنامج زمني ينطلق من فهم واقعي موضوعي للاولويات، وتصنيفها وفقا لطبيعة القضايا التي تطرح نفسها للحل. وبما ان جماهير الشعب بحاجة ماسة الى ما يزيل شكوكها في نوايا الحاكمين ويبني عندها الثقة بالنهج الجديد، فلا بد من اعتماد آليات واساليب عمل بعيدة عن الحلقات التي احاطت الحكومات السابقة نفسها بها فالحاجة ماسة الى نمط تفكير جديد، واجهزة ودماء جديدة، واساليب عمل وآليات متطورة تؤمّن المشاركة الجماعية، خصوصا من طرف ذوي المصلحة المباشرة في الاصلاح، وفي صنع القرار الجماعي.
الانتصار على الارهاب يتطلب حزمة متكاملة من الاجراءات
هل نحن على الطريق السليم لتحرير اراضينا من داعش الارهابي ؟
مقارعة داعش بكفاءة وجدية تتطلب قبل كل شيء معرفة عميقة بخلفيات نشوء داعش، واسباب تمكنه من هذا الاختراق واحتلال محافظات ومدن، سواء كانت محلية ام اقليمية ودولية. وتتطلب كذلك التمعن في خلفياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، ومن ثم وضع اليد بجرأة وشجاعة على عناصر الاخفاق والهزيمة التي ساعدت داعش في اغتصابها للمدن العراقية ولما يقرب من ثلث اراضينا. ان ادراك دروس التجربة بوضوح والسعي لمعالجة العوامل التي تسببت في الاخفاق، هو المدخل السليم لخوض مواجهة فعالة وتدشين تحرك جدي كفوء، من شأنه ان يخلق المستلزمات الحقيقة للانتصار العاجل على داعش وحلفائه.
الاصلاح يسند المجهود الحربي
ويتطلب الانتصار، كما جرت الاشارة سابقا، حزمة متكاملة من الاجراءات لمواجهة داعش، لا تقتصر على التدابير العسكرية - الامنية، رغم اهميتها واولويتها، بل لا بد ان تشفع بتدابير سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية واعلامية، تعزز الجبهة العسكرية وتفتح الطريق نحو معالجة حقيقية للمسببات والخلفيات التي حفزت ظهور ونمو الارهاب في الارض العراقية. وتلك جوانب عالجناها في اجتماعات سابقة للجنة المركزية، ونؤشرها هنا من جديد لتأكيد أن هذه التدابير هي التي تطلبت واستدعت هذا الحراك الجماهيري الواسع للاصلاح. فالاصلاح بهذا المعنى هو ضرورة مطلقة لتعبئة طاقات الشعب العراقي المتعددة لاسناد المجهود الحربي، ولتأمين المستحقات والمستلزمات العاجلة لدحر داعش والقضاء عليه، واعادة الاستقرار والامن والطمانينة الى ربوع وطننا، وتسهيل عودة ملايين النازحين والمهجرين الى ديارهم، وفتح الطريق واسعا امام اعادة اعمارالعراق، وبناء مؤسساته الديمقراطية الحقيقية، في دولة مدنية ديمقراطية.
هيكلة القوات المسلحة مطلوب لتكون اكثر كفاءة
نعم، الحاجة تتطلب اهتماما خاصا بتعزيز المؤسسات العسكرية والامنية المتصدية بشكل مباشر لعدوان داعش وتمكينها من اداء مهامها على نحو افضل. ولهذا أشر اجتماعنا ضرورة تأمين وحدة القيادة في كل التشكيلات العسكرية - الامنية ضمن تصور استراتيجي واحد، وثانيا اعادة هيكلة القوات المسلحة لجعلها اكثر كفاءة وانسجاما مع متطلبات المعركة المعقدة، باعتماد الرجال المخلصين الذين يشعرون بالمسؤولية الوطنية، والكفوئين مهنيا، كذلك تطهيرها من عناصر الفساد والترهل التي كان وجودها احد الاسباب الرئيسة للهزيمة السابقة، وثالثا تأمين كل مس?لزمات النصر اللوجستية والمعنوية للقوات المسلحة ومن يشاركها في مجهودها (من المتطوعين في الحشد الشعبي، والبيشمركة، والمقاومين من ابناء المناطق المنتفضة ضد داعش)، ورابعا ضرورة وضوح الرؤية، وتشكيل الآليات الكفيلة بتفعيل قرارات مجلس الامن الدولي الهادفة الى اسناد العراق وتوفير مستلزمات التسليح الكفوء، ودعمه ماليا وماديا بما يمكنه من انجاز مهامه بنجاعة وكفاءة، مع تفعيل كل ما من شأنه قطع وتجفيف منابع القوة لداعش : التعبئة البشرية، السلاح والعتاد، التبرعات المالية، الامكانيات الاعلامية، التهريب..الخ.
