مدارات

في الذكرى السنوية لاندلاع الحرب العالمية الثانية المانيا .. عصر ذهبي لشركات انتاج الأسلحة

رشيد غويلب
الأول من ايلول من كل عام مناسبة تستذكر فيها حركة السلام الألمانية واتحاد النقابات وقوى اليسار وطيف واسع المنظمات الإجتماعية، اجتياح الجيش النازي في عام 1939 للاراضي البولونية، وما سببه ذلك من اندلاع الحرب العالمية الثانية التي كلفت البشرية 55 مليون ضحية، عدا الخراب المادي والنفسي الهائل. ويعيد الساعون الى السلام في كل عام الى الإذهان النداء القائل: "لن نسمح باندلاع الحرب مرة اخرى من الأراضي الألمانية".
وتطالب الحركات الالمانية الرافضة للعسكرة والحرب بايقاف تصنيع الأسحلة، وتحويل المصانع المنتجة لها الى انتاج السلع المفيدة اجتماعية وبيئيا. وتمتع هذه المطالبة باهمية قصوى، فالعالم لم يشهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مثل هذا الكم الهائل من الحروب الإقليمية والحروب بين الدول والحروب الأهلية. وبالكاد تجد منطقة من مناطق الأزمات والحروب في العالم لا تستخدم فيها منتجات مصانع السلاح الالمانية. ويتسع انتشار الاسلحة التي تحمل علامة "صنع في المانيا" خصوصا في البلدان الواقعة خارج اوربا وبلدان حلف الناتو، بضمنها ?لدان عربية مثل السعودية، قطر، الإمارات العربية، اي البلدان التي تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وتشكل هذه الاسلحة اداة اساسية للحروب والبؤس والنزوح الجماعي.
ويمكن ان يكون العام الحالي عام الأرقام القياسية لانتاج الاسلحة في المانيا. فقد شهد النصف الأول من العام الموافقة على تصدير ما قيمته 6,35 مليار يورو. اي ما يعادل قيمة مجموع صادرات الأسلحة الالمانية لعام 2014 . وتبلغ قيمة الاسلحة المصدرة لبلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا 1,34 مليار، اي ما يعادل ثلث العقود الفردية التي تم اقرارها، وتحتل السعودية، التي تخوض حربا في اليمن، المرتبة السادسة بين بلدان المنطقة المستوردة للأسلحة الألمانية. وخلال الأشهر الخمسة من العام الحالي تم تصدير زوارق حربية اليها بقيمة 146 مل?ون يورو. وتدعي الحكومة الالمانية ان هذه الصفقات غير مرتبطة "بخرق حقوق الأنسان"، او ممارسة القمع.
والشيء الإيجابي في التقرير الحكومي الالماني بهذا الخصوص هو انخفاض مبيعات الأسلحة الشخصية والصغيرة من 82,6 مليون يورو الى 47,4 يورو. ويُرجع متحدثون باسم حركة السلام هذا الإنخفاض الى الضغط الذي مارسته الدعاوي القضائية ضد اشهر الشركات المنتجة لمثل هذه الاسلحة. في حين شهد عام 2014 تصدير 25 الف قطعة سلاح شخصية واوتوماتيكية الى الإمارات العربية المتحدة.
وعلى العموم تستعد الحكومة الألمانية لتعزيز "أوربة" صناعة الاسلحة، وهذا ما تشي به ورقة استراتيجية مشتركة لوزارة الدفاع ووزارة الاقتصاد الألمانيتين، وتتضمن الورقة نقدا شديدا لبقاء هذه الصناعة محصورة على الاغلب في حدود الدولة الالمانية، وهو امر ، حسب الورقة، يجعل الربحية المتحققة محدودة. وتشير معطيات معهد استوكهولم الشهير لإبحاث السلام، الى ان الصين ازاحت المانيا من المرتبة الثالثة في قائمة البلدان المصدرة للسلاح في العالم، في حين احتفظت الولايات المتحدة بموقع الصدارة تليها روسيا الإتحادية. ومع ذلك يشير مخت?ون الى ان ربحية المصانع الألمانية ظلت عالية، وذلك بفضل الازمة الأوكرانية واستثمار بلدان الناتو مليارات اليورو في الصناعة العسكرية.
وليست هناك كوابح سياسية امام تصدير الأسلحة الى البلدان الحليفة، وعلى هذا الأساس ارتفعت الصادرات الألمانية الى بولونيا من 43 مليوناً في عام 2013 الى 56 مليوناً في عام 2014 . وفي بلدان البلطيق تتوسع الرغبة في شراء الأسلحة الألمانية، فلتوانيا مثلا تريد تعزيز قدرات جيشها بشراء 100 مدرعة المانية. وحتى داخل المانيا يجري تعزيز قدرات الجيش الألماني بشراء ناقلات بقيمة 620 مليون يورو، واستثمار 8 مليارات يورو لتعزيز القوة الجوية الألمانية.
وتفرض عسكرة السياسة الخارجية الالمانية، وتوسع مشاركات الجيش الألماني. في الحروب المتنوعة خارج الحدود، على النقابات توسيع مشاركاتها في حركة السلام، وان لا تحصرها في إحياء الذكرى السنوية لإندلاع الحرب العالمية الثانية.