مدارات

إندونيسيا.. الإعلان عن توجه لفتح المقابر الجماعية

رشيد غويلب
أعلنت الحكومة الإندونيسية عن توجهها نحو فتح المقابر الجماعية لضحايا مجازر انقلاب 1965 بحق الشيوعيين والديمقراطيين.
ولغرض تنفيذ هذه المهمة تم في 17 أيار الحالي تشكيل لجنة خاصة بذلك، وصرح الوزير المنسق لشؤون الأمن والسياسة والقانون لوهوت بانجايتان، الإثنين الفائت قائلاً " سنشكل مجموعة عمل لفتح وفحص المقابر الجماعية"، في اشارة الى مقابر جزيرة جاوه الجماعية.
ومعلوم ان الإنقلابيين المدعومين بقوة من المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) قاموا حينها بارتكاب مذابح هائلة ضد الشيوعيين وانصار حكومة سوكارنو الوطنية، فيما كان الحزب الشيوعي الاندونيسي يمثل ثالث أكبر حزب شيوعي في العالم.
وحتى الوقت الذي تنازل فيه الدكتاتور سوهارتو، في عام 1998، عن السلطة كان من المستحيل للناجين من المجزرة التحدث علنا عما حدث، ناهيك عن المطالبة باعادة اعتبارهم، او التعويض عن ما لحق بهم من أذى. فقد كانت سياسة الدولة مضادة بالكامل لاي توجه لفتح ملفات الجريمة ومعاقبة المجرمين.
و كانت ذرائع تنفيذ الجريمة تتمحور حول اتهام الشيوعيين باختطاف عدد من الجنرالات في عام 1965 واغتيالهم (وهو اتهام كاذب). وعمل إعلام الإنقلابيين على وصم الشيوعيين بالخيانة الوطنية، وشرعن سلب انسانية الضحايا، وبرر عمليات الإبادة الجماعية. واستمرت الحكومة طيلة ما يقارب خمسة عقود، في اثارة المخاوف من "شبح الشيوعية" حتى بعد توجيه ضربة كبيرة للحزب الشيوعي الاندونيسي وقوى اليسار في البلاد.
ومنذ سنوات والحركات الإجتماعية الاندونيسية تسعى الى مطالبة الحكومة بازالة المظالم التي ارتكبت ضد مئات آلاف الضحايا. ومنذ بداية الالفية الثالثة تنامى الضغط على الحكومة. وقام عدد من الناجين بنشر يومياتهم، كما انتجت افلام حول الأحداث ونظمت حلقات نقاش متعددة.وركزت هذه الفعاليات على مطالبة الحكومة بفتح الملفات، وعلى تقديم رئيس الجمهورية اعتذارا للضحايا وعوائل الشهداء وتعويضهم عما لحق بهم من حيف.
وفي تشرين الثاني 2015 شددت المحكمة الشعبية الدولية في لاهاي، الخاصة بجرائم 1965 على هذه المطالبات، على غرار ما فعلته محكمة الفيلسوف البريطاني المعروف برتراند راسل، الذي شكل مع عدد من الشخصيات الثقافية في بريطانيا عام 1966محكمة شعبية مختصة بالكشف وتوثيق جرائم الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية.
ومعلوم ان هذا الفيلسوف الانساني كان من ابرز الشخصيات التي ساهمت بفي فضح جرائم انقلابيي 8 شباط 1963 في العراق، بمشاركة فعالة من الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين المقيمين في بريطانيا حينها، وكان من ابرز من عملوا معه الشهيد الشيوعي خالد احمد زكي.
ويبدو ان حكومة جاكارتا الحالية بزعامة الرئيس جوكو ويدودو، الذي وصل الى دفة السلطة في عام 2014، بدأت تتحرك فعلاً باتجاه فتح الملفات. وفي منتصف نيسان الفائت نظمت ندوة عامة في احد فنادق العاصمة جاكارتا جمعت لأول مرة وجها لوجه الضحايا والجناة. وفي هذه الندوة حاول الوزير لوهوت بانجايتان خفض عديد الضحايا، وتحدى المنظمات والمدافعين عن الضحايا، وطالبهم بتحديد مواقع المقابر الجماعية، وكان الرد سريعا حيث قدمت جمعيات الضحايا قائمة تتضمن 100 موقع لمقابر جماعية.
وفي الوقت الذي عبر فيه الناجون من المذابح، عن فرحتهم بالتوجه إلى فتح ملفات المجازر، اعربوا عن شكوكهم وقلقهم من ان يتم التركيز على المقابر الجماعية وحدها، لان الكثير من جثث الضحايا القيت وقتذاك في البحر أو في الأنهار.
وبالتزامن مع هذه الجهود تتصاعد تدخلات القوى الرجعية ومؤسسات السلطة، للحد من التوسع في الكشف عن الحقائق. وفي هذا السياق تم في الأسابيع الأخيرة فض العديد من الفعاليات العامة المطالبة بحقوق الضحايا بحجة انها فعاليات شيوعية. وقد ساهمت منظمات اسلامية متشددة الى جانب الشرطة في مثل هذه الإعتداءات.
وفي الأسبوع الفائت، وتنفيذا لأوامر الشرطة، رفعت الكتب التي تتناول سير الضحايا والشخصيات اليسارية من التداول والبيع في مكتبات البلاد العامة. فيما يزال المنع الصادر في عام 1966 لتداول الكتب والأدبيات الماركسية وكل ما يمت لها بصلة، نافذاً حتى اليوم.