اهمية تنسيق الجهد الدولي
ما اشرناه اعلاه يتطلب وحدة موقف، بعيدا عن الفوضى والتنابز في العلاقة بين المجهود الدولي الضروري والمطلوب لمساعدة العراقيين في الخلاص من كابوس الارهاب وداعش، وبما يتفق مع ابعاد العراق عن سياسة المحاور الدولية وصراعاتها، ويحمي استقلاله وسيادته ويضمن عدم التدخل في شؤونه الداخلية. نستطيع القول انه عبر هذا الطريق سيتمكن العراق عاجلا من دحر داعش. وصحيح ان خطوات تحققت على هذا الطريق، ولكنها غير مكتملة ومتذبذبة.
الحراك محصلة تراكم
مئات الالاف من المتظاهرين في ساحات التظاهر ببغداد والمحافظات الاخرى، في حراك قل نظيره منذ عقود. فهل حقا بدأ الحراك عفويا مقطوع الجذور والامتداد ؟
لا بد - اولا - من تحديد مفهوم العفوية، كي لا نقع في خطأ التقدير الموضوعي لطبيعة الحراك الجماهيرية. فالحراك اولا لم يظهر من لاشيء، وانما هو محصلة تراكم اسباب وعوامل موضوعية سياسية - امنية واقتصادية واجتماعية، اثمرت تذمرا هائلا، تنامى الى احتجاج ملموس ضد كل مظاهر الازمة الشاملة التي يعيشها البلد، خصوصا لجهة الاوضاع الاقتصادية - الاجتماعية والتردي في الخدمات وزيادة نسب البطالة وتدهور الاوضاع الأمنية.
ثانيا - شمل الاحتجاج اوساطا واسعة من ابناء الشعب العراقي من مختلف الطبقات والفئات والمكونات الاجتماعية. وقطعا ليس كل هؤلاء منظمين في احزاب وتنظيمات سياسية، وانما تحركوا انسجاما مع مصالحهم واحتجاجا على الاوضاع السيئة، وبهذا المعنى ساهموا عفويا في الحراك الجماهيري. لكن هذا لا يعني انهم بعيدون عما سبق من حراك جماهيري واسع في سنوات 2011 وما بعدها. كما انهم ليسوا بعيدين عن النشاطات المطلبية التي عمت الوطن من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، ولعل ابرزها الحراك العمالي، تظاهرات الفلاحين، اعتصامات وتظاهرات الطلبة، وفود المواطنين، حملات جمع التواقيع، المظاهرات المحلية من اجل الخدمات وصرف الرواتب.. وغيرها.
ثالثا - ان الحراك الاخير واسع النطاق لا يمكن عزله عما سبقه من نضالات منظمة واحتجاجات مدروسة من احزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات، تعبيرا عن مطالبهم المشروعة او احتجاجا على ممارسات غير مشروعة وطلبا للاصلاح والتغيير. بهذا التصور يمكن فهم الحراك الجماهيري بملموسياته العراقية، ولا يصح استنساخ استنتاجات قيلت في شأن اوضاع اخرى في بلدان ثانية، ويجري اسقاطها على الحالة العراقية.
حقا، ان هذا الحراك ليس مقطوع الجذور، بل هو امتداد وتطوير لمقدمات معروفة وملموسة في ساحة نضال العراقيين من اجل حقوقهم المشروعة.
نريد لعملية الاصلاح ان تأتي في اطار تصور متكامل
هل بدت لكم حزم الاصلاح المعلنة من قبل رئيس مجلس الوزراء مقنعة؟
تعاملنا نحن في الحزب الشيوعي مع حزم الاصلاح بايجابية جليّة. لكن هذه الايجابية لا تمنعنا من القول بصدق، ان هذه الحزم يجب ان تستكمل باجراءات وتدابير اخرى، وذلك ضمن رؤيتنا الى ان تكون عملية الاصلاح مصاغة في اطار تصور متكامل، كي تعطي ثمارها وترسخ منهجها وتزيد فاعليتها. فالاجتزاء والانتقاء وتعثر الاصلاح قد يؤدي الى نتائج سلبية غير محمودة، لا تنسجم مع جوهر العملية الاصلاحية. هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، واستنادا الى الخبرة المتراكمة، شددنا على ضرورة تحويل ما اتخذ من قرارات الى واقع ملموس وممارسة فعلية، من خلال ازالة كل معوقات الاصلاح التي تتجسد في التسويف والمماطلة والمراهنة على الوقت، بهدف "تجزيع" المطالبين بالاصلاح. نقول هذا ونحن نلاحظ حالة التردد والتلكؤ السائدة. فالنوايا الحسنة لوحدها لا تكفي، وان اصحاب المصالح، سواء كانوا اعداء للعملية السياسية الديمقراطية او متضررين من نهج الاصلاح، قادرون - ان لم يردعوا - على تسويف كل عملية اصلاح.
