المنبرالحر

رواية عزيز نسين (زوبك) وانتخابات البرلمان العراقي (1) / كفاح محمد الذهبي

صدرت الطبعة الاولى من رواية الكاتب التركي الساخر عزيز نسين في عام 1961 و لازالت تحتفظ بحيويتها، أذ تعبر، رغم مرور اكثر من نصف قرن على كتابتها، عن ما يحدث في مجتمعاتنا في ايامنا هذه. فزوبك هذا الانسان المحتال، الماكر الدنيء، يستغل ضعف الناس وحاجتهم وخوفهم لكي يصل الى اهدافه التي لا حدود لها.
- يصرخ بزوجته (يا حرمة ..الست اقول لك منذ اسبوع ان الحكومة ستأتي؟ .. الحكومة ضيفة زوبك زاده .. ماذا نفعل الان؟ اين الكباب .. اين الخروف المشوي؟
- أمي، أمي .. أرأيت أنت الحكومة؟
- ما رأيناها ..سنراها بمساعيك.
- ما أنت وحدك..البلدة كلها لم تر الحكومة بعد. بمساعي ولدك سيرى هؤلاء المعدمون الحكومة.
طبطب زوبك على صدره، وصاح بصوت عال:
- وعليكم السلااااا..م ايها الحاكم..
- ما هذا؟ ليس ثمة احد أمامه، انه يسلم على الهواء. أنتم تعرفون بيت زوبك زاده، لا يوجد مقابله لا بيت ولا ميت. وفي الجهة الثانية من الطريق لا يوجد سوى السفح المؤدي الى الترعة ذات القصب.. على من يسلم اذن؟
- وعليكم السلاااا..م ايها الرئيس.
سألنا أبن حمزة بيك:
- ولمن هذا السلام؟
- انه يسلم على رئيس البلدية. سلم على ابي. أما سمعتم؟ وأبي لم يغادر فراشه بعد. تحول زوبك الى ولي، وصار يرى ما تحت اللحاف الذي وراء الجدار..
استأنف زوبك زاده سلاماته:
- مرحبا بالسيد رئيس الديوان.. مرحبا..أوه طيب طيب.. اذا صار عندي وقت أزورك.. مع السلامة.
لم يبق احد في البلدة لم يسلم عليه زوبك زاده أو يرد سلامه.. كل مسؤولي البلدة يمرون أمام بيته، كل صباح، كالرتل العسكري، يقدمون له السلاح ويحيونه. لماذا يسلم على الهواء؟ .. الله .. انها واضحة جدا... لكي يقال انه رجل معتبر. أنظر يا سيد، البلدة، آمرها ومأمورها، أشرافها ومزارعيها.. كلهم يعبرون أمام بيته في الصباح ويأخذونه بالاعتبار. يسلمون عليه. وها هو مدير المستوصف يمر، مدير البريد، مدير...
- يا سيدي، زوبكنا، هكذا زوبك.. لو انه ذهب الى انقره ونزل في فندق لا يعرفه احد فيه، لمط رأسه من النافذة في الصباح الباكر وصاح (وعليك السلام ايها السيد رئيس مجلس الامة) ، حتى يجعل صاحب الفندق ومن فيه، يعتقدون انه صديق رئيس مجلس الامة.

الحكومة كلها تأخذ المشورة من زوبك في حل ازماتها فتارة يتصل وزير المالية وتارة اخرى رئيس الوزراء ( يعني في كل هذه البلاد لم يبق عقل مفكر سوى زوبكنا؟)
هكذا يستمر ابراهيم زوبك في خداع الناس. يوزع وعوده السخية على الجميع شاريا هذا آخذا مبلغا من ذاك ومن الاخر خدمة ومن الرابع مكسبا بخداع مكشوف، فالناس تصدقه ولا تصدقه ولكن تنخدع فيه على أمل ان يكون كلامه في يوم ما صحيحا ليحسن اوضاعهم. ولا ينسى استخدام الوعيد أو التلويح به لمن يفكر بالوقوف في طريقه فهو لا يتورع عن استخدام اية وسيلة لتحقيق مآربه.

