ادب وفن

رحل.. منتصب القامة

طريق الشعب

سميح القاسم هو صاحب القصيدة التي لحنها وغنّاها مارسيل خليفة، والتي يقول مطلعها: "مُنتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون.. وعلى كتفي نعشي.. وأنا أمشي أمشي أمشي".
في 22/10/2004 كتب سميح القاسم: «في البدء كانت الكلمة وللختام الكلمة. وما الجسد إلا منفضة لرماد نار الشعر وما الشعر إلا منفضة لرماد نار الحياة وما الحياة الدنيا إلا منفضة لرماد نار الجسد. منفضة. انها مجرّد منفضة».
وهكذا حملت سيرته العنوان «إنها مجرّد منفضة».
يردّنا القاسم إلى رسائله المتبادلة مع محمود درويش والتي أطلق عليها محمد علي طه عنوان «رسائل بين شطري البرتقالة» أيام كانت تنشر في صحيفة «اليوم السابع» وصحيفة «الاتحاد» الحيفاوية.
يروي القاسم انه أهدى نجيب محفوظ قطعة شعرية بعنوان «إرم» في العام 1965 فوصلته هدية عبر جريدة «الاتحاد» التي كان يطلبها الرئيس جمال عبد الناصر ليقرأها، بينما كان يكتفي من الصحف الأخرى بالملخصات. وحين عانقه نجيب محفوظ في القاهرة قال له مداعباً: «نحن أصحاب من سنين طويلة. من سنين طويلة. من أيام هديتك الشعرية».
سميح القاسم شاعر وحّد بين واقعه القومي وواقع الإنسان الفلسطيني، فنزع عن قوميته إطارها الضيّق وجعل ما يعانيه الإنسان العربي فيها ضوءاً لمعاناة الإنسان عامة. فالشاعر بارع منذ بداياته في اقتناص الواجهة المثيرة لبنائه الفني، بحيث يشد إلى الحدث الذي يبدأ بصورة مفاجئة جميع العيون والجوارح، فهو، لا ريب، شاعر المواقف الدرامية وشاعر الصراع. وكثيراً ما تلاعب بالحروف الزاخرة بالإيحاءات في الأدب الفلسطيني. نبرته صيّاحة كأنها صادرة عن مارد سجن في قمقم.
أما في سيرته الموسومة «إنها مجرّد منفضة» فالقاسم يستدعي موطن الطفولة ومرافئ الضوء، في أسلوب غنائي ينسج هدوءاً خاصاً مميزاً، فيما لا تغيب عنه كثافة الضوء وعمق الحنين. ولعل سميح القاسم كتب هذه السيرة بعدما لم يبق له إلا القليل من الحبر، وبعدما صارع الاحتلال والمرض طويلاً، وظل دائماً صاحب الموقف الشجاع، وصاحب الرأي الذي لا يلين.