المنبرالحر

كاميرات ميســــــــــــان ..!!/ علي فهد ياسين

أعلنت المديرية العامة للتربية في محافظة ميسان اليوم ، مشروع مراقبة الامتحانات للصفوف المنتهية ، عبر منظومة كاميرات فديوية وأجهزة بث واستقبال وأبراج وشاشات عرض كبيرة ، للحد من ظاهرة الغش كما يقول القائمون على المشروع، ويكون للمحافظة قصب السبق في ادخال التكنولوجيا لمراقبة الامتحانات على عموم محافظات العراق !.
ان ظاهرة الغش في الامتحانات ليست منفصلة عن الفضاء العام الموبوء بظواهر أُخرى على شاكلتها ومن جنسها ، لتشكل معاً قواعد الفساد الضارب في مفاصل المؤسسات الحكومية منذ عشرة أعوام، وفق منهجية تكاد تكون مخطط لها ومرسومة بخطوات تقويها وتزيد من تأثيراتها وتستمر في مد أذرعها، جهات وقوى فاعلة في الداخل والخارج، وليس أدل على ذلك واقع التعليم المتردي، طالما نحن بصدده، حيث النسب المتصاعدة للأمية والأعداد الكبيرة للمتسربين من المدارس وتباطؤ مشروع تحديث المناهج والنقص الحاد في الأبنية المدرسية، الذي فرض نظام الدوام المزدوج والثلاثي، ناهيك عن الطرق المتخلفة في اعداد المعلمين والاساليب غير العادلة في تعيينهم .
ان مراقبة الامتحانات بمنظومة كاميرات فديوية قد يسقط حلقة الغش ( داخل القاعة ) من السلسلة، لكنه لا يمنع الحلقات الاخرى التي ربما يكون بعضها اقوى تأثيراً في النتائج، والأمر الأهم هو معالجة اسباب الظاهرة للحد منها، فقد كانت آليات المراقبة التقليدية وأساليبها فاعلة على مدى تأريخ العراق الحديث، قبل أن يقصم الفساد والفاسدين ظهر العدالة بتطويعهم القوانين وفق مقاساتهم، فقد أدى ملايين الطلبة عبر عقود من السنين امتحاناتهم بنزاهة مشهودة، افرزت نتائجها فرصاً لآلاف المجتهدين الذين أرتقوا الى المناصب والصفات العلمية الرصينة ، علماءً وخبراء ومهنيين في جميع الاختصاصات والعلوم، وفي أنحاء الارض وفي أرقى جامعاتها ومراكزها البحثية، في العلوم الصرفة والانسانية وفي شتى الفنون والآداب ، وكان لمراقب قاعة الامتحان سطوة الحاكم، لأن نزاهته تحقق العدالة وتحفظ هيبته وهيبة التعليم، وتفرض القول المأثور ( من علمني حرفاً ملكني عبداً )، فهل وصل الخراب الى الحد الذي نكون معه عاجزين عن ضبط قاعة امتحان الا أذا استعنا بالكاميرات ؟.
السؤال الجدير بالإجابة هنا .. من هم هؤلاء الذين لا يتوقف غشهم الا حين نراقبهم بالكاميرات ؟ ، اليسوا هم من الزاحفين مع آبائهم وأمهاتهم وأخوانهم وأخواتهم الى كربلاء بالملايين لزيارة مرقد ( الرمز العالمي للعدالة ) على مدى تأريخ الانسانية ، تأكيداً لولائهم لمنهجه واعلاناً لتمثلهم بالقيم التي دافع عنها ، والتي تتقاطع تماماً مع الغش والتزوير وما يقع تحتهما وينتظم معهما من مفاسد وموبقات ؟ أم أن لكل مقام مقال ؟!.
لقد كانت نتائج الفساد في التعليم تحديدا ، ومنها الغش في الامتحانات ، واضحة للعيان وأمثلتها تعيش مع المواطن اينما أدار نظره ، وليس أقلها تدني الخزين العلمي والمهني للخريجين ، ان كان على مستوى الجامعات والمعاهد او حتى خريجي المرحلة الاعدادية ، وهو ما ترتب عليه ضعف للكادر الوظيفي الذي يفترض انه يقدم خدماته للمواطنين في دوائر الدولة ، وصولاً الى الأخطر في نقص الكفاءة في التخصصات الهندسية والطبية المرتبطة بتهديد حياة الناس ، بعد أن كان يشار للكفاءات العراقية بالبنان .
أن ظاهرة الغش في الامتحانات يأتي علاجها ضمن السياق العام لتصحيح الاخطاء في المناهج السياسية التي اعتمدتها القيادات ، والتي افرزت منظومة الفساد العام ومازالت تجتهد في رعايته ، ودون ذلك لن تنفع ( كاميرات ميسان ) في اعادة اتجاه البوصلة عن مسار الغش والخداع لان الحرث في الماء لا يجدي نفعاً .
أننا في العراق بحاجة الى كاميرات مراقبة للضمائر ، عسى أن تكون فاضحة لادعاءات الكثير من المسؤولين عن هذا الخراب المتصاعد، الذي يبدو أنه الضامن الأكبر للثروات والمناصب، في زمنِ يتربع فيه الغش تاجاً على رؤوس الفاسدين .