- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 15 كانون1/ديسمبر 2014 21:25
يشرع الفنان التشكيلي يوسف الناصر في مشروعه الغرافيكي الأول والثاني "الأخير" الذي

حمل "المطر الاسود ٢٠٠٣، الضوء المر ٢٠١٤ " إلى أن يطبق التعويذة بابلية "عندما يكثر الغمام الأسود في سماء بابل تغُمَّة روح الناس، وشتت شملهم ومنهم هجر برج بابل"، فنتجول في عالم الناصر نفسه عبر متاهات تشكيلية من سيمائية "العلامات والرموز والأشكال" جاعلاً اللون الأسود بكثافة عن رؤية تغور في عالم الاستلاب الروحي وممزوجة بتدفق الأحاسيس من خلال خطوط سوداء مكثفة ومؤسلبة مع تشخيصية مأساوية وتعبيريةـ تجريدية، في حين تظهر الاشياء الموجودة المباشرة مليئة بحرارة الفحم وبخطوط عريضة وأشكال مفكوكة من الغرافيت، انه يرسم بشكل آوتوماتيكي وبعفوية غير قابلة للتصحيح ولا امكانية التفكير، وهو يرسم ليس على الاطلاق رسوم تخطيطية للأشياء وانما تماسك خاص للغاية..
ومع ذلك نجد عنده امكانية إدخال أسلوبه غير تقليدية "الرسم بالفحم على الورق بأحجام كبيرة" لإعادة تشكيل اللوحة بتقنيات حديثة لها صلة بموضوعه عن أتون الحرب ومغامرة الهجرة عبر مواقف انكسارالحالة النفسية التي استجابت المشاهد لجمالية الرسم وعناصره كمحاولة تفسير وجودي لألم الانسان بوصفها فعلا اراديا من السرد البصري.
من السمات التي تميزت عند الناصر نشاطه الثنائي: كرسام الغرافيكي "حفر الطباعي"، و والغرافيتي "تخطيطات" مرسومة على الورق والكتابات التي يستخدم الطباشير الفحمية او الحبر الاسود والقلم الرصاص او بالاكريليك، ليخلق خطوطا مكثفة ثقيلة الظل، بعض الخطوط افقية ومائلة لا تعد ولا تحصى صغيرة رسمت بحزن واضطراب "كخربشات شاكر حسن آل سعيدـ كما يقول الشاعر كزار حنتوش"، ثم تتلاشى مع معالجة توزيع الضوء والظل من التجريد البناء، فنلاحظ عليها ضربات اختزالية احادية من اللون أحادي كالغواش أو المائية أو حتى الاكريليك وأيضا القلم أو الطبشور الفحمي وتدرجات اللون الرمادي والترابي لكي يشيد المساحات والمناطق من ظلال قاتمة وبعضها أخف وزنا من الأسود والرمادي، وتارة اللون الابيض ومشتقاته يخترق ثقل العتمة السوداء، كما يرسم باللون بشكل بدائي، حركة عفوية صرفة، سريعة، متكررة، رومانسية وهو يتذكر بعد تمعن بشكل الداخلي الذي يكتسب طاقة غامضة، رسمت على خلفيات مليئة بالضربات الفرشاة او بالقلم الفحم والتي تخرج بالصدفة ، بحيث يسيطر على المجالات لكثافة اللون الاسود بمقابل هناك فسحة من الوميض على سطح اللوحة لدمج بصريا على حساب التكوين مستغلا ألغاز الادراك الحسية ليكشف ارتباكات المشتركة، كان هدف في ذلك هو التوصل الى جمع بين التشكيل الجمالي البصري على النص الأدبي "قراءة شعرية للشاعر صلاح الحمداني" مع التوجه الفلسفي التأملي ضمن مسافة من الوعي الذاتي، أي التناقض بين اكتشاف الذات المتأصلة في الرسم كوسيلة بصرية مع المشاهد الذي يستخدم ادراكه لفهم اللوحة.
يوسف الناصر واحد من الفنانيين العراقيين القلة ـ مع زميله الفنان رسمي كاظم الخفاجي والفنان هاشم عطية الذى استخدم الرسم بالقلم على ورق الكرتون المستعمل في التغليف ـ الذي تحول الى اللون الأسود والابيض، وهذا ليس من خيالي ان نرى في معرضه الأخير "الضوء المر،٢٠١٤ " يجد ضالته ـ ليس من باب الفن الفقير ـ بالقلم و الاكريليك الأسود أو الأحمر أو الأبيض، ولو بعض رسوماته القديمة على الورق كشبه استعادتي كإننا لو تأملنا العرض لأدركنا تقارب التجربة التي حققها فقد جعل شرط العين على المشهد الحضرى البيئي خالقاً لأشكال تتدفق الخطوط من حيث مسعاه في الشكل الحسي لكي يتميز في شكله العام بأنه يجذب العين ويأسرها، وتصبح لا وجود موضوع للتصوير ، بالمعنى المتعارف عليه لكلمة الموضوع كاعمال الفنان الأمريكي مارك روث، وساي تومبلي وفرانك هانز، وعندنا فرج عبو وقتيبة شيخ نوري ومجموعة فائق حسن التجريدية، ومهر الدين وسالم الدباغ وجودت حسيب وأعمال يحيي الشيخ الاخير التي عرضت في عمان.
ولكن الأمر الذي يهمنا أن ندركه، أن الرسم يمثل تفكيرآً بصرياً ضمن التغييرات في الثقافة البصرية وهو أداة لتكوين العلاقات للوصول فهم مختلف للأشياء وإعادة التكوين، فاللوحة المسندية إنما هي تشكيل من مجموعة من الأشكال والخطوط الملونة رسمت بالقلم الفحم أو الألوان، حيث يصبح المشاهد أن تستجيب مشاعره بالتفاعل ايجابي، كونه دخل إلى القاعة العرض ليتمتع بشكل اللوحة الفنية التي تحفز إدراكه الجمالي الصحيح، وأيضا المشاهد "المتذوق الفن" سيتعرف على قدرة الإبداعية للفنان الناصر فهو يستطيع ان يرسم على ورقات مفكوكة، ويشعر بانجذاب عند ملامسة سطح الورق كأنه يشاهد روحه في الظلال، ويذكرنا بعبارة لشاعر مجهول".. من أين هذي الظلال التي تتدافع نحوي".
الناصر فنان تشكيلي، متجذر في واحاته دائما يتفاعل من خلال الفعل، المضمون، لوعة الغربة في المكان "الاغتراب والطموح".. كاستمرار اللوحة بوسائل أخرى، كلما يتم تأمل لوحاته ـ على الورق باحجام كبيرـ نلاحظ المسحة العاطفية المفقودة التي تعبر عن ملامح شخوصه المتداخلة متجردة مع الظلال والنوار و تبعث على الحزن شبه ميلودراما كأنها الخطوات الاولى المليئة بالشكوك و القلق وإلفة معاً.