في ما يخصنا كحزب شيوعي، قمنا ( في تشرين الاول 2015 الحالي) بتوجيه مذكرة الى رئيس مجلس الوزراء، اوضحنا فيها بصراحة وجلاء وجهة نظرنا بشأن مستلزمات نجاح عملية الاصلاح. وارسلنا المذكرة الى رئاسة الجمهورية ايضا، والى مجلس النواب والقضاء، والى رؤوساء الاحزاب والكتل السياسية.
نريد الدولة المدنية – دولة المواطنة
يحظى موضوع الدولة المدنية باهتمام واسع، انتم كيف تنظرون له ؟
الاهتمام الواسع باعادة بناء الدولة العراقية على اسس مدنية ديمقراطية، يعبر عن احساس سليم ونهج صادق يعكس الرغبة في خلاص العراق من المحاصصة الطائفية- الاثنية، وما افرزته من خطايا وموبقات الحقت الضرر بمسيرة المجتمع العراقي. لهذا تكتسب عملية ترسيخ الطابع المدني الديمقراطي للدولة، بمعنى بناء دولة المواطنة والمواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات كما ينص الدستور العراقي بوضوح وصراحة، اهمية خاصة. ومن شأن ذلك ان يزعزع ايضا ويلغي بالتالي هذا التفسير المشوه لمعنى التوافق والتوازن، الذي ترجمه المتنفذون وممثلو الطائفية السياسية الى محاصصة، بمعنى اقتسام مغانم وتوزيع كعكة السلطة والثروة والنفوذ وصنع القرار السياسي بين مجاميع تدعي من غير وجه حق تمثيلها لكل مكونات الشعب العراقي. في حين ان التوافق والتوازن بمعناهما الدستوري يناقضان سياسات التمييز والاضطهاد ومحاباة كيانات مجتمعية على حساب اخرى، وهو ما عانى منه المجتمع العراقي ردحا طويلا قبل التغيير.
في الدولة المدنية تحترم الاديان ومعتقدات الناس
فاقامة الدولة المدنية تستهدف تأمين الحرية والحقوق لكل ابناء الشعب العراقي بصرف النظر عن قوميتهم ودينهم ومذهبهم ومعتقدهم الفكري والسياسي، او موقعهم الاجتماعي والاقتصادي، فهم جميعا متساوون امام القانون. ولا يستهدف المفهوم تغليب فئة على اخرى او معتقد على آخر، بل ان حرية الاعتقاد والايمان واحترام الاديان مكفولة للجميع في اطار دولة مؤسسات وقانون. وان المعول عليه في تولي الوظيفة العامة والمهام الرسمية هو الكفاءة والنزاهة والاخلاص للوطن والمهنية، وليس اعتبارات انتماء هذا المواطن او ذاك الى هذه المجموعة او تلك من تركيبات الطائفية السياسية. فبناء دولة في العراق المتعدد قوميا ودينيا وطائفيا، وفي الانتماءات الفكرية والسياسية، لا يستقيم الا ببناء الدولة المدنية - دولة المواطنة. كما اننا لن نستطيع منع تدخل الدول الاقليمية والاجنبية في الشأن العراقي وتلاعبها بمصائره، الا ببناء دولة الوحدة الوطنية - الدولة المدنية الديمقراطية.
