مدارات

بولندا.. المحتجون يحاصرون البرلمان

رشيد غويلب
تستمر وتتسع، منذ شهور، الحركة الاحتجاجية ضد حكومة اليمين القومي المتشدد في بولندا، وفي عطلة نهاية الأسبوع الفائت دخلت الاحتجاجات طورا جديدا، وأدت إلى أزمة برلمانية، حيث قام المحتجون ليلة السبت بمحاصرة بناية البرلمان الوطني من جميع الجهات، ومنعوا رئيسة الوزراء بآتا سيدبو، ورئيس حزب "القانون والعدالة" اليميني المتطرف الحاكم ياروسلاف كاتشينسكي من مغادرة المكان، بعد جلسة مسائية طويلة للبرلمان. ولم تستطع الشرطة فك الحصار إلاّ في ساعات الصباح الباكر.
ووصفت رئيسة الحكومة الاحتجاجات بـ"الفضيحة". وتفجرت الاحتجاجات مجددا ضد خطة الحكومة بحجب المعلومات عن ما يدور في البرلمان عن الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى بدءا من العام المقبل. لذلك كان هتاف المحتجين "وسائل إعلام حرة"، و "حرية، عدالة، ديمقراطية". ويشارك في التظاهرات آلاف يمثلون طيفا واسعا يمتد من اليمين الليبرالي مرورا بقوى الوسط الاجتماعية، وصولا إلى قوى اليسار الجذري البولندية. وكان تحالف يحمل تسمية "لجنة الدفاع عن الديمقراطية" قد دعا إلى التظاهر مجددا. ودعا رئيس المجلس الأوربي دونالد توسك، السبت الفائت اثناء زيارته بولندا إلى حضور الاحتفالات الخاصة بتسمية وارشو عاصمة للثقافة الأوربية في عام 2016، دعا الحكومة اليمينية إلى احترام الدستور. ووفق مصادر المعارضة داخل البرلمان وخارجه، فان قوات الشرطة استخدمت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، وهذا ما ذكرته أيضا وكالة الإنباء الرسمية. ومن جانبها نفت الشرطة التقارير الإعلامية جملة وتفصيلا. وقال ماتيوز كايوفسكي رئيس"لجنة الدفاع عن الديمقراطية" سنستمر في الاحتجاج حتى يتراجعوا عن خططهم". وفي داخل البرلمان تضامن النواب المعارضون مع الحركة الاحتجاجية رافعين شعار "اعلام حر داخل البرلمان" تحت قبة البرلمان. وتصاعدت حدة الاحتجاج عندما حاصرت مجموعة من النواب المعارضين منصة الخطابة في قاعة الاجتماعات الرئيسة، مما اضطر رئاسة البرلمان إلى نقل الجلسة إلى قاعة أخرى. وهناك تم إقرار موازنة 2017 بما يشبه الجلسة السرية لكتلة الحزب الحاكم، ولهذا طعنت المعارضة البرلمانية في شرعية إقرار الموازنة. من جانبه رفض رئيس الحزب الحاكم ياروسلاف كاتشينسكي، موقف المعارضة، مؤكدا على "شرعية" الجلسة بالقول: "لن نسمح بإرهابنا". واتهم وزير الداخلية ماريوس بلاسكساك النواب المعارضين بـ "الفوضوية"، واصفا في تصريحات لوسائل الاعلام ما حدث بانه "كان محاولة للاستيلاء على السلطة". وكان 20 عضوا في هيئات تحرير عدد من وسائل الإعلام قد احتجوا الجمعة ضد خطط تغيير عمل المراسلين داخل البرلمان، واضربوا ليوم كامل عن نشر أخبار وصور القادة السياسيين. وتتضمن الخطط الجديدة منع المراسلين من التواجد داخل مبنى البرلمان. وحصر التواجد في مركز إعلامي خارج بناية البرلمان. ويسمح لاثنين من المراسلين لكل مرفق إعلامي بدخول البرلمان، على إن يحملوا اجهزة وكاميرات تسجيل. وهذا ما يعتبره المعارضون تقييدا لحرية الحصول على المعلومة. وقد انضم بعض العاملين في مرافق إعلامية مقربة من الحكومة إلى حركة الاحتجاج.
ومعلوم إن الحركة الاحتجاجية كانت قد اندلعت لمواجهة خطط اليمين المتطرف لإعادة بناء الدولة وفق مقاساته المحافظة، والعنصرية المتشددة. وقد بدأ تنفيذ هذا التوجه بواسطة العديد من الإجراءات مثل الهيمنة على المحكمة الدستورية عبر تغيير طاقهما بقضاة من عينة الحزب الحاكم، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الإعلامية، وسن قوانين متشددة ضد حق الاجهاض، الأمر الذي دفع آلاف النساء إلى المشاركة في تظاهرات نسويه عمت مدن البلاد، كجز من الحركة الاحتجاجية التي فجرها الخوف من الإنهاء التدريجي للديمقراطية في بلد مازال التأييد فيه للاتحاد الأوربي الأعلى مقارنة ببلدان الاتحاد الأخرى، ولهذا حمل المحتجون العلم الأوربي إلى جانب علمهم الوطني.