- أشراف البلدة ومسؤولوها، جميعهم، يسلمون على أخي في الصباح، ويعتبرونه..، طبعا، سيصير نائبا. يمرون من أمام بيتنا في الصباح ويتوقفون، بينما أخي لا يعيرهم التفاتا.

عندما انفجر غضب ثلاثة من الذين نصب عليهم ابراهيم زوبك، فقرروا الانتقام منه، توجهوا الى بيته لتأديبه، خرج عليهم يطلب الهدوء لان رئيس الشرطة قد حل ضيفا عليه. أوهمهم مرة اخرى. فما كان من هؤلاء الثلاثة الا ان وضعوا ذيولهم بين ارجلهم. ذعروا من رئيس الشرطة وبدلا من معاقبة زوبك قدموا له المزيد من العطايا والهبات وهم يعلمون بانها لن تعود اليهم.
يستمر عزيز نسين على مدى اكثر من 300 صفحة من القطع الصغير في وصف شخصية زوبك وحيله وعذابات ضحاياه من عائلته وأعضاء حزبه وأبناء الناحية ومن العاملين فيها. النجاح كان حليف زوبك فصار رئيسا للبلدية ثم انتخب بعدها نائبا في البرلمان. أنتقل زوبك الى انقرة وقطع صلته تماما بالناحية واهلها وكان حين يحضرون الى انقره لطرح مشاكلهم يحتال عليهم من جديد.
في الانتخابات الاخيرة يقول عزيز نسين ان زوبك لم يفز فيها وفقد عضويته في مجلس الامة فعاد الى الناحية وفي اول وصوله طرح على اهل الناحية مقترح تحويلها الى محافظة لان هذا هو الحل السحري لكل مشاكلهم وبدأت العابه من جديد.

يقول احد مثقفي الناحية الذي تركها هاربا:
- زوبك زاده هو الظاهرة المخجلة في بلدنا.. لكن ما العمل.. أنه أمر واقع.. فأن تكشه غير ممكن... أن تبيعه غير ممكن.. سنتحمل؟ شئنا أم أبينا، لا خيار!

ونحن نتوجه الان نحو الانتخابات البرلمانية القادمة فهل نقبل بهذا الخيار(خيار القبول بالمظاهر المخجلة أمثال زوبك) خاصة بعد أن فشل مجلس النواب الحالي في مهامه التشريعية والرقابية؟ لنستدرك ونسأل انفسنا كم زوبكا لدينا في مجلس النواب الحالي؟ هل سنرضى أن يستمر أمثال ابراهيم زوبك باحتلال مواقع لهم في البرلمان العراقي والى متى؟، هؤلاء الذين يتاجرون بأحتياجات الناس وتطلعاتهم ومن ثم يتجاهلونها بعد أن قدموا مواعيد عرقوب الكثيرة.

ظاهرة زوبك تتفاقم لدينا بسبب عمق ازمة نظام المحاصصة الطائفية العراقية والتأجيج الطائفي الذي صاحب ويصاحب بعمق اكبر فترة الانتخابات القادمة ومحاولة الزوبكيين اضفاء الصبغة الدينية أو القومية أو الوطنية على نشاطهم والتلميع الذي سيقومون به لبضاعتهم الصدئة لتطلى بصبغة دينية او قومية أو وطنية.
زوبك سيكون حاضرا في كل الكتل السياسية، فهل سيكون النجاح حليفه هذه المرة ايضا؟
*************
للاطلاع على الرواية كاملة الرجاء استخدام الصفحة ادناه:

 

https://docs.google.com/file/d/0B5yN8ftbNwhPTkgyZmhkYk5jZ0k/edit?pli=1