مدارات

هل تشهد البرتغال ولادة حكومة وطنية يسارية؟

رشيد غويلب
يبدو ان ازاحة اليمين من سدة الحكم وتشكيل حكومة وطنية ذات توجهات يسارية، مرتبطان بموقف الحزب الإشتراكي المعارض، وخياراته بين ان يقود حكومة بديلة ، او يقبل بدور الحليف الصغير في تحالف الكبار مع اليمين، وبقيادة الأخير للحكومة الجديدة. هذا ما ستكشف عنه نتائج المفاوضات المستمرة حتى نهاية الإسبوع الحالي. ويثير الخيار ألأول مخاوف عكستها تعليقات الصحافة المرتبطة بالمراكز المالية واتحادات رجال العمال، حتى ان صحيفة "هاندلزبلات" القريبة من اتحاد الصناعيين الالمان كتبت متسائلة: "هل تتحول البرتغال الى يونان ثانية؟"
ومن المعروف ان اوساط اليمين التقليدي تنفست في البداية الصعداء، حيث احتفظ تحالف اليمين الموقع الأول، رغم خسارته للأكثرية المطلقة التي كان يتمتع بها في البرلمان البرتغالي قبل الإنتخابات الأخيرة. لكن بعد اسبوعين من اعلان النتائج يبدوا بامكان الحزب الأشتراكي المعارض تشكيل الحكومة الجديدة، اذا اختار التحالف مع حزب "كتلة اليسار" والتحالف الديمقراطي المتحد، الذي يضم الحزب الشيوعي البرتغالي وحزب الخضر.
ويرى اليمين ان هذا السيناريو سيُدخل الحياة السياسية والإقتصادية في البرتغال في دوامة. وكان اليمين يراهن على صعوبة تحالف الحزب الإشتراكي (وسط) مع قوى اليسار البرتغالي، التي ينعتها بالتطرف. فحزب "كتلة اليسار" مدعوم من حزب اليسار اليوناني (سيريتزا)، وحزب "نحن قادرون" (بودوموس) الأسباني، وقد طالب في برنامجه الإنتخابي بالغاء جزء من الديون، وبخروج البرتغال من الإتحاد الأوربي. اما التحالف الذي يقوده الشيوعيون فيطالب بحل الناتو، والخروج من منطقة اليورو. ولهذا فان احتمال ان تساهم قوى اليسار بشكل اساسي في تحديد التو?هات اللاحقة في البلاد يقلق المستثمرين والمفوضية الأوربية، ويشكل خطراً على "الإصلاحات" كما يدعي الاعلام المحافظ.
من جانبها قالت رئيسة حزب "كتلة اليسار" كاترينا مارتينز بعد لقائها بزعيم الحزب الإشتراكي انطونيو كوستا: "بالنسبة لنا يبدو الامر اليوم واضحا بشان نهاية حكم اليمين". واضافت ان كتلة اليسار "تعلم جيدا" ان ليس باستطاعتها اجبار الإشتراكيين على القبول ببرنامجها، بل ان الأمر يتعلق ببرنامج حكومي "تكون الأجور والرواتب التقاعدية وتوفير فرص العمل في مركز اهتمامه".
السكرتير العام للحزب الشيوعي جيرونيمو دي سوسا اكد ان الأمر يتعلق بقدرة الحزب الإشتراكي على توفير الشروط الضرورية لقيام حكومة مستقرة، "واذ لم يشكل الحزب الإشتراكي الحكومة، فهذا يعني فقط، انه لا يريد القيام بذلك". وبعد لقاء مع الحزب الإشتراكي شدد الزعيم الشيوعي على ان حزبه سيدعم او يشارك في حكومة تعلن القطيعة مع السياسات التي كانت قائمة في السنوات الأخيرة، وتتبنى سياسة يسارية وطنية على اساس برنامج مشترك. وقال ان الحزب الشيوعي مستعد كذلك لدعم حكومة أقلية يشكلها الحزب الإشتراكي، وتعمل على تنفيذ برنامجه الإنت?ابي.
وبهذا تنفتح امكانية تشكيل حكومة ذات توجهات يسارية. فالحزب الإشتراكي عنده 85 مقعداً، ولـ"كتلة اليسار" 19 مقعدا ،والتحالف الديمقراطي المتحد (الشيوعيون + الخضر) 17 مقعدا. ويشكل المجموع اكثرية برلمانية جديدة، في حين تنحصر فرصة اليمين المحافظ في التحالف مع الحزب الإشتراكي فقط.
وكان زعيم الحزب الإشتراكي قد قال للصحفيين بعد لقائه مع حزب كتلة اليسار: "لقد كان لقاءا ممتعا" تمخض عن "تقارب في العديد من النقاط". وهناك العديد من القضايا "تدعم تفاهماً يتيح لنا العمل المشترك في بانوراما البرلمان الجديد". وقد تم تشكيل لجنة فنية كلفت ببلورة هذه النقاط. وبعد لقائه برئيس الجمهورية أنيبال كافاكو سيلفا في لشبونة ، قال كوستا: حتى نهاية الإسبوع سنرى إذا كان هناك أساس متاح لتشكيل حكومة ائتلافية يسارية.
واصبح الآن معروفا ان الحزب الإشتراكي ارسل الى تحالف اليمين مقترحا يتضمن شروط التوصل الى اتفاق مشترك لتشكيل الحكومة. وذكرت جريدة "بوبليكو" في عددها الصادر اول امس الأحد، ان مقترح الحزب الإشتراكي يركز على السياسة الإقتصادية، ويحتوي نقداً للسلوك "غير الودي" لحكومة اليمين . وطالب الحزب الإشتراكي بالغاء التخفيضات بالنسبة لموظفي الخدمة المدنية، و دعم أجور "العمال الفقراء"، وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة للمطاعم، ودعم برامج لإصلاح المدن، وايجاد فرص العمل للشباب، والتضييق على الشركات في استخدام العمالة المؤقتة? وتغيير ضريبة الدخل لصالح اصحاب الدخل المنخفض، وانهاء خصخصة المواصلات في المدن.
وفي اليوم ذاته الذي ارسل فيه الإشتراكيون مقترحهم الى تحالف اليمين، هاجم زعيم الحزب الإشتراكي في لقاء تلفزيوني المحافظين بشدة، وقال انه قطع المفاوضات الأربعاء الفائت ، لإن المحافظيين يتكتمون على الوضع الإقتصادي والمالي للبلاد. وهم غير مستعدين لتصحيح سياستهم، التي شكلت عبئا على العائلة البرتغالية، وسيواصلون خططهم لـ"إضعاف دولة الرفاه" كما انهم مستعدين لتبني شروط الإتحاد الأوروبي التي هي أكثر ملاءمة للبرتغال، على حد تعبيره.
وفي ضوء هذا كله يبدو ان خيارات الحزب الإشتراكي ما زالت مفتوحة.