تابع حزبنا( الشيوعي الكردستاني ) مجمل الحوارات التي جرت بين الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة الفدرالية وشارك عبر قادته وكوادره في أغلب النقاشات التي دارت في مراكز البحوث، وفي الندوات المخصصة لهذا الموضوع. كما قدم الخطوط العامة لملاحظاته الأساسية الى لجنة التفاوض والتي تعلقت بالاستحقاقات الكوردستانية، ومتطلبات بناء الدولة المدنية الديمقراطية في العراق. وقد أكدت وجهة نظرنا الاساسية على ضرورة التمييز بين عملية تشكيل الحكومة وبين اعادة بناء الدولة وحل اشكالياتها والتي لا يمكن تحديدها بفترة وجيزة وتتطلب حلولا أكثر جذرية وأوسع عمقا، حلولا مبنية على التحلي بالجرأة والتخلي عن سياسية التهميش والالغاء وتهيئة الظروف والمستلزمات المطلوبة لاشراك جميع المكونات العراقية في وضع معالجات تضمن السلم الاهلي وتعايش الشعوب والمكونات العراقية وفق ارادتها الحرة واختيارها الديمقراطي.
غير ان عملية تشكيل الحكومة لم تنتج لحد الآن حتى أنصاف الحلول وبدا الأمر وكأن الاستحقاق الزمني ورغبة الدول المعنية بