الحزب يمثل طبقة أو فئة من المجتمع ويعبّر عن مصالحها ، أي لهذا الحزب عقيدة محددة . ولكن هناك استثناءات ، فليس بالضرورة أن أشخاص من هذه الفئة أو الطبقة يعتبرون بأن الحزب المعني يمثّلهم ، أو بالعكس ، هناك أشخاص من فئات وطبقات أخرى يؤمنون بعقيدة هذا الحزب . بعض الأحزاب القومية والدينية أو ذات الصبغة الطائفية تنشأ في المجتمع الذي يسوده نظام دكتاتوري قمعي ، سواء كان هذا الدكتاتور شخصا أم حزبا والذي يفرض عقيدته على المجتمع عن طريق اظطهاد الشعب ، متخفيا تحت شعارات وطنية أو قومية أو طائفية ، خاصة في بداية حكمه إلى حين تصبح السلطات بين يديه . وليس هناك نظام دكتاتوري يستثني من الاضطهاد القومية أو الدين أو الطائفة التي ينتمي إليها، لأنّ الشعار الذي تخفّى فيه زائف، وأصبح يدافع فقط عن المقربين إليه من فئات اجتماعية ارتبطت مصالحها الاقتصادية مع النظام وأصبحت قاعدته الاجتماعية التي، هي الأخرى، تدافع عنه بغض النظر عن إنتمائها القومي والديني والطائفي. مثلا، قتل هتلر مئات الآلاف من الألمان، بالاضافة إلى اليهود، تحت رايته القومية وأشعل حرب عالمية ذهب ضحيتها أكثر من 50 مليون إنسان، ومنهم 12 مليون ألماني . وشنّت الكثير من الحروب القومية والدينية ، ومنها الحروب الصليبية تحت راية الدين المسيحي البريء من سفك أية دماء متناسين دعوة السيّد المسيح إلى الإخاء والمحبة والسلام.
لم يختلف دكتاتور العراق صدّام عن بقية الدكتاتوريات، لقد كان اضطهاده شاملا لكل الشعب من مختلف القوميات والأديان والطوائف وأصبح شغله الشاغل هو حماية عائلته والمقربين منه . لكن الذي حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 هو زرع الخلافات الطائفية والقومية والعشائرية بدءا بالترويج لـ"مظلومية الشيعة والأكراد" وكأنّ النظام المقبور ظلم فقط الشيعة والأكراد ، مما أدّى إلى تهميش بقية الأديان والطوائف والقوميات الصغيرة وأصبحت عرضة للإظطهاد الطائفي والقومي من قبل أحزاب ومنظمات إسلامية شيعية أو سنية أو من دعاة القومية، والاعتداء عليها كالقتل والتهديد وسرقة الممتلكات . أدت هذه السياسة المدعومة من قبل دول أجنبية إلى ترسيخ نظام طائفي بشع بعد ثلاث انتخابات برلمانية زُوِّرت بشتى الطرق ومُورست سياسة تجهيل الناس، عن قصد، بواقعهم الاجتماعي الطبقي والحضاري والاقتصادي والسياسي . ولم تعلن هذه الأحزاب عن برامجها الخاصّة بها ولا عن برامجها الانتخابية، مكتفية برفع شعاراتها الطائفية والقومية وحتى العشائرية أو شعارات كاذبة حول البناء والتشييد والعمران ومحاربة الفقر وكأنّ الفقر نشأ عشية الانتخابات، متناسية بأنّ هذه الشعارات تحتاج إلى برامج تكون بمثابة بوصلة لتطبيقها، وأصبح همّها الوحيد هو دخول قبة البرلمان والحصول على مكاسب وامتيازات لمدة أربع سنوات تبني خلالها خططها للبقاء تحت قبة البرلمان لإربع سنوات تليها. بهذه الطريقة اللاّإنسانية خلطت هذه الأحزاب الأوراق على المواطن الذي أصبح يفكّر بحماية قوميته من القوميات الأخرى ودينه وطائفته من الأديان والطوائف الأخرى بدون الإلتفات إلى المخاطر التي يتعرّض لها الوطن بسبب الفساد وسرقة الأموال والإرهاب الذي يزهق يوميا عشرات الأرواح لمواطنين من مختلف القوميات والأديان والطوائف والطبقات الاجتماعية. بهذه الطريقة تحاول أحزاب السلطة تهميش الأحزاب والشخصيات والمنظمات الوطنية والعمل على إبعادها عن قبة البرلمان لإسكات الأصوات الوطنية والاستمرار بنهجها الطائفي والقومي رغم انكشاف مخاطره على سلامة البلد ومواطنيه.
