مدارات

البرتغال .. تحالف يساري لإسقاط الحكومة المشكلة

رشيد غويلب
توصلت احزاب اليسار البرتغالي، يوم الجمعة الفائت، الى اتفاق من شأنه ان يمهد الطريق امام تشكيل ائتلاف يتمتع بغالبية برلمانية تؤهله إلى إسقاط الحكومة اليمينية وتشكيل حكومة يسارية تطوي صفحة التقشف القاسية..
وأعلن الحزب الشيوعي مساء الجمعة الفائت، انه توصل الى اتفاق على تشكيل ائتلاف مع الحزب الاشتراكي بعد ساعات من ابرام الاخير اتفاقا مماثلا مع حزب "كتلة اليسار"، لتصبح بذلك حصة الائتلاف الوليد المكون من الاحزاب الثلاثة يضاف اليهم نواب حزب الخضر، المتحالف مع الشيوعيين، 122 نائبا من اصل 230، اي الاكثرية اللازمة لرفض برنامج الحكومة اليمينية غدا الثلاثاء ودفعها الى الاستقالة.
ولأول مرة منذ تأسيس منطقة اليورو يشهد احد بلدانها، ونزولا عند رغبة الأسواق المالية تجاوزا فظا على الشرعية الديمقراطية، فرغم خسارة تحالف اليمين المحافظ الأكثرية المطلقة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في البرتغال في الرابع من تشرين الأول الفائت، وحصول الحزب ألإشتراكي (وسط) والحزب الشيوعي، وحزب "كتلة اليسار" مجتمعين على الأكثرية البرلمانية، وتفاهمهم على تشكيل الحكومة الجديدة، وتجاوزا لهذه الحقائق الدامغة، قام رئيس الجمهورية اليميني المحافظ أنيبال كافاكو سيلفا بتكليف القيادي في حزبه بيدرو باسوس كويلو ليشكل الحكومة الجديدة، التي ادت اليمين الدستورية يوم الجمعة (30 / 10 / 2015)، وكان من الواضح عدم امتلاكها مقومات الاستمرار طويلا.
وقال الرئيس سيلفا أن السماح للشيوعيين أو كتلة اليسار بالإقتراب من السلطة يمثل مخاطرة. فعلى الرغم من أن تحالف المحافظين يمثل الأقلية، الا انهم سيطمئنون بروكسل والأسواق المالية ، "بعد ان قدمنا تضحيات كبيرة لتنفيذ برنامج المساعدات المالية الصعب، فمن واجبي القيام بتوظيف كل الصلاحيات الدستورية الممكنة لمنع ارسال اشارات خاطئة الى المؤسسات المالية والمستثمرين والأسواق".وعبر قرار الرئيس البرتغالي عن حقيقة، ان سياسة التقشف واملاءات اللجنة الثلاثية تمتلك وزنا اكبر من الديمقراطية الغربية، وهي حقيقة عكسها تعيين "حكومة خبراء" في ايطاليا واليونان، وبعدها اجبار حكومة اليسار في اليونان على تقديم تنازالات بالضد من توجهاتها. ولهذا فان ما حدث هو الغاء للديمقراطية او ما تسميه المستشارة الألمانية ميركل "ديمقراطية مريحة للاسوق".
اثينا - لشبونة - مدريد
وكان اتفاق الحزب الإشتراكي السريع على برنامج حكومي مع قوى اليسار مفاجأة للجميع. وسيضاعف المتنفذون في بروكسل وبرلين من ضغطهم لعرقلة تشكيل الحكومة البديلة، فالليبراليون الجدد وسياسات التقشف سوف لن يواجهون التحدي الذي يمثله حزب اليسار اليوناني فقط، فضلا عن ان اسبانيا ستشهد في العشرين من كانون الأول انتخابات برلمانية، وسيشكل تشكيل حكومة ذات توجهات يسارية في جارتها البرتغال دعما مهما لقوى اليسار فيها.
البرتغال - طفل اليورو المقلق
وصلت الديون الحكومية في البرتغال الى 127 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، ويبلغ مجموع الديون الحكومية، والقطاع الخاص والشركات 370 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي. ويبلغ صافي التزامات البرتغال في الخارج 220 في المئة منه. وتصاعدت المعدلات الرسمية للبطالة بنسبة 13,7 في المئة، مقارنة بمعدلات عام 2014 . ولهذا غادر آلاف الشباب البلاد للبحث عن فرص عمل في الخارج.
وللوصول الى الحد الأعلى للديون الذي حددته اتفاقية ماستريخت 60 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، على البرتغال ان تعتمد تقشفا جائرا خلال العشرين سنة المقبلة. ويستنتج خبراء اقتصاديون: ان مؤشرات الإنكماش التي تسود العالم، والركود الناتج عنها يجعل الغاء جزء من ديون البرتغال، كما هو الحال في اليونان امر لا مفر منه.
«ما حدث اعتداء على الديمقراطية»
ادانت قوى اليسار الأوربية الضغط الذي تمارسه الحكومات الأوربية والمراكز المتنفذة في القارة، وتدخلها في مسارات تشكيل الحكومة، وخصوصا احزاب اليمين المحافظ، ومحاولات هذه القوى حرف مسارات المؤسسات الديمقراطية، وبشكل خاص البرلمانات الوطنية. وعبرت قوى اليسار الأوروبي عن تضامنها الكامل مع العاملين والمواطنين في البرتغال، ومع الحزب الشيوعي وحزب "كتلة اليسار" البرتغالي.