نشجع الخطوات التي تزعزع اسس المحاصصة
يرفع البعض شعارات مثل : حل البرلمان، الغاء الدستور، اسقاط الحكومة، حكومة انقاذ وطني، حكومة تكنوقراط، انتخابات مبكرة.. الخ. هل من تعليق عليها ؟
لا بد لنا، ونحن نسعى للتغيير عبر الاصلاح وفق برنامج متكامل وتوجه عملي جاد، من التنبيه والتحذير من بعض الطروحات المتطرفة غير الواقعية، التي قد تطرح في بعض الاحيان من قبل اوساط حسنة النية لا تدرك مدى تعقد الامور وعمق القضايا، او من اطراف معادية للاصلاح اصلا تسعى لاستغلال الحركة الاصلاحية المجتمعية لغاياتها السيئة المعادية لمصالح الشعب. فمن لا يروق لهم استقرار البلد واعادة بنائه على اسس الديمقراطية والتنمية المستدامة، ويحلمون بعودة نظم الاستبداد والدكتاتورية باشكال ووجوه جديدة، والذين ثبت تحالفهم مع الارهاب ورعايتهم لكل عمليات التخريب.. هؤلاء يطرحون الامور كما لو ان الانقلاب على كل شيء واشاعة الفوضى والخراب هو الحل الوحيد الشافي.
ان عملية الاصلاح تنطلق من اعادة النظر في المنهج المعتمد في ادارة الحكم، والاستفادة من كل ما يمكن توظيفه من قوى وقوانين وآليات ايجابية لتحقيق عملية الاصلاح بوتيرة متصاعدة، تعيد للبلد عافيته الاقتصادية والسياسية وتؤسس لتقدمه اللاحق.
نعم لتعديل الدستور وليس الغائه
فليست هناك اية حكمة في الغاء الدستور، الذي تعرض - فوق عيوبه - الى الانتهاك ولم يتم الالتزام بجوهره وروحه ومنطقه، وجرى التعامل معه بانتقائية مقصودة لتشويهه ولتوظيف مواده لمصلحة ضيقة لهذا الطرف المتحكم او ذاك. في حين انه يعتبر من افضل الدساتير في المنطقة. نعم، نحن نؤيد تعديل الدستور لتلافي التأويلات السيئة والتفسيرات المشوهة لروحه الديمقراطية، ولا ندعم الغاءه.
المهم، ووفقا لمنظور الاصلاح، لا بد من تفحص ومراقبة سلوك الحكومة ومدى التزامها بما اعتمدته من حزم اصلاحية اولا، ومدى تجاوبها مع ارادة الجماهير والرأي العام لتطوير عملية الاصلاح. ولن نتردد في تأييد تعديلها ( اي الحكومة ) بما ينسجم مع متطلبات الابتعاد عن نهج المحاصصة، وتوفير الكفاءة الافضل لتنفيذ الاصلاح. اما اسقاط الحكومة في الظرف الملموس الراهن وبالنظر الى توازن القوى القائم وطبيعة الصراع الجاري، فيمكن ان يجلب الفوضى ولا يضمن المجيء بحكومة افضل.
اما الحديث عن حكومة انقاذ وطني فلا سند له ولا مبرر، وليس من ضمان ان يأتي مثل هذه الطروحات بالاستقرار والامن والديمقراطية. وتبعا لذلك فان حل البرلمان في ظل هذه الاوضاع قد يؤدي الى فراغ تشريعي صارخ، لا يمكن ملؤه بسهولة وبطريقة طبيعية. فمن الصعب اجراء انتخابات مبكرة في ظل استمرار احتلال داعش لمناطق واسعة لا يمكن اجراء انتخابات فيها. لهذا فان مثل هذه الدعوات يحفز التوجهات الفردية والدكتاتورية في صنع القرار السياسي في ظرفنا الحالي.
وعند الحديث عن حكومة التكنوقراط، لا نستسيغ الخلط بين الرغبة والحاجة الى اختيار عناصر كفؤة ومهنية لتسنم الوظائف العامة، وبضمنها وظيفة الوزير، وبين الهوية السياسية والتوجه الحزبي لمن ينتدب لهذه المهمة. فليس هناك في المجتمع شخص تكنوقراط صاف مجرد، لان لكل انسان واع وحريص على مصالح الوطن هوية فكرية وسياسية، سواء كان منتميا لحزب معين ام لا. المهم بالنسبة لنا ان يجري الالتزام عند تشكيل الحكومة الائتلافية المطلوبة بان يكون ضمن قوامها اناس ذوو معرفة ودراية بما يترتب عليهم من مسؤوليات ومهمات بعيدا عن الحزبية الضيقة. اناس يدركون اهمية تغليب المصالح الوطنية العليا، ويحترمون تماما نظام المؤسسات المبني على اساس الاختصاص والكفاءة والنزاهة والمعرفة في المستويات الادنى في الوزارة، وعلى نحو يحقق استمرارية العمل الحكومي وكفاءته، بعيدا عن المحاصصة والتمييز.
