- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 22 كانون1/ديسمبر 2015 09:22

بين أن تلبس قميص الشاعر، أو أن تشتري مُعجمه، وبين أن تعرف أسرار ما يكتب، ثمة الكثيرُ من الشغف والوجع، والكثير من المسافات التي تُغريك بالوطأة والمفارقة والرحيل.
شاعر بحجم سركون بولص المسكون بهموم كبرى، بدءاً من هَمّ الهوية و"هَمّ" القصيدة وانتهاء بـ "همّ" المعنى الذي يبحث عنه، لا ينفك أنْ يضع قصيدته خارج رهان الوقت، والعمر والآخرين، أو ربما تحت رهان السلطة والمهجر والمكان، وكلها لا تنفع أن تصنع له طريقاً للحرير أو طريقاً للملح، أو تدلّه على البلاد أو الأنثى...
طرق الشاعر غير آمنة دائماً، لأنها مكشوفة على الفضائح، ومباحة للصوص وقطّاعي الطرق، وكل الذين يُدخلون القصيدة وكأنها عجينة للفرن، حيث النار والأصابع والأسلحة والتأويل، وأحسب أن لسركون التائه النبيل طريقاً سّرية جداً، قادته إلى المغامرة، والبوح العلني، واستدراك ما لا يُدرك في القصيدة ..
فمنذ أن أدرك سركون لعبة المفارقة استوحشته الطرق الوطنية، وظل يبحث عبر اللغة عن العالم الذي يشتهي، عن حكاياته ومراثيه، عن وجه المسيحي الشرقي الواقف بين صليب مُدمى، وذاكرة مخاتلة بالأوهام الدينية وأسفار القديسين، تلك التي أخذت قصيدته الى أقصى الاستعارة، مثلما أخذتها الى أقصى المنافي، وأخذت روحه الى أقسى الخسارات..
المفارقة أنْ يكتبَ سركون بولص تلك القصيدة الفادحة في علنيتها وإشهارها، وأن يجرّ أقدامه على طريقة الناصري الى جلجلة أخرى، إذ تتكشف أمامه كل عذابات العراق وانكسارات الهوية، ومتاهة الجموع الباحثة عن حلمٍ أقسى منه الاطمئنان اليه..
في ذكرى رحيله من الصعب أنْ نستعيد معه التاريخ، لأن قصيدته تكفي، ودهشة ما تركته من مرائر تُغني عن القراءة النمطية خارج لعبة الأجيال الشعرية، فالكثيرون يقولون إن سركون كان جيلاً وحده، وأنه لم يرد أن يضعه النقاد في سياق تاريخ فيه الكثير من الأوهام النقدية، تلك التي ضللتنا نحن القراء الصغار، وتركتنا نلثغ بجمرات شتى، مثلما تركت الكثير من الشعر عند عتبة الايدلوجيا، وعند مراثي اليسار وغرور القوميين العالقين في الصحراء وأطلالها كثيراً..
سركون بولص الراحل في القصيدة، والماكث في المكان، والمتّسع مثل أغاني البيتلز الستينية التي اشتهاها كثيراً، كان يعوي على طريقة ألن غسينبرغ، ويفكّر على طريقة أدونيس، لكنه أكتشف أن رأسه الأبيض لم يُطق هذا السواد كله، وعليه أن يشتري مركب رامبو السكران ليدوخ مع القصيدة التي تخصّه، والموجة التي تأخذه الى لعبة الخلق..
لم أشأ أن أسميه الميت، وأنا أعيد قراءة مجموعته الكاملة التي أصدرتها دار الثقافة السريانية في اقليم كوردستان، إذ أتحسسه يطفر من القصيدة، يقترح قراءة أخرى لقصيدته، وقميصاً آخر لأخطائه، ليبدل يوسف الجسد والسحر والهمّ والأحلام والجبّ وطرق السيارة...