مدارات

اليونان .. الحكومة تريد خصخصة شواطئ البلاد

رشيد غويلب

عادت اليونان رسميا منذ النصف الاول من نيسان الفائت الى تداول سنداتها المالية، بشكل محدود في الاسواق المالية العالمية، وعلى الرغم من ان الحكومة اليمينية، عملت جاهدة على تهويل ما حدث، وجعلته دليلاً على صحة سياسات التقشف المدمرة، التي نفذتها تلبية لاملاءات اللجنة الثلاثية المكونة من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوربي، والمفوضية الاوربية، وعلى الرغم من الدعم الاعلامي، والدبلوماسي من المؤسسات، والحكومات الغربية لتأكيد هذا النجاح المفتعل، الا ان الحقائق على الارض تتحدث لغة اخرى، هذا ما كشفه غورغيوس نيكولوبولوس المستشار السياسي لحزب اليسار اليوناني في حوار اجرته معه اخيرا، جريدة "نيوز دويجلاند" (المانيا الجديدة)، وفي هذا الحوار اكد نيكولوبولوس على ان الشعب اليوناني ما زال يعيش صدمة إجراءات التقشف المتطرفة. وتذهب حاليا جميع واردات الدولة الى البنوك، والى الدائنين، لتسديد الديون و الارباح المترتبة عليها.
ويعني هذا بالنسبة للشعب استسلام الحكومة الكامل في مواجهة هذه المؤسسات. ويصاحب ذلك استمرار ارتفاع الضرائب، الذي يؤدي الى اغلاق المزيد من الشركات والمحال التجارية. والبطالة تتصاعد هي الاخرى، ووصلت في اوساط الشباب الى 70 بالمئة، وهي أعلى نسبة في أوربا. والذين ينجحون بالحصول على عمل يترتب عليهم القبول بتخفيض 60 بالمائة من اجورهم. اما التماسك الاجتماعي، الذي طالما طبع تقاليد المجتمع اليوناني فقد اختفى.
ويشعر الناس في جميع أنحاء البلاد بالاحباط، وتصبح الصورة اكثر وضوحا في المناطق الشمالية من البلاد.
والمشكلة الجديدة في اليونان، تتمثل في سعي الحكومة لخصخصة شواطئ البلاد. وعلى هذا الطريق قدمت الحكومة قبل شهرين مشروع قانون يتيح خصخصة الشواطئ، وتعمل الحكومة على إدخاله حيز التنفيذ بسرعة فائقة، ولكن مشروع القانون الحكومي يواجه رفضا شعبيا واسعا. ويشارك حزب اليسار في تنظيم التظاهرات الاحتجاجية، والتعبئة ضد مشروع القانون، ويشدد الحزب على ان تظل شواطئ اليونان حرة وفي متناول جميع المواطنين.
وينفي المستشار السياسي وجود كراهية لدى الشعب اليوناني تجاه الالمان، ولكن هناك نفور كبير من السياسة الليبرالية الجديدة المتطرفة التي تتبناها المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تحت غطاء تقديم المساعدات، والتي هي في الواقع، ليست سوى دعم وتعزيز مصالح البنوك والشركات الكبيرة. وهذه السياسة المتطرفة تدفع عموم اوربا الى الفقر واليأس. وليس من الديمقراطية بشيء ان يصبح نصف سكان اليونان تقريبا فقراء، فيما يضاعف البعض ثرواته.
ويحمل مستشار حزب اليسار الحكومة اليونانية المسؤولية الاولى، فالحكومة لا تمتلك الى يومنا هذا ضوابط على عمليات التسليف، وليس هناك ودائع طويلة المدى لحماية عمليات الائتمان، في حين يستمر تعاطي الرشوة واعتماد المحسوبية. ولم يحاول المتنفذون اعتماد استراتيجيات، بل عمل الجميع على قطف الثمار السريعة. واليوم تنتشر الكراهية والعنصرية في المجتمع .
ومن هنا يمكن فهم صعود حزب "الفجر الذهبي" الفاشي، الذي لا يميز بين المهاجرين القدامى، والمهاجرين "غير الشرعيين"، واللاجئين السياسيين، ولكنه يركز حملته العنصرية ضد طالبي اللجوء، الذين لا يمتلكون وثائق ثبوتية. والحكومة اليونانية لا تملك سياسة متطورة تجاه اللاجئين، والنتيجة الفقر وممارسة الاعمال غير المضمونة، وبهذا يجري استغلال اللاجئين،الى حد عدم تسديد اجورهم.
وسياسيا يلاحظ المستشار تحول الناخبين تجاه الاحزاب الصغيرة، ويعكس ذلك رفض اليونانيين للواقع السياسي القائم في البلاد.ويعتقد ان الغالبية العظمى من ناخبي حزب اليسار اليوناني لا ينتمون الى اوساط الناخبين التقليدين لقوى اليسار. وهذا التطور مرتبط بالتحولات الجارية في الخريطة السياسية في البلاد. وهناك قناعة لدى الغالبية العظمى من المواطنين، ان السياسة الاقتصادية للحزبين الرئيسين الباسوك، وحزب "الديمقراطية الجديدة" اليميني، طيلة الثلاثين سنة الاخيرة كانت خاطئة، و انهما يتحملان المسؤولية الاولى للازمة المستمرة في اليونان. وبالمقابل يرى الناخبون في حزب اليسار قوة حاملة للتغير ، والتقدم، والتجديد. وهذا يحرك اوساط واسعة من الشباب.