المنبرالحر

ماذا لو تشكلت المحكمة الجنائية الدولية قبل 8 شباط 1963؟/ محمد حسن السلامي*

لطالما راودني هذا السؤال الذي يتضمن اهمية عامة وخاصة لكل المعنيين بموضوعات أ- تطبيقات مباديء القانون الدولي لحقوق الانسان ب- تطبيقات القانون الدولي الانساني ج- ضحايا الانتهاكات على حقوق الانسان د- دارسي العلاقة بين القضاء الدولي والوطني ......وقد يتساءل البعض عن العلاقة بين جرائم 8 شباط 1963 والقانون الدولي الجنائي الذي تم اعتماد نظامه في سنة 1998 حيث سمي (نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ) بعد مؤتمرات ونقاشات وورش عمل قانونية على مستويات عالية جدا من الخبرة والتجارب القانونية الدولية والمحلية بما فيها محاكمات مجرمي الحربين العالميتين والمحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة او الحرب الاهلية لقبائل الهوتو والتوتسي في القارة الافريقية.
والكل يعرف ان الحربين العالميتين الاولى والثانية قد شكلت بعدها محاكم للمنتصرين على المنهزمين مثالها محكمة نورنبرغ التي حاكمت مشعلي الحرب العالمية الثانية من القادة النازيين والفاشيين الالمان والطليان ، كما شكلت محاكم دولية خاصة لمحاكمة القادة السياسيين او العسكريين الذين اشعلوا حروبا عنصرية او حروب اهلية ( يوغسلافيا السابقة – قادة الحرب الاهلية في رواندا وبوروندي – اغتيال رفيق الحريري .....
لكن ذلك لم يحقق العدالة المطلوبة ولم يراع الانصاف بل مكاسب للمنتصرين ، وان الحكام الذين يشعلون الحروب هم المتحكمون بالقوانين في بلدهم مع الأجهزة العسكرية ، فالافلات من العقاب السمة والظاهرة الاوسع للحروب ، اما مناصرو العدالة في اوطانهم والعالم فيعملون على تحقيق مفاهيم الانصاف والحق والعدل بكل الاساليب، حيث انهم يعملون لإكتساب الضحية حقها من اية دولة يكون ومن اية قومية او دين او لون .. ويطالبون بالاقتصاص من الجناة اي كانوا ، مثلما دعا لها العديد من الفلاسفة والطامحين للعدالة الأنسانية والسياسيون التقدميون او غيرهم . وكثيرا ما فوت الحكام تحقيق العدالة ضمن النظام القضائي المحلي ـ لذلك كان تأسيس المحكمة الجنائية الدولية الدائمة تطور كبير في العمل على تحقيق العدالة الدولية كجهاز يرتبط بالامم المتحدة له صلاحية محاكمة المجرمين مقترفي اكبر الجرائم ضد شعوبهم او العالم .
ما هي المحكمة الجنائية الدولية الدائمة
يمكننا استخلاص ماهية المحكمة من النصوص المقتبسة من ديباجة للنظام الاساسي :
1- ((- تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة.
2- أن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاء في العالم.
3- تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها.
4- عقد العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم.
5- إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره.
6-أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.))
ولا بد استكمالا للتعرف على المحكمة الجناية الدولية ، معرفة الجرائم التي تكون تحت ولايتها القضائية اي الافعال الجرمية التي يمكن ان تحاكم مرتكبيها من المجرمين الذين تنطبق عليهم الجرائم الدولية، لقد حدد نظام روميا الاساسي جرائم خطيرة اربع راح ضحيتها الالاف ان لم نقل الملايين من البشر في كل التواريخ وبقاع العالم . وقد جائت المــادة5 )تحت عنوان( الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ) زالاختصاصات هي :
أ ) جريمة الإبادة الجماعية.
ب) الجرائم ضد الإنسانية.
ج ) جرائم الحرب.
