ادب وفن

علي الفواز .. الايقونة الثقافية العراقية / د. سمير الخليل

على الفواز ايقونة ثقافية عراقية ورمز من رموز الثقافة الوطنية، صافٍ لا يداجي ولا يجامل على حساب حق او وطن او انسان، مثقف بالثراء الثقافي ومشع بروح التسامح والتعايش المشترك والمحبة، مدرك لما يقول، ويمتلك ادوات التعبير عن الواقع والذات والانسان العراقي بلغة محببة ومفردات "فوازية" بامتياز.
على الفواز هو الواحد المتعدد ثقافة وابداعا، فهو المثقف الانساني المتسامح والمفكر المتوازن المتعقل والناقد الذكي والشاعر الرقيق الممتليء بالحب والجمال والتجدد، وهو الانسان المخلق الودود المحبوب المفتوح القلب المحتضن حتى خصومه صاحب ضمير حي. واني لأشعر بالعجز حقا حينما اتحدث عن قامة عراقية كبيرة مثل علي الفواز، اشعر كمن ينقل الماء بغربال.
علي الفواز الناقد
على الرغم من ان قناعات علي الفواز بالنقد الادبي بدأت تتغير، لشعوره ان نقد الادب ما عاد الوجه الاكثر تعبيرا والاهم تاثيرا في واقعنا الثقافي، وعلينا ان نتجاوز محطة النقد الادبي الى محطات اخرى اكثر ثراء وتأثيرا حياتيا. وهذا ما صرح به اليّ بعد تغيير النظام بسنوات ونحن نجلس في مدينة السليمانية على سفح جبل فيه متنزه جميل، وكان القمر يتسلق قمم الاشجار الندية، قال لي اصبحت الثقافة والفكر هما موطن التغيير والتطور. ومنذ ذلك الحين او قبله بقليل بدأ علي الفواز ينحاز الى الكتابات الفكرية ذات النزعات الثقافية والسياسية، اما انا فاختزنت نصيحته واتجهت الى حقل اكثر اتساعا وحرية يجمع النقد بالثقافة ويوائم نزعتي الاكاديمية فاتجهت الى حقل "النقد الثقافي" بانفتاحه الثقافي الشمولي على كل التخصصات والعلوم الاخرى والاتجاهات الفكرية، فعوضت ما فاتني من نصيحته ولكني بقيت وفيا للنقد الادبي ولم استطع تجاوزه مثلما هو فعل.
علي الفواز ناقد يتقن لعبة النقد جيدا ويدرك اسرار النص الادبي بذكاء نابه، ويتعامل معه بقدرات تحليلية ليست هينة. وباستطاعتي ان الخص موقفي من علي الفواز الناقد في كونه الناقد الذكي النابه المتمكن من ادواته النقدية في سبر اغوار النصوص وتفكيكها بذكاء باهر. وقد يبدو علي الفواز في نظر بعض الدارسين ومن زاوية بعض نقده ناقدا انطباعيا، لكن تلك نظرة تجافي واقع ممارساته النقدية وقدراته التحليلية. نعم قد لا يحكمه الخضوع الصارم إلى منهج نقدي محدد، وقد يتمرد على بعض اجراءات المناهج الاكاديمية المنضبطة ويرفض تحديد مساراته ليمارس حريته النقدية. فالنص لديه حالة ابداعية لا يمكن فرض قيود اي منهج نقدي عليها ما لم تكن منسجمة معها او مع النص، والفواز من هذه الزاوية ناقد حر وذكي يتحاشى القيود الاكاديمية الجافة وهو يتعامل مع النص الابداعي فيأتي نقده فوق المناهج، او تأتي المناهج بعفوية متجانسة مع طاقات النص الابداعية. وليس عيبا ان يعبر الناقد عن ذاته من خلال النص ليكتسب حريته بل من المفروض ان يتأثر الناقد بما يقرأ ويتفاعل معه، لان الادب كائن حي متدفق المشاعر والافكار، وتلك ميزة علي الفواز. ويمكننا ان نحدد سمات نقده بـ "التحليل والتعمق والحرية المنهجية واللغة المتفردة". علي الفواز ناقد حصيف في كل ما يتعلق بتحليلاته النقدية، واثق بنفسه وعمله مع تواضع ادبي جم. ظل يتجه بنقده إلى نصوص الآخرين من المبدعين بغض النظر عن اجيالهم ليضيء تجربتهم ويحلل نتاجهم ويقدمهم الى القراء على طبق ابداعي متجانس الاهتمام وبحيادية محببة نابعة عن ثقة يتسلح بها كأنها نوع من السمة الخاصة به.
