المنبرالحر

غضَب!/ يوسف ابو الفوز

أن نظرة تأريخية بسيطة يمكن أن تبين لنا أن معظم سكان العراق في القرن الاول الميلادي كانوا يعتنقون الميسيحية. وان أقدم كنيسة في العراق، ومن اقدم الكنائس في العالم، أثارها موجودة قرب بلدة عين تمر في محافظة كربلاء، أشارة الى ان المسيحية متجذرة في ثقافة وتاريخ وطننا. حين وصل المسلمون الى بلاد ما بين النهرين عام  م رحب بهم أهل البلاد، كان السبعة ملايين عراقي حينها يعتنقون المسيحية واليهودية والمندائية، وكانوا يأملون من الدولة الاسلامية الجديدة ان تخلصهم من ظلم الدولة الفارسية والرومانية الذي أستمر مئات السنين. وعلى طول تأريخ العراق، كان المسيحيون العراقيون عماد النهضة والتحديث، مع أجتهادهم للحفاظ على خصوصيتهم الثقافية والدينية.ولكنهم دفعوا أثمان باهضة نتيجة لخصوصيتهم،خصوصا في العقود الاخيرة، والمواطن العراقي المسيحي يتعرض للمزيد من الاضطهاد بأشكال مختلفة، اذ صارت حياته تتعرض للمزيد من المضايقات والتجاوزات والانتهاكات، مما دفع أعداداً غفيرة متزايدة منهم للهجرة والنزوح عن موطن اجدادهم .
كان صديقي الصدوق، أبو سكينة، يرى ان رمضان هذا العام لم يكن كريما مع العراقيين. فعصابات "داعش" التكفيرية الظلامية فعلت في الموصل ما لم يفعله غزاة العراق في القرون المظلمة. كنا أجتمعنا في بيت أبو سكينة والغضب يغلي في عروقنا ونحن نتابع نشرات الاخبار التي تحمل المزيد من التفاصيل عما يتعرض له اهلنا في مناطق الموصل. وكان جليل يرتجف وهو يكرر السؤال:"أيعقل كل هذا الذي يحصل؟ أيريدون عراقا بدون مسيحيين؟". قال أبو سكينة :"هذه السنة، ما أريد أحد يجيب طاري العيد. أي عيد وأهلنا في الموصل يعيشون ايام رعب وكوابيس ليل نهار على يد الوحوش الكاسرة من بعثيين وظلاميين؟". وصاح جليل :"والمؤلم، ان كل هذا يحصل، والاحزاب المتنفذة لا تزال تعيش في اجواء صراعاتها بدلا من ان تسارع لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل وفق برنامج وطني شامل يتبنى اجراءات جادة تعزز جهد القوات المسلحة!". كان أبو جليل، بعيون نصف مغمضة يغمغم مع نفسه بقصيدة لعريان السيد خلف. صاح به أبو سكينة: أرفع صوتك!أنتبهنا جميعا ونظرنا الى أبو جليل، الذي فتح عينيه على سعتهما وردد بصوت واضح:
" طفح غيظ الشوارب ... بالفناجين
وخبط شطنه إعله كبره الماي والطين
غضب وتنزرت كل ذرة تراب ... ونزع لونه العشب فوك الروازين
لون ليل الهوارف رادنه نشيل ... نشيلهم جثث وأنتي التظلين !"