د ) جريمة العدوان
ان الجرائم والبشاعات التي ارتكبها بعثيوا 1963 والحرس القومي اداتهم القمعية التي تجاوزت جرائمها القواعد والاعراف والقيم الاجتماعية السائدة حتى انذاك ، من جانب والجانب الثاني انها تجاوزت القوانين والاجهزة الحكومية السائدة والتي استولت عليها بالانقلاب الدموي ومن زاوية ثالثة وعلى اعتبار حزب البعث حوب (( سياسي )) فإنه قد استخدم الوسائل غير السياسية في صراعاته مع القوى السياسية الاخرى بعمليات الاعدامات الجماعية والابادة والتعذيب وكافة الاساليب الوحشية مع احزاب سياسية اخرى وبالاخص الحزب الشيوعي العراقي ثم لم تسلم حتى الاحزاب المتحالفة معه في السلطة او الحرس القومي من المجموعات والعناصر القومية فيما بعد .
أن الواقعة المعروفة بخصوص مقدم علي صالح السعدي الى قصر النهاية ومحاولة النيل من الشهيد سلام عادل وهو في نزعاته الاخيرة تحت التعذيب ، لا ابالغ لو اعتبرت البصقة التي وجهها الشهيد العظيم قبل آخر نفس في تلك اللحظة في قصر النهاية الى وجه رئيس الوزراء في حكم البعث علي صالح السعدي حيث أستجمع ما بقي من قوة عضلية بعد تعذيب المجرمين لايام له ،تلك القوة النضالية والقناعات السياسية لم يصلها كل جبروت الانقلابيين واساليب التعذيب المستمدة من صراع الحيوانات بين بعضها البعض وعقدهم المريضة، إن هذه البصقة - الرصاصة تعني محو الصفة السياسية عن حزب البعث منذ تلك الفترة اي النهاية السياسية اذا كان مشروطا باتباعهم هذه الاساليب الدموية غير السياسية .
فما هي التكييفات القانونية لجرائم حكم البعث 1963 ؟ حسب النظام الاساسي
عند قراءة المادة السابعة من النظام الاساسي والتي ادرجت تحت عنوان ( الجرائم ضد الإنسانية ) تبين عند مقارنتها بالجرائم التي اقترفها الحرس القومي او غيره نجد التطابق بين العناصر والوصف بما اقترفه المجرمون ، حيث ان الوصف القانوني لجرائم ضد الانسانية يخصصها بالتعريف ( شن هجوم واسع او منهجي ضد سكان مدنيين وباشكال متعددة ) تضم 11 جريمة يعددها بتفصيل واضح خلال شرحه للمادة السابعة فمنها القتل العمد ، ثم الابادة ، الاسترقاق ، السجن والحرمان الشديد من الحرية ، التعذيب ، الاختفاء القسري للأشخاص ، .... نسأل اية جريمة من التي قاسا منها ضحايا البعث والمجتمع العراقي او غيرها لم يرتكبها النظام الوحشي لبعث 1963؟ ، علما ان الفقرة الثامنة من المادة (ح) تنص بالحرف (ح‌) (( اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية )) وان ما قامت به عناصر البعث كان ممنهجا ضد مجموعات سياسية بالذات وهي بالاخص الحزب الشيوعي العراقي اضافة لفئات اخرى كانت متحالفة مع البعث بالذات .
