مدارات

تأملات "طريق الشعب" السرية في انقلاب الثامن من شباط 1963/ د.سيف عدنان ارحيم القيسي

مرت صحافة الحزب الشيوعي العراقي بمسيرات طويلة وشاقة فمن "الشرارة" الى "القاعدة" و"اتحاد الشعب" حتى أصبحت "طريق الشعب" هي لسان حال الحزب الشيوعي العراقي في عام 1962 والتي تصدر بصورة سرية بسبب الإجراءات الحكومية التي فرضت على الحزب الشيوعي العراقي بعد سياسة التراجع التي أتبعت ضده بعد عام 1959. فأخذت "طريق الشعب" بين الفينة والأخرى تسلط الضوء على مجريات الأحداث السياسية تبعاً لتتابعها والمستجدات التي تطرأ على الساحة السياسة العراقية فقبل وقوع انقلاب شباط 1963 دعت "طريق الشعب" نظام عبدالكريم قاسم بضرورة الإصلاح الشامل وضرورة اليقظة والحذر لما يشاع من محاولات انقلابية في العراق وصمت لها الأذن دون معرفة الأسباب معللين ذلك بأنها محاولة من الشيوعيين لخلق حالة من الفوضى والارتباك العام وتحققت تلك التوقعات بانقلاب الثامن من شباط 1963 فلم يمتلك الحزب الشيوعي الامكانيات العلنية ليعزز تواجده المستمر فاعتمد على بياناته المطبوعة بآلة الرونيو وغيرها التي تؤمن وصول اكثر عدد من بياناته لأعضائه ومؤازريه فطبع البيان الصادر في الثامن من شباط 1963 والذي دعا فيه الى حمل السلاح لسحق "المؤامرة الرجعية الامبريالية والدفاع عن استقلال شعبنا ومكتسباته".
ولكن قوة قادة الإنقلاب التي تمثلت بسيطرته على الجيش والقوة الحاسمة لمجريات الاحداث قد مكنتهم من كسب المعركة وسببت للحزب الشيوعي العراقي ارباكاً تنظيمياً عاماً بسبب اعتقال واعدام قادته وكوادره والتي سببت صدمة كبيرة بين صفوفه.
وفي ظل التحولات الجديدة تمكن بعض قادة الحزب الشيوعي العراقي ممن لم يطلهم الاعتقال وعلى رأسهم جمال الحيدري الذي تمكن من اعادة ربط منظمات الحزب الشيوعي والذين لم تطلهم أيادي الحرس القومي فاعيدت "طريق الشعب" للصدور من جديد فصدر العدد الأول في اواسط حزيران 1963 أشار الى الأساليب "البربرية" التي اتبعها الانقلابيون بحق ابناء الشعب العراقي، و"اعلانه الحرب البربرية المكشوفة على شعبنا في كردستان متحدية ارادتكم في حل أزمة كردستان سلمياً وديمقراطياً"، كان هذا البيان بدوره حافزاً لكوادر الحزب الشيوعي العراقي التي تمكنت من اعادة الصلة بالتنظيمات وهذا الأمر ينطبق على قادة حركة حسن سريع الذين بدؤوا يفتشون بين ثنايا الركام الذي سببه الانقلاب عن قادتهم من اجل تنسيق العمل بين الجانبين بالرغم من مطالبة مركز قيادة الحزب بضرورة التريث في الحركة لكون الحزب يمر بفترة اعادة صلة الوصل بين تنظيماته التي انفرط عقدها، وبالرغم من الضربة الأخرى التي تلقاها الحزب الشيوعي باعتقال جمال الحيدري في تموز 1963 فان من تبقى من كوادر الحزب الشيوعي تمكن من طبع عدد ثان من "طريق الشعب" مخطوط باليد حمل في وسط صفحته "الحكم العفلقي يقترب من نهايته" مشيراً في الوقت ذاته "لقد تصورت عصابة البعث، عفالقة العراق انها بذلك تخدع نفسها باستطاعتها التستر على طابع انقلابها الفاشي الرجعي عن طريق التهريج بالشعارات الديماغوغية"، وعرجت الصحيفة الى ما أشار اليه سلام عادل في رسالته الأخيرة أبان الانقلاب "لابد لمثل نمط هذا الحكم المنعزل ان يجابه نهايته السريعة جداً على يد شعبنا العراقي المجاهد الباسل".
وبالرغم من اقتصار الصدور على عددين لطريق الشعب في ظروف صعبة لم يمر بها الحزب الشيوعي العراقي في ما مضى لكونه فقد القيادة والقاعدة الجماهيرية في وقت واحد ولكن بعودة سريعة خاطفة لطريق الشعب بقيت ومضة أمل لمن يرنو أن يبقى حزبه قائماً ومحركاً لجماهيره.