المنبرالحر

بيت "إطويلع"..! / ريسان الخزعلي

* على الضفة اليمنى من نهر الهدّام/ النهر المعروف في ريف قضاء الميمونة في محافظة ميسان، وقبالة مدرسة (طي الريفية)، يقع بيتهم، بيت بسيط من القصب والبردي، كما هو حال البيوت الأخرى، بيت يرتاده الفلاحون كثيرا بالعلن والخفية، وما يميز هذا البيت عن غيره، هو ما يحصل له بين فترة واخرى من مداهمات تقوم بها الشرطة، بحثاً عن صاحبه، وعن (أمور أخرى).
ان الزمن الذي ادركت به حكاية هذا البيت هو ستينيات القرن الماضي، سنوات كنت طالباً في الدراسة الابتدائية.
* يُداهم هذا البيت باستمرار، وفي كل مرة ينجح صاحب البيت في الاختفاء او الهرب من عيون الشرطة بمهارة عالية، وكلما تحصل مداهمة، نسمع الناس تردد عبارة (زركوا بيت إطويلع) من أجل القاء القبض على صاحب البيت (حسن إطويلع).
كان هذا الرجل النموذج يمتهن حرفة إصلاح البنادق البدائية او يعيد (شد) إطلاقات عتاد هذه البنادق، كما انه يزود الفلاحين بها، وبخاصة المناضلين منهم، حيث يتعاطف معهم كثيراً لقناعات فكرية ونضالية.
* في واحدة من المطاردات، استطاعت الشرطة ان تمسك به في منطقة أخرى، بعيدة عن بيته، واصبح في موقف يصعب عليه الأفلات من بين ايديهم، حيث كان اقوى الشرطة واشرسهم ممسكاً به مكتفاً يديه الى الخلف. وفي لحظة تفكير إنقاذ ذكية وتضامنية مع هذا الرجل الذي يحبه الفلاحون، اشار (جدّي) الى امرأة نشطة، وأفهمها ان تذهب الى الشرطي وتتوسله برقّة في البدء، وعندما تقترب منه تفاجئه، بأن تمسكه من منطقة (ما بين الساقين) بقوة، وفعلاً استطاع (حسن إطويلع) ان يفلت ويهرب باتجاه مكان اختفاء آخر.
* ما جعلني استعيد هذه الحكاية، اني كتبت في عمودي هذا استذكارات نضالية عن الكثير من الرجال المناضلين في منطقة الهدام، دون ان اشير الى مواقف (بيت إطويلع) المشرّفة (دون تعمد طبعا)، وقد حصل بعد هذا السهو ان إتصل بي المناضل (صالح إطويلع) هاتفياً اكثر من مرّة، يحييني، مشيداً بهذه الاستذكارات عن مناضلي الهدام، وذكرّني باسم صاحب الأهزوجة التموزية التي وردت في احد أعمدتي دون أن اشير اليه، واضاف بهمسة موّدة معاتباً (لماذا تنسى بيت إطويلع يا ريسان؟ انهم من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي في الهدّام، وقد عملوا الكثير المشرّف، وإنك كنت صغيراً وربما لا تتذكر الان، وما عليك إلا ان تسأل اهلك، ثم سألني عن مَن تبقى حيّاً منهم.. غير اني أجبته، بأني اتذكر الكثير يا صالح.
* ان المناضل (صالح إطويلع) كما أخبرني، تخرج في مدرسة طيّ الريفية وأنا لم ادخل المدرسة بعد، ولم يسبق لي ان التقيته، وان الكتابة في (طريق الشعب) قد جمعتنا تذاكرياً، غير ان اخاه (حسن إطويلع) اتذكره جيداً، واتذكر صولاته البنادقية.
* لقد أردت من هذه الاشارة، ان اؤكد كما يؤكد غيري، بأن الكتابة مسؤولية كبيرة، وبخاصة عندما تكون عن المناضلين، حيث يستحقون منّا ان نشير باستمرار الى مسيرتهم ومواقفهم البطولية، إعترافاً ودلالة، وان إتصال المناضل صالح إطويلع بي، حملّني مسؤولية اضافية، حول ضرورة ايلاء هذا الجانب الكثير من الاهتمام.
* في نهاية آخر إتصال هاتفي معه، ذكرّني وبالعراقي، بالهوسة التي ارتجلها الفلاح الشهم الملا جاسم مطلك ابتهاجاً بثورة 14 تموز المجيدة يومذاك، في احتفال فلاحي أُقيم في قضاء الميمونة (الناحية في حينه):
"اخروشيف إجناحه.. الخايف لوذ إبسدَّه..!"