من هذا التطابق ما بين النص القانوني في المادة السابعة الفقرة ح من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ومعرفة الجرائم المرتكبة من قبل البعث بكل اجهزته الحزبية والحرس القومي التي علت وتسيدت على المؤسسات الرسمية حتى الامنية منها ، وان البيان رقم 13 حث واطلق ايدي المجرمين في القتل والملاحقات والاعتقالات والتعذيب ...الخ ((((نظراً لقيام الشيوعيين " العملاء " شركاء عبدالكريم قاسم في جرائمه بمحاولات يائسة لإحداث البلبلة بين صفوف الشعب وعدم الانصياع إلى الأوامر والتعليمات الرسمية، فعليه يخوّل آمرو القطعات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي بإبادة كل من تصّدى للإخلال بالأمن.)) نستخلص ان ما جرى من انتهاكات وجرائم جسيمة ومثلها الصارخ قطار الموت – عمليات التعذيب في قاعات محكمة الشعب و قصر النهاية – تحويل المدارس وقاعات الرياضة ومقرات النقابات الى مراكز للتعذيب والموت - ليست فقط بحق مناضلين من الحزب الشيوعي والجماهير المحبة للزعيم عبد الكريم قاسم الذين اصبحوا ضحايا على ايدي البعث في 8 شباط ليست فقط جرائم حسب القانون الوطني بل تتجاوزه ان تكون جرائم تطالها الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، اي بمعنى آخر جرائم ضد الانسانية يمكن ان يحاكم مرتكبوها دوليا . (علي صالح السعدي – نجاد الصافي – منذر الونداوي – احمد صالح العبدي– اعضاء المحاكم الصورية – أعضاء مجلس قيادة الثورة للانقلاب ... وغيرهم من المجرمين امام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة. وبالتالي لو كانت تلك المحكمة قد تأسست قبل انقلاب 8 شباط وحوكم قادتها المجرمون ؛ قد يكون عراقنا تجنب الحكم البعثي المرحلة الثانية 1968 الى 2003 وبالتالي تكون تجربة رائدة ضد دكتاتوريات الشرق الاوسط ، ثم ما كانت الحروب المجنونة التي عاشها شعبنا والتي خسر فيها الانسان العراقي اكثر من نصف مليون قتيل وعددا هائلا من المعوقين والارامل واليتامى، واهدار الاموال التي جعلت الخزينة مفلسة بعد منتصف الثمانينات وخسارة العراق مرحلة تاريخية بكاملها ما زالت بعض آثارها المأساوية لحد الان .
ومن زاوية ثانية لانكشفت العلاقة بينه وبين المجموعات في الداخل التي ساهمت في اندفاع البعث وعدم تورعه على ارتكاب جرائمه الشنيعة ، فقد كان الاقطاع المتحالف مع مؤسسات دينية معادية لثورة 14 تموز واضرتها النزعة التقدمية لقوانين عديدة مثل اصدار قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 او قانون الاصلاح الزراعي وقانون رقم 80 حول استرداد الدولة العراقية لمساحات الارض العراقية من شركات النفط ..... الخ وانطلاق حركات انصار السلام والشبيبة الديمقراطية والحركة النقابية ، قد حركت المجتمع من الاعماق بعد ركوده زمنا طويلا .
قد يسأل سائل هل يمكن ان يحاكم المجرمون كأشخاص طبيعيين ام الحكومة باعتبارها مسؤولة عن اعمال موظفيها ، والجواب يمكن التثبت منه في المادة (25) بعنوان المسئولية الجنائية الفردية (1- يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي-2الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسئولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي.) كذلك المــادة (27 والتي جاءت تحت عنوان عدم الاعتداد بالصفة الرسمية 1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية .
هل الجرائم التي قام بها مجرمو 8 شباط ابادة جماعية ؟؟
من المؤكد ان هذا السؤال يظل ويمر على لسان الكثيرين من عوائل ورفاق واصدقاء الذين تم اعدامهم فرديا او جماعيا او تعذيبهم او اختفوا بعد قيام الانقلاب، ولا بد للعارفين بتلك المرحلة الدموية من التاريخ العراقي ان يكون لديهم اعتقادات اولية بتطابق مفاهيم الابادة الجماعية على تلك الجرائم !! إن النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية – وكما عرضناها تختص باربع جرائم دولية الطابع – استنادا الى المادة 5 من النظام فقرة أ- وان جريمة الابادة الجماعية قد ورد تعريفها وتفاصيل عناصرها في المادة 6 وهي كالتالي :-
المــادة (6) الإبادة الجماعية
لغرض هذا النظام الأساسي تعني " الإبادة الجماعية " أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً:-
أ ) قتل أفراد الجماعة.
ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ج ) إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
د ) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
هـ) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخري.
