المنبرالحر

وجعة ارهيف/ عبد الله السكوتي

وهذه الوجعة ارهقت العارفين واطباء ايام زمان في قرية من قرى جنوب العراق، حتى صارت مثلا للذي تستعصي حالته ولا يجد لها حلا، فقالوا اصيب بوجعة ارهيف، وارهيف استيقظ صباحا، فوجد فمه قد اندار الى جهة اليسار، وبدأت مشكلة ارهيف، ذهب الى اول عارف في القرية، فكان الدواء ان يصفع بالنعال ثلاث مرات على جهة خده الايمن، فوافق ارهيف وصفع، وعاد الى البيت ولكنه لم ير فرقا، ففمه بقي باتجاه اليسار، حجي حسين جيران بيت ارهيف، قال له: هذه ضربة شرجية، وهناك في احدى قرى الكوت من يعالجها، وفعلا اتكل الرجلان على الله وذهبا الى الكوت، وكان العلاج لا يفرق عن سابقه فقد صفع ارهيف بالنعال ثلاث مرات، وعاد الى العمارة وهو يشكو من نفس العلة، وكان السفر في ايام زمان مرهقا وشاقا، لم يستطع ارهيف ان يسلم امره ويلتفت الى عياله، فقرر السفر الى بغداد بعد ان اشار عليه احدهم بان علاجا مختلفا هناك في بغداد، ورحل الرجل وهو يتأمل ان يعود فمه الى سابق عهده، لكنه صفع بالنعال ثلاث مرات كما سبق وعاد يحمل آثار النعالات، لقد ارهقت وجعة ارهيف جميع العارفين والاطباء، ولكنه لم يستسلم فكان يبحث عن الاطباء والعارفين وفي كل مرة كان يتلقى ثلاث صفعات بالنعال على خده الايمن، وبقي على هذا الحال الى ان اخذ الله امانته.
والخشية كل الخشية ان الداء الذي ارهق ارهيف اصاب الشعب العراقي وسياسييه، ولذا فعلى الشعب ان يتهيأ لوقت عصيب من الصفعات، اما اذا قلب الشعب الامر فستكون الصفعات للسياسيين والنواب على حد سواء، لانهم بحسب اعتقادي من اصيب بالشرجيه، وعلى هذا الاساس لا يمكن ان نبقى مقتنعين بديمقراطية تسلبنا عيشنا وتفرق بين الناس على اسس حزبية مقيتة، تفاوت في درجات العيش والافضلية، وتفاوت في القانون لأنه صار بحسب عرف هؤلاء على ناس وناس، الكثير الكثير يأكلونها براحة كما يقول المثل.
وجعة ارهيف قد انتشرت كثيرا ومنذ وقت طويل، ولا فرق بين فترة واخرى سواء منها الديمقراطية او الديكتاتورية، الا مرحلة بسيطة وكانت هذه المرحلة مستعجلة انتهت باحداث دموية طالت الشعب العراقي بكامله، وانا من جهتي كنت اود ان يبقى ارهيف جالسا في قريته ولا يحاول تلك المحاولات فيحصد مزيدا من النعل، لم تكن الديمقراطية يوما من الايام وبالا على الشعوب المتطورة، لانها تعرف مصدر الخلل، وتعرف كيف تتعامل مع هذه الممارسة الكبيرة، اما نحن فلا نعرف كيف نسير مع القافلة ام ضدها، غالبية الشعب العراقي لا يعرف مرشحيه حتى الآن، وسيأتي يوم الانتخابات، ويذهب الجميع وكأنه مدعو الى لعبة المحيبس، لا يعرف برنامج الكتل ولا اسماء مرشحيها، وسيكون الموظف في الباب خير دليل للكثيرين، انتخب فلان قائمة، تره هاي القائمة وصت بها( )، وما يكون من الانسان الا ان يدفع الحرج عن ذاته فيؤشر القائمة التي نصحه الاخوان بها، وهكذا شياب وعجائز، واميون لا يعرفون القراءة، اصوات واصوات ترفع تلك القائمة وتخفض تلك القائمة الاخرى لنحظى بأربع سنين لا تختلف عن سابقتها، اما منظمات المجتمع المدني فلم تأخذ دورها في توعية الناس وصارت المساجد والحسينيات المنبر الوحيد الذي يرشد ناخبيه، لنبقى محصورين في جمهورية واحدة لا يمكن الخلاص منها لا اليوم ولا غدا، وليبقى ارهيف يبحث عن صفعات جديدة وبمختلف الاحجام والاشكال، فمرة نعال بلاستك واخرى جلد، وانا اقسم اني رأيت ارهيف يصفع بحذاء رياضي، لكن بدون اي راحة لرهيف ولا لفمه الذي بقي معوجا حتى نهاية حياته.