التظاهر ليس الشكل الوحيد للاحتجاج
بعد مضي اكثر من شهرين على انطلاق التظاهرات يلاحظ ان اعداد المشاركين فيها لم تعد ثابته، وثمة من يتساءل عما اذا استنفذ التظاهر دوره كشكل اساس من اشكال الحراك. ما الذي حققه اثنا عشر اسبوعا من التظاهر وما هي افاق الحراك عموماً؟
التظاهر شكل اساسي ومهم للاحتجاج، اعتمدته الجماهير بسبب قناعتها بكونه الشكل الاكثر وقعا وتأثيرا في ضغطها من اجل نيل الحقوق، ولاشعار كل ذوي الشأن بان الشعب وجماهيره الواسعة لن تستكين، وانها حاضرة للتعبير عن احتجاجها بهذه الصورة الواسعة الصارخة على الظلم والفساد والاضطهاد، ومن اجل الاصلاح.
واذا كان هذا الشكل اساسيا ومهما، فانه ليس الشكل الوحيد للاحتجاج. فهناك اشكال اخرى مكملة وموازية له، مثل الندوات، التجمعات المحلية، اللقاءات العامة، الاحتفالات، الاضرابات القطاعية، الوفود، وغيرذلك مما يمكن ان يبتدعه العقل الجماعي من اشكال غير محدودة للتعبير السلمي عن رغبة المواطنين في الاصلاح والتغيير. فكل هذه روافد تصب في المجرى العام لاشعار المعنين بان الاوضاع السائدة غير مقبولة، وان هناك حاجة حقيقة للاصلاح والتغيير، وان عليهم الانتباه الى ان المماطلة والتسويف غير مقبولين. واذا كان البعض يراهن على تعب وملل المواطنين من التظاهر، فانه واهم إن تصور ان ذلك استسلام وتخل عن المطالب. بل ان مثل هذا التفكير ينطوي على مخاطر جمة، إذ قد يدفع الناس الى استخدام وسائل اخرى غير محمودة. ومن ناحية اخرى يتوهم كثيرا من يتصور ان انخفاض اعداد المساهمين في التظاهرات يعني تخليا عن اهدافها وعزوفا عن الاحتجاج. فليس من قوانين التظاهر ان يحافظ على ذات الاعداد في كل الاوقات، حيث ان ذلك يخضع لاعتبارات مختلفة عابرة. فتراها يوما تكبر وفي آخر تتضاءل، لكنها لا تختفي ولا تتوقف ما دامت مطالبها المشروعة غير متحققة، وما زالت دوافع نهوضها وتصاعدها قائمة.
الجماهير غادرت الخوف والتردد
وقد حققت التظاهرات الشعبية العارمة الكثير، اولا في تأكيدها ان النهج الذي ساد خلال الـ 12 سنة الماضية نهج فاشل، وان الاصلاح ضروري، وان الجماهير لن تتوانى في المطالبة بحقوقها، وان من راهنوا على عدم وعي الجماهير لمصالحها حصدوا الخسران. فها ان مئات الآلاف المعبرين عن مصالح الملايين نزلوا الى الشارع غير وجلين، وقد غادروا الخوف والتردد ليصنعوا ماثرة الاحتجاج العلني الشرعي، وليهزوا اركان الاوضاع العامة وحالة الركود السياسي المتعفنة.
واكدت التظاهرات ان شباب العراق ونساءه وكادحيه وعموم فئاته، يشعرون بالمسؤولية ويتحسسون آلام الوطن ويتقبلون مهمة النضال من اجل التغيير طواعية وبقناعة. وقد اثبتوا نضجهم بعدم الانجرار وراء الشعارات المتطرفة والاساليب غير المشروعة، والتمسك بالسلمية واحترام القانون والدستور وحماية الممتلكات العامة والخاصة.
وان كل ما ذكرناه اعلاه وغيره ينبيء بتواصل التظاهر واستمراره، وفقا لما تستدعيه الحاجة ويتخذه المنظمون المنخرطون في التنسيقيات الشعبية من قرارات، خصوصا وان عنصر الوضوح في التوجه وصياغة الاهداف يتكرس في ادارة الحراك، كما يتعزز عنصر التنظيم وتتشكل القيادات الشعبية الجماعية لادارة عموم نشاطات الحراك، وفي المقدمة توقيت التظاهرات الاساسية في بغداد ومحافظات الوطن الاخرى، ومدياتها وشعاراتها.