من التعريف أعلاه يتبين ان الابادة الجماعية لها عنصر اساس يتعلق بالفعل المقصود والممنهج لأهلاك جماعة قومية او اثنية او عرقية او دينية . بالطرق الخمس المشار اليها اعلاه . وبالتالي فلا تدخل الجرائم البشعة والمقنونة ببيان رسمي رقم 13 سيء الصيت ضمن المادة 6 من النظام الاساسي فلا تعتبر ابادة جماعية حسب التعريف مع علمنا ان النتائج الفعلية هي إبادة بشرية في العديد من المحافظات وبغداد بالاخص وبأوامر مباشرة من رؤوس النظام آنذاك . لانها موجهة بالاعتبارات السياسية وليست لجماعات قومية او دينية او عرقية ، غير ان الحرب التي شنت آنذاك على الشعب الكردي تعتبر ابادة جماعية لطابعها الشوفيني ضد القومية الكردية .
مقترحات لا بد منها
اولا : مركز بحثي لمرحلة حكم البعث 1963
يتبادر في ذهني منذ زمن سؤال ، هل تم توثيق الجرائم والسياسات عن المرحلة التاريخية ما بين 8 شباط الى 18تشرين الثاني 1963؟؟ بحيث ان النظام البعثي لم يتورع ان يسمي تلك المرحلة عروس الثورات !!! علما ان البيان رقم 13 ينص على عبارة الابادة وعبارة القضاء عليهم ((نظراً لقيام الشيوعيين " العملاء " شركاء عبدالكريم قاسم في جرائمه بمحاولات يائسة لإحداث البلبلة بين صفوف الشعب وعدم الانصياع إلى الأوامر والتعليمات الرسمية، فعليه يخوّل آمرو القطعات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي بإبادة كل من تصّدى للإخلال بالأمن. وإننا ندعو جميع أبناء الشعب المخلصين للتعاون مع " السلطة الوطنية " بالاخبار عن هؤلاء " المجرمين " والقضاء عليهم". )) فلو تمت دراستها على قاعدة مباديء حقوق الانسان ومباديء القانون الدستوري ، واسس سير العدالة القضائية ، وعلى قاعدة ماذا قدمت للتاريخ العراقي في العلاقات الوطنية سياسيا اوالعلاقات الدولية ، وعناصر التدخل الامريكي او البريطاني او المصري او ايران الشاه ...الخ او غيرها مثل شركات النفط الاحتكارية ، والفلسفة التي اتبعها النظام البعثي إزاء المشاكل القومية ( الحركة الكردية ) او المنهج الاقتصادي مقارنة بالمنهج الاقتصادي لثورة 14 تموز 1958 ، كذلك الاثر الذي تركه الانقلاب على الحياة الاجتماعية والثقافة العراقية ومثقفيه واخيرا الهيكلية الادارية للدولة العراقية انذاك ما بين المركز والمحافظات ....الخ وغيرها من الموضوعات التي يمكن ان تكون ذات قيمة سياسية وأكاديمية وبحثية وتاريخية ، لاصبحت خلاصات تاريخية في الفكر السياسي اكاديميا وثقافيا .
لقد كان الاهتمام بهذه المرحلة من زاوية واحدة وهي القمع البشع الذي فاق الحدود والاعراف والقوانين والقواعد في التعامل السياسي والقانوني ... ، مما جعل بعض القادة من تلك المرحلة البشعة يحاولون ان يتنصلوا من الجرائم تلك ، مثل توفيق الفكيكي في كتابه اوكار الهزيمة بخصوص قطار الموت الذي صور العملية بالقطار كونها محاولة انقاذ للمرحلين من الاعدامات، او علي صالح السعدي الذي اقر بمجيء الانقلاب بالقطار الامريكي وتنصل رئيس الجمهورية آنذاك عبد السلام عارف من اعمال الحرس القومي باصدار كتاب (المنحرفون) او غيرهم .
