المنبرالحر

اﻹسلام السياسي وراء الهدر اﻷقتصادي و تجويع الشعوب (1) / د.علي الخالدي

وصل اﻹسلام السياسي لدفة الحكم في تونس ومصر ، بعد أن كنس الحراك الشعبي (العامل الداخلي ) ، الكيان السياسي لنظاميهما الشموليين . دون التحرش بإسس الدولة في كلا البلدين ، ومن ثم تحايل على العملية الديمقراطية ، تحت يافطات متعددة اﻷساليب واﻷهداف ، أتاحت له اﻹسئثار بالسلطة والهيمنة الفردية على مقادير الحكم ، بينما في العراق وليبيا مهد العامل الخارجي لوصول اﻷسلام السياسي بعد إسقاط النظامين الدكتاتوريين بالتدخل العسكري ، زارعا في كيليهما ما سُمي بالفوضى الخلاقة ، التي كانت وراء نَسْف مقومات الدولة و إلغاء المؤسسة العسكرية واﻷمنية لكلا البلدين ، فتحولت الدولة الى اللادولة كما سماها المراقبون ، أستقوت بالظلم والفقر والفساد والمحسوبية ، وبمليشيات طائفية وقبلية وحتى مناطقية ، أشاعت اﻹرهاب و تكفير كل من يناهض الردة الحضارية ، ويقف بالضد من مشاريع أسلمة المجتمع وتطبيق نظام الخلافة في الحكم ، وإجبار الناس التعايش مع تطبيق خطواته في مصر وتونس ، بينما في العراق وليبيا ، سعى اﻷسلام السياسي لمواصلة نهج يستجيب ﻹرادة العامل الخارجي ، في أجواء من الديمقراطية السياسية الهشة

لقد تنبه شعبا مصر و تونس ، لمخاطر الردة الحضارية ، على المستقبل اللاحق ﻷوطانهم وأجيالهم القادمة ، وإنعكاساتها السلبية على مبررات التغيير. وقبل أن تنجح قوى الردة اﻹخوانية في تونس ومصر في تهميش وشل القوى المحركة للتغيير، وبإسهام واسع من الجماهيرصاحبة المصلحة بمردوداته ، وبإسلوب ديمقراطي ، أجْبر اﻷخوان في تونس على الرضوخ ﻹرادة الشعب و العودة الى تحقيق أهداف الحرك الشعبي في الديمقراطية والعدالة اﻹنتقالية ، بينما في مصر تم ذلك بتحالف الجيش مع الشعب ﻹيقاف مخططات اﻷخوان ، والعودة الى تبني الديمقراطية الموجهة والعدالة اﻷنتقالية ، وإعتبار اﻷخوان منظمة إرهابية مشوهة للقيم والمباديء اﻷنسانية وعابرة للمصالح الوطنية العليا ، بإستمرار تقبلها دعم العامل الخارجي ، الهادف الى عرقلة التخلص كليا من موروثات النظام المهزوم . بينما لا زال العراق وليبيا يعانيان من مردودات الفوضى الخلاقة التي صنعها العامل الخارجي ، فبدلا من بناء دولة حديثة المواصفات قادرة على تلبية مصالح الوطن والشعب العليا ، تُبُني في العراق نهج طائفي قاد الى بناء دولة اللادولة ، ينخرها الفساد والرشى والمحسوبية ، وفي ليبيا لازال اﻷحتراب بين الطوائف والميليشيات مستمرا، تحت يافطة المذهب والطائفة والقبيلة . أما في اليمن وسوريا لازال مخاض اﻷنتصار لم يحسم بعد ، حيث المعارك بين القوى الظلامية و النظام ، قائم بدعم العامل الخارجي لكلا الطرفين.
منذ الوهلة اﻷولى لسيطرة اﻷسلام السياسي على الحكم بدول الحراك ، بدأ ينكشف إنعدام الرؤية الصحيحة لبناء الدولة ومؤسساتها ، وإتضح فقدان قدرة هذه المؤسسات بصيانة السلم اﻷجتماعي وأنسجته . ومع وضوح الخواء الفكري والسياسي لمشاريع الردة الحضاري ، ساد الفساد اﻹداري والبيروقراطية والمحاباة والوصولية والضبابية في أجهزة الحكم ، مما أدى الى وقوعها بأخطاء جسيمة أدت بها الى اﻹبتعاد تدريجيا عن معايير الشفافية والنزاهة والعقلانية في أدارة الحكم ، وأثارت شهية تقرب بعض القائمين على الحكم ، من اﻹنفراد بالسلطة وبناء دكتاتورية الحكم المذهبي والطائفي وحتى العائلي، سعت بهذا الشكل أو ذاك من توسيع رقعة الفقر في تلك البلدان . ففي مصر وتونس حجمت السياحة التي تستوعب عشرات الآلاف من اﻷيدي العاملة وتدر الملياردات من العملة الصعبة ، كما صِيغت قوانين تحد من النشاط الديمقراطي السياسي واﻹجتماعي ، غُيبَ بتطبيقها ممارسة المواطن لحقوقه اﻷنسانية ، و سُعرَتْ مفاهيم إستهدفت في الدرجة اﻷولى تصعيد النفس الذكوري في المجتمع ، على حساب النشاط النسوي في عملية التنمية اﻷقتصادية والبشرية ، وإختفت بذلك خطط تطوير الحقول الثقافية ومناهج التعليم وبرامج مكافحة اﻷمية والتعليم اﻷجباري ، فإرتسم مستقبل مجهول للشعوب ، إرتبط بمواصلة المعاناة الموروثة من اﻷنظمة الشمولية , وإذا ما أضيف لذلك ما تم من غلق أبواب اﻹرتزاق لفئات واسعة من المجتمع ، وتنامي الفوارق الطبقية بين شرائحه ، التي كانت وراء إختلال توازنه المجتمعي ، باﻷبقاء على الفوارق الكبيرة بين مرتبات المسؤولين وشغيلة اليد والفكر، بإبتداع طرق ملتوية تصون مصالح القائمين على اﻷنظمة ( في العراق قانون التقاعد للرئاسات الثلاث والخدمة الجهادية ) , فتبذرت الموارد اﻷقتصادية للبلدان على حساب توجيهها لتضييق رقعة الفقر وخدمة اﻷصلاح المرجو من وراء التغيير.

في ليبيا ولغاية يومنا هذا فان معالم حلول أزماتها غير واضحة في ظل التطاحن المليشياوي والقبلي ، بينما ينتظر العراق ما تبذله القوى الديمقراطية من جهود في حث العراقيين على إختيار الكفوء وذوِي اﻷيادي البيضاء ﻷجل التغيير ديمقراطيا عبر اﻷنتخابات في الثلاثين من نيسان القادم ، وإبعاد عديمي الكفاءة وسارقي قوت الشعب . وفضح من يستغل موقعه لمصالح ذاتية ، من الطارئين على السياسة ومن أفراد كانوا في عهود اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية أكثر القوى يمينية ورجعية وتنكيلا بالشعب.