من الجانب الآخر، هناك نشاط حثيث من قبل أحزاب وشخصيات ومنظمات يشهد لها تاريخ العراق والمنطقة بنضالاتها وتضحياتها من أجل تطبيق برامجها الواقعية المستقاة من واقع الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع العراقي، ولم تتخل يوما عن الدفاع عن حقوق الجماهير رغم كل المخاطر ومحاولات تهميشها وابعادها عن ساحة النضال، سواء داخل أو خارج قبّة البرلمان. واستطاعت معظم هذه الأحزاب والشخصيات والمنظمات أن تشكّل تكتل واسع باسم "التحالف المدني الديمقراطي" لخوض الانتخابات البرلمانية في 30 نيسان 2014 . ويطرح التحالف المدني الديمقراطي شعاراته الداعية إلى تغيير الأوضاع المزرية الحالية وبناء دولة مؤسسات مدنية ديقراطية راسخة تسنّ قوانين واضحة لا لبس فيها لخدمة المواطنين كافة بدون تمييز عرقي أو طائفي أو جنسي، وشعاراته مستقاة من برنامجه الانتخابي المطروح أمام أوسع الجماهير للاطلاع عليه ليكون المواطن على بيّنة منه ويميّز بين المرشح الصادق والكاذب النفعي . من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ ممثل الأمم المتحدة في العراق أبلغ المفوضية العليا للإنتخابات بوجود شعارات انتخابية طائفية في بغداد خاصة، تؤجج العنصر الطائفي، كما أشار السيّد حسين العادلي أحد مرشحي التحالف المدني الديمقراطي إلى استخدام المال العام من قبل أحزاب السلطة لتمويل حملتها الانتخابية ووجود خروقات انتخابية وشعارات طائفية الغرض منها الحصول على أصوات مهما كلّف ذلك . من جانبه، اعترف السيد عماد جميل مدير الاجراء والتدريب في المفوضية العليا للآنتخابات بذلك،ولكنه يعزو البعض منها إلى عدم القصد أو جهل المرشح بالاصول الانتخابية ! فإذا كان المرشح يجهل الاصول الانتخابية، فكيف له أن يسنّ قوانين تخدم المواطنين، وكيف له أن يميّز بين الخطأ والصواب ؟ كما وكثر الحديث عن حكومة أغلبية سياسية, وهذا ليس بغريب عن الأنظمة الديمقراطية، كما هو الحال في الكثير من البلدان المتقدمة. إلاّ أنّ الحديث يأتي على لسان نفس الكتل الحاكمة التي تدير العملية السياسية، أي المسؤولة عن الأهوال التي تعصف بالوطن والمواطنين. فماذا يتغيّر لو قدرّ لهؤلاء أن يحكموا البلد لمدة أربع سنوات أخرى، سوى توقع السير نحو الأسوأ، أو ربّما لا قدّر الله، تنتهي العملية السياسية بنظام دكتاتوري يقطع المزيد من الرقاب. ولنسأل هؤلاء: أين برامجكم لبناء العراق خلال 10 سنوات من حكمكم، وأين برامجكم المستقبلية لإنتشال البلد من الأوضاع المزرية التي هي من صناعتكم؟؟؟
إنّ المهاترات المتداولة حاليا بين الكثير من النوّاب الحاليين تأتي بسبب عجزهم عن تقديم أفكار وطروحات واقعية لإخراج العراق من أزماته الحالية، وفي مقدّمتها محاربة الفساد والإرهاب، وكانوا قد دخلوا البرلمان بدون برنامج انتخابي يسترشدون به، والدلالة على ذلك انعدام برامج عمل للوزارات ولمجالس المحافظات، لذا كان التلكأ في تنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات هو سيّد الموقف. إذن، كيف يستطيع هؤلاء إدارة حكومة أغلبية سياسية؟
لذلك نناشد كل مواطن عراقي غيور على وطنه أن يصوّت للبرنامج الانتخابي الواقعي، أي القابل للتنفيذ، والنظر بعين ثاقبة إلى واضعي البرنامج وتاريخهم القريب والبعيد وسلوكهم النضالي تجاه الوطن وامكانياتهم في تقديم الخدمات للمواطنين وحماية المال العام وبناء دولة قويّة يتمتع فيها المواطن بكلّ حرية وأمان، وبدون تمييز، بكافة حقوقه .