مدارات

اليونان.. حزب اليسار يحقق نصرا تاريخيا غير مسبوق

رشيد غويلب
شهدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في اليونان يوم الاحد الفائت، والتي شارك فيها 22 حزبا سياسيا، انتصار تاريخيا غير مسبوق حققه حزب اليسار اليوناني، الذي احتل بجدارة موقع الصدارة، تاركا جميع احزاب الوسط واليمين خلفه. ويعد هذا الانتصار التاريخي الأهم في اوربا منذ تقكك الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية السابقة في عام 1990 .
وبهذا تقف اليونان، وعموم القارة الاوربية على بوابة تغيير سياسي جذري. وبعد اغلاق صناديق الاقتراع اعلن التلفزيون اليوناني النتائج الأولية للسباق الانتخابي، وبموجبها حصل حزب اليسار على 36.4 بالمائة، وجاء ثانيا حزب الديمقراطية الجديدة اليميني الحاكم بـ 27.7 بالمائة، واحتل حزب "الفجر الذهبي" الفاشي الموقع الثالث بـ 6.3بالمائة، وكان الموقع الرابع من نصيب "حزب النهر"، الذي ينتمي لقوى الوسط، بجصوله على 6بالمائة. وتبعه الحزب الشيوعي اليوناني، الذي حقق تقدم مقداره 1 بالمائة، وحصل على 5.5 بالمائة، فيما حصل حزب باسوك الاجتماعي الديمقراطي على اسوء نتيجة انتخابية في تاريخه، حاصلا على4.7 بالمائة فقط، بعد ان حكم اليونان لمدة تقترب من 20 عاما، وشارك في جميع تحالفات يمين- الوسط في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبموجب النتائج المعلنة سيحتل حزب اليسار 149 مقعدا من اصل 300 مقعد يتكون منها البرلمان اليوناني، وبهذا سيجتاج الحزب شريكا صغيرا، او ان يشكل حكومة اقلية بمفرده. وسيكلف رئيس الجمهورية زعيم حزب اليسار الكسيس تيسبراس بالبدء بمفاوضات تشكيل الحكومة. وفور اعلان النتائج الاولية تجمع الآلاف من انصار حزب اليسار امام خيمة الحزب الانتخابية المركزية في ساحة "كلاتمونوس" في العاصمة اليونانية اثينا، رافعين الاعلام، ومرددين الاغاني الحماسية.
وتأتي نتائج الانتخابات لتمنح حزب اليسار، والقوى التي تدعمه امكانية البدء بتنفيذ برنامج بديل لبرنامج التقشف القاسي، الذي دمر اليونان وجميع بلدان الازمة في منطقة اليورو، والذي تفرضه اللجنة الثلاثية المكونة من صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الاوربي، والمفوضية اللأوربية. وسيتاح لليونانيين لإول مرة منذ اندلاع الازمة المالية التمتع بالسيادة، وممارسة حكم بلادهم بانفسهم، بعيدا عن الخضوع لهيمنة المراكز المالية العالمية.
يشار الى ان برنامج حزب اليسار الانتخابي، الذي اعلن في مدينة سالونيك، في منتصف ايلول الفائت تضمن، ضمن امور اخرى، انهاء سياسة التقشف الجائرة، واعادة العمل بعقود العمل الجماعية، والغاء قوانين العمل المفروضة قسرا، والالتزام بانعاش الدورة الاقتصادية، وتعزيز سوق العمل، والعمل بنظام ضريبي عادل، واعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد على اساس ديمقراطي حقيقي. ويركز البرنامج على الغاء الجزء الأكبر من الديون. بعد ان يناقش هذه القضية مؤتمر اوروبي، وياتي المقترح على غرار تجربة مؤتمر لندن بشأن ديون المانيا في عام 1953، والذي تم بموجبه الغاء القسم الاكبر من ديون المانيا. واكد البرنامج خطة الحزب لإنقاذ المجتمع، القائمة على التفاوض القوي مع الجميع، واشراك شعوب جنوبي اوروبا في هذه الخطة، وكذلك القوى العاملة في شمالي القارة. وخيار الحزب ليس الخروج من منطقة اليورو.
ردود افعال متباينة
جاءت ردود الافعال على النصر الانتخابي متباينة، بل متضادة، ففي الوقت الذي نظم فيه الكثير من قوى اليسار الاوروبية فعاليات احتفالية بهذه المناسبة، استكمالا وتتويجا لحملة التضامن الواسعة مع حزب اليسار اليوناني، التي نظمت في العديد من البلدان قبل واثناء الحملة الانتخابية. هذا ما شهدته، على سبيل المثل لا الحصر، العاصمة الالمانية برلين، والاسبانية مدريد، التي تقف فيها قوى اليسار ايضا على بوابة نصر مماثل، حيث ستشهد اسبانيا نهاية هذا العام انتخابات برلمانية عامة. واكد العديد من قادة اليسار اهمية النجاح في اليونان بالنسبة لقوى اليسار في عموم القارة، وان نتائج الانتخابات اكدت ان "بديلاً آخر ممكن".
من جانب آخر، ركز العديد من قادة اليمين الاوروبي على التذكير باهمية الالتزام ببرامج التقشف القاسية، والاتفاقات التي املتها المراكز المالية العالمية على الشعب اليوناني، وطالب قادة اليمين الحكومة اليونانية الجديد بتقديم مقترحات قابلة للتفاوض، معتبرين ما حدث في اليونان هزة ارضية تفرض الضرورة احتواء تداعياتها.