المنبرالحر

العدل أساس الملك/ سلام الحسون

ان الإسلام بطبيعته كان ديناً إصلاحياً قد جاء بمثل عليا في المساواة بين الناس والعدل فيهم وقد تمثلت هذه المثل في سنة الرسول (ص) وسيرة الصالحين من بعده لكن المجتمع الإسلامي قد انحرف فيما بعد عن تلك المثل فظهرت فيه الدولة المستبدة وشاع الظلم واستفحل المنكر. وكان من نتائج هذا الانحراف ظهور ثورات ودعوات دينية متنوعة حاولت الرجوع بالمجتمع الإسلامي الى سيرته الأولى وكانت تلك الدعوات والثورات من العوامل الفعالة التي جعلت من الحضارة الإسلامية ذات طبيعه حركية مبدعة لولاها لما وصلت الحضارة الإسلامية الى ما وصلت اليه من غزاره في الإنتاج الفكري والتنوع الثقافي والفلسفي, من هنا نستطيع القول ان الخروج على الحاكم الظالم كان أمراً مقبولاً في صدر الإسلام ولهذا السبب ان تلك الفترة كانت تعج بالثورات والدعوات الدينية المختلفة.
من هنا بدأ الخلاف بين الفرق الإسلامية فمنهم من يقول بوجوب طاعة الحاكم وتحريم الخروج عليه ولو كان فاسقاً جائراً حتى قال بعض الفقهاء:
وطاعة من إليه الأمر فلزم وان كانوا بغاة فاجرينا, وقال البعض الآخر: يجب أن نأخذ بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي اتخذوه حجة وقانوناً بأيديهم في خروجهم على الحاكم الجائر وكان الكثير من أئمة الفقه يؤيدونهم في ذلك ومن هؤلاء الفقهاء الإمام أبو حنيفة الذي يرى وجوب الثورة على الحاكم الجائر، ففي أثناء ثورة زيد بن علي على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك قال أبو حنيفه واصفاً خروج زيد: "لقد ضاهى خروجه خروج رسول الله يوم بدر".
لقد أصبح مفهوم الثورة يختلف عن مفهومها في العصور القديمة ولهذا وجب علينا أن نوفق بين ما نحن فيه من واقع وما يجب أن نكون عليه من مثال, فلا نفرط في أحدهما على حساب الآخر من هنا يكون المجتمع عبارة عن توازن بين الواقعية والمثالية, ومن الأفضل للمجتمع أن يكون على الخط الوسط بين الجمود والفوضى, وهذه الوسطية هي التي يحاول أن يفعلها المجتمع في الحضارة الجديدة.. إن الكثير من المؤرخين والدارسين للتاريخ إنما يركزون في دراساتهم له على أضعف الجوانب ألا وهو جانب الفكر الديني ومن المفترض أن يركزوا على الاستفادة من دروسه وتجنب تكرار الأخطاء أخطاء المتطرفين, بل علينا أن ندعوا الى ترجمة وتحليل حوادث التاريخ تحليلاً علمياً وبمصطلحات الحاضر والاستفادة من دروسه بأسلوب العصر الذي نعيش... ان من يقرأ الكامل لابن الأثير يجد أن الحوادث التاريخية تتكرر,يقول المؤلف لقد عظم أمر الحنابلة في بغداد في خلافة الراضي وقويت شوكتهم وأخذوا يكبسون البيوت والدكاكين فإن وجدوا نبيذاً أراقوه وإن وجدوا مغنية ضربوها كما وتدخلوا بعمليات البيع والشراء بل وتدخلوا بشؤون الناس, ناهيك عما فعلوه بالمعتزلة من قتل وتهجير وتعذيب, وبين خلافة الراضي ويومنا هذا أكثر من ألف عام, إن الذي يحصل الآن وفي ظل الدستور والقانون والديمقراطية وهي أدوات لا يعيبها إلا عدم استخدامها في الكثير من الأحيان, فالجماعات المتطرفة ( داعش ) طالما أساءت للناس سواء في سوريا او الموصل مؤخرا من خلال غلق محلات الحلاقة أو جلد المدخنين أو منع الموظفات من الذهاب لدوائرهن أو لبس الخمار وغيرها من التصرفات المتخلفة التي تنم عن عقولهم المتهرئة البعيدة عن روح الإسلام المتسامحة .
ان استهتار الجماعات وتيارات التطرف الديني يعكس تأثيره السلبي على حرية المجتمع إنهم يدفعون الناس باتجاه واحد من خلال ذلك يهيئون الوجدان الإنساني لقبول التطرف والغاء منطق الحوار, فيجعلون الدين في مفترق طرق فأما أن نخوض جميعاً في حمامات الدم نتيجة الجهل وضيق الأفق وأما أن يلتقي الإسلام مع العصر حفظاً منه للعقيدة.
إن الأمور في العراق تأخذ منحى غاية في الخطورة, فمن جهة التوتر الطائفي الشديد والعمليات الإرهابية الدموية التي تعصف بالبلد, ومن جهة أخرى نلاحظ الضعف الحاصل في التعاطي مع الواقع الجديد, فلكي يتحول هذا الضعف الى قوة وتتحسن الظروف العامة في العراق فإننا سنحتاج الى فترة ليست بالقصيرة حتى يعرف المواطن ما هي الديمقراطية ويتم ممارستها في حياتنا اليومية قبل أن نطلق هذه الصفة على دولتنا الجديدة وحتى يستطيع الدستور أن يكون نقطة انطلاق لخلق الديمقراطية وسلطة القانون.
من هنا نقول أردنا أن نسيطر على مصادر العنف ونقطع دابر الفتن ونبعد شبح الحرب الأهلية علينا أن نقر بمبدأ المساواة, ونقبل مبدأ المواطنة حتى نستطيع أن نخلق مجتمعاً متحضراً تحل فيه الاختلافات بشكل سلمي بدل أن نترك الخلافات لتتفجر عنها صراعات مدمرة , وإن رفض المواطنة وإنكار حق المساواة بين المواطنين من قبل أغلبية دينية أو مذهبية أو قومية يعطي حجة لبعض المكونات بالانفصال وذلك بسبب عدم رضا تلك المكونات بالعيش تحت سلطة الأغلبية التى لا تعتبرها شريكة كاملة في الوطن الواحد.