إذا هل يمكن تأسيس مركز بحثي لدراسة هذه المرحلة المهمة التي اسست الى الانفلات الاجرامي البعثي بغطاء الدولة الرسمي ؟؟ ويقوم كذلك بكل ما يمكن جعله مرجعا لتجربة تلك المرحلة السوداء ، هل فات الاوان لدراسة هذه المرحلة ؟ اعتقد ان الشعوب تؤرخ لمراحلها العصيبة ايضا باشكال مختلفة لكن عصرنا عصر التوثيق المنهجي بدراسات وبحوث وفق معطيات الفكر السياسي الذي رسخ مباديء الديمقراطية وحقوق الانسان والاعتراف بالحقوق للشعوب والاقليات وضرورة أعتماد التنمية البشرية بكل جوانبها ، والاهتمام بالبيئة ... لنفكر في ذلك قبل فوات الزمن !!!.
ثانيا محكمة شعبية اعتبارية
ان الفيلسوف البريطاني برتراند راسل المولود في 18-5-1872 والمتوفي في 2-2-1970 قد اقام محكمة دولية شعبية ضد الحرب الفيتنامية في اواسط الستينيات ومحكمة للسلام وهي محكمة برتراند راسل مع الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر وشخصيات علمية وفلسفية وسياسية ومناضلين على مساحات العالم وهي تبني عملها على أساس القانون الدولي ، كذلك محكمة حول القضية الفلسطينية ووضع حركة التحرر في امريكا اللاتينية في تلك المرحلة ، لقد وثقت هذه المحاكم سياسيا تلك الانتهاكات حول الحرب الفيتنامية البشعة او الاعمال العنصرية في اسرائيل او التدخلات الامريكية في امريكا اللاتينية ....
وعلى غرار ذلك اتمنى وادعو الى ان يتولى المركز المقترح أعلاه تكوين ما يمكن اعتباره محاكمة شعبية وفق قواعد القانون ومباديء حقوق الانسان تتبناها مجموعة من المختصين القانونيين ترشحهم منظمات وأحزاب ويساهم في الشهادات مناضلون وضحايا ، تكون مهمتها تحديد المسؤولية القانونية والسياسية عن تلك الجرائم وشخوص الضحايا والانتهاكات المقترفة بحقهم بتوثيق تلك المرحلة على قواعد الدستور والقانون العراقي آنذلك والاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي سبق الانقلاب بخمسة عشر عاما ، وقواعد القانون الدولي والانساني .
اما الوثائق فإن بعضها متوفر مثل المذكرات التي كتبها بعض الانقلابيين او السياسيين المعاصرين لتلك المرحلة والبيانات والاحكام الصادرة من المؤسسات الانقلابية والمجالس العرفية التي تم تشكيلها لتحقيق اوامر القمع الاجرامي وشرعنة الاحكام الجائرة ، كتب مقالات ، شهادات صوتية ، صور الضحايا ، ادوات التعذيب .....، فيفتح موقع على الشبكة الدولية لنشر الوثائق او استلامها ، تصوير اماكن التعذيب او الاعدامات ، تسجيل ضحايا الاختفاء القسري .......... خاصة وان القانون العراقي الحالي قد انصف مبدئيا ضحايا البعث لفترة 1963 ،بعد الجهود المتواصلة للحزب الشيوعي العراقي داخل البرلمان او خارجه ومنظمات مدنية عديدة والضحايا من الديمقراطيين والوطنيين والفئات الشعبية المتعاطفة روحيا وسياسيا مع ثورة 14 تموز .....وهو حق لتثبيت العدالة والانصاف للتاريخ .
فإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة قد انشأت سنة 1998 اي بعد 35 عام من الانقلاب الدموي البعثي في 8شباط 1963 ولا يمكن تقديم المجرمين اليها لتكون عبرة سياسية وقانونية ، نجد ان هنالك امكانية تقديم دراسات وبحوث بمنهجية علمية قانونية سياسية للأجيال القادمة وللفكر السياسي والقانوني ولحقوق الانسان في العراق والعالم عبر التوثيق العلمي لتلك المرحلة السوداء التي مازالت جراحها السياسية والقانونية والدستورية والآثار الاخرى تعيش الى اليوم ولم تكشف جميع تفاصيل المشهد الذي استغرق اكثر من 9 اشهر .
*سكرتير الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان