- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 11 كانون1/ديسمبر 2016 20:17

خارج على سلطة النص
خارج من جملة الحد الى المطلق
في الذرى التي تواجه
اللا شيء
والأبد
نحو الضراوة في العشق والرذاذ
ثم أعلى
فأعلى
الى مرآة الخاصرة الغارقة في الريان
ومفارق النسيم
أعلى من الصعود.. فأعلى
حتى ذرى الغدير الصغير بين الجنتين
الضائعتين في الهديل
والرخام
خارج على النواميس التي صارت حدوداً
1- ما تقدم هو المفتتح الاستهلالي للنص الطويل "مقام الفيروز" للشاعر المبدع رياض النعماني. والخروج على النص، خروج على النواميس، وكل نص محكوم باشتراطه الّا أن الشاعر يستبق الاشتراط هذا بتمهيد صورة الشكل "في النص انتقالات بين النثر والوزن وأحيانا نثر النثر".
في النثر والوزن محددات ايقاعية كلاً بانفرادته في الوزن، لا بد من الايقاع القادم من موسيقى العروض، في النثر ايقاع آخر لا أساس موسيقياً له. أما نثر النثر فهذا توصيف زائغ يحتمل الخروج من توصيفات قصيدة النثر، الى نثرية القول.
في الوزن تكون الموسيقى المهيمنة، رغم تناوب ورودها، لبحري المتدارك والمتقارب كما هو واضح في بداية الاستهلال، وفي المتون الأخرى ويمكن كذلك تحسس موسيقى لبحور أخرى، الّا أن النثر هو الأكثر هيمنة "قصيدة نثر – نثر النثر".
اذن، الشاعر استدرك التأويل وكشف شكل النص وصولا الى التوصيف الكامل "مقام الفيروز - نص).
2- الشاعر رياض النعماني يتداخل في تكوينه الشعري منذ بدايات توهجه الشعري بين الفصيح والعامي. في العامي سبق وان أصدر مجموعتين "أمام الورد، رذاذ على جبين غزالة". في الفصيح تكون هذه أول مجموعة له على مستوى الاصدار، رغم انه يكتنز الكثير من النصوص الفصيحة. والشاعر برغم تداخل اللونين فانه لا يخفي الانحياز "ها.. أنا أكتب عامية وجعنا، ولكن بلغة فصيحة، فهل تغفر لي هذا التواطؤ الابداعي غير المقصود"؟ وغير القصدية هذه ما هي الا قصدية استمكان، حيث ان الشاعر يقوى كثيرا على مسك فكرة الشعر وبناء النص الشعري/ النثري غير بعيد عن التحولات الفنية/ الجمالية في الشعرية العربية والعالمية.
يا أول الموت، وآخر الورد
وما بينهما من هبوب، وهبوط للمحيطات:
أعراس الضفاف الاخرى لإشراق العبارة
اكتملت بنقصان الأخضر والأبيض
أشرق بي الجوهر الأبدي..
ضعني في السلم اللولبي لدوائرك التي
لا تعرف الانتهاء
دوائر تفتح الدوائر في دوائر
لتغلقها في محيط يدخل في جيم الجوهر
ويقرأ.. ما ليس يُقرأ..
يرى المحيط العدمي الذي يسبق اللغة
المحيط.. الذي يخوض فيه العمى والشيء قبل الشيء
انه الابتعاد عن مطارحات الغنائية والاقتراب من وهج النار الصوفية حيث التوحد مع آخر متعدد، آخر هو الانسان في وقفتهِ الوجودية محاصراً بالعذاب البشري، هذا العذاب الذي تذوبه المجسات الصوفية حين تصل او تمس المطلق، والشاعر لا يخفي هذا التماس، فالحلاج والسهر وردي والتستري والنفري يشعون في ترادفات النص تمثلا في الموقف، تمثلا في الحضور. والنص لا يقيم حدا واحدا ويستكين وانما يتماهى مع كل ما يمنح الوجود جمالا وطمأنينة.
الانبياء الازليون.. فأكثر
فأكثر، بيتهوفن، موزارت..
ميندلسن، باخ، جان دارك..
خجلون منك اليوم
من رايات الحرية واناشيدها التي انطلقت
من قلب شوارعك الى المجهول الذي
اجهش بها.
وبالورد، وبصوت جان جاك روسو وغوته
اين اليهود والصابئة والمسيحيون؟
إني ارتعد هلعا لفراغ البلاد منهم..
* *
ان الشاعر في موقف من يطلب النجدة له ولغيره، منشدا يرتل صيحة المسيح، بل صيحاته:"إيلي.. إيلي"، ويتواشج مع نشيد الانشاد في العهد القديم ليستثمر وقع الدلالة التي ما زالت مستمرة في مواجهات الانسان مع مصير وكأنه المحتم.
"مقام الفيروز" مسلة توثق العذاب البشري ومحنة الانسان وتصادمه مع كل ما يقوض حريته ومقامه الفيروزيين والمقام هنا بدلالتين "الأثر والعلو"، والشاعر يتمسك بوجودهما كي يمنح الحياة معنى وتأصيلا كي يكون الوجود انقى وأرقى.
في هذه المسلّة، وضمن موادها في العذاب البشري، كان العذاب العراقي هو الخلاصة التراكمية، الخلاصة التي تبدو وكأنها المستقر الأخير "أوربا، امريكا".
توقف الشوارع في الشوارع
دونما خطأ او انذار
توقف الشوارع في الشوارع ساعات وساعات
تصيح البشاعة بكل ما في اعماقها
من دوي ارتطامات غيوم الكراهية
بكل ما بها من خنزرة: Stop
"مقام الفيروز" نشيد ضد الخراب، ضد اندثار الاثر والعلو، كي يبقى الفيروز محتفظاً باللمعان خارجاً على سلطة النص.