علي الفواز الشاعر
كان هناك اعتقاد لدى بعض النقاد والشعراء في حقبة مطلع القرن العشرين وما بعدها بقليل، ولا سيما مدرسة الشعر الاجتماعي او التجديد الموهوم، وهو اعتقاد ساذج بلا شك على الرغم من تعميقه وقناعة كثير من الشعراء به آنذاك، هو ان الشعر يكون عظيما لمجرد ان يتناول حوادث حياتية وقضايا عظيمة. فأي شيء كان يكتب ضد الاستعمار ونقد الانظمة المرتبطة به، او عن قضية فلسطين او عن ثورة الجزائر او ضد اسرائيل او امريكا على وجه الخصوص يجد طريقه الى الناس بمباركة الصحف ويجد قاعات تستقبله وجمهورا يصفق له ويطرب وينال الاعجاب، وكأنما كان يعتقد ان سماع هذا الشعر جزءا من لذة النص والانبهار به.
غير ان علي الفواز شأنه شأن شعراء الحداثة كان دائما يؤمن بالمناخ الثقافي الذي يقال فيه الشعر، والصياغة الفنية العالية لمفرداته وسماته التعبيرية بعيدا عن موضوعه عظيما كان ام متواضعاً. فالثقافة هي ما تفصح عن اعماق الانسان وشخصيته وهويته، وهذا ما يقتضي ان يكون مستوى اختلاف الرؤى بين الشعراء المبدعين والنقاد اجمالا. علي الفواز يتقن اللغة بثراء معرفي في مواجهة من يجهل اللغة ولا يدرك اسرارها. ولو علم الجاهلون ان اللغة العربية هي لغة شاعرة - بحسب العقاد – رقيقة بطبيعتها وعلاقتها مع الشاعر علاقة تصالح لا علاقة تصادم، لكونها لغة اشتقاق وليست لغة نحت، وان اللغة العربية في مجملها مجازات ذات محمولات دلالية لا تبدو على هيئتها، وعلي الفواز في شعره مدرك تماما ان لغة الشعر مجاز ثان داخل مجازات المفردات وتداولها، بمعنى ان ما تقوله لغة الشعر لا ينظر اليه بمعيار الخطأ او الصواب والباطل والحق، والكفر والايمان، فما تقوله لغة الشعر هو تخييل ورمز وليس حقائق ندين بها الشاعر او المبدع.
علي الفواز يقيم علاقات تماهٍ بين الايقاع والشعر او بين النثر والشعر، فشعرية النص لديه هي جوهره وليس الشكل الفني الذي صبّ فيه. فالشعر بعامة والفن بعامة هما بين الاشياء الاكثر دقة وصعوبة، واذا كان الذوق نفسه ثقافة فان علياً الفواز يدرك تماما ان تقويم الشعر يتجاوز جذريا عبارة اعجاب مثل: "قول جميل او يثير الاعجاب "..الخ. انه – اي الشعر – يتطلب رؤية فنية غنية وتجربة متفردة وثقافة واسعة ولغة عذبة وهنا ما يمتلكه علي الفواز الشاعر.
على الفواز الانسان
اما علي الفواز الانسان فالحديث عنه يطول ولكني سأكتفي ببعض ملامح شخصه وسمات روحه وسعة رؤاه ورقة مشاعره وسمو انسانيته ورقي سلوكه. علي الفواز انسان يفتح قلبه للجميع ويتسع حتى لمن يختلف معه بنبل واصالة. ويرى وجوده يكتمل باصدقائه ومعارفه ومحبيه، ويؤمن بمبدأ التسامح حينما لا يجعل للخلافات مع اصدقائه من سبيل في فضاءات محبته، يمحو بوسع بياض قلبه كل ما يبدر حياله. والاهم من كل هذا انه لا يسمح للوشاة أن تضيق مساحات التسامح والمحبة التي تسكن قلبه وتملأ روحه. احييه على سعة صدره ودماثة خلقه التي تجعله مقبولا بل محبوبا من الجميع خصوم واحبة. أُدرك باعجاب ان علي الفواز قلبا وروحا لا يسكنهما غير المحبة والوئام والود وهذا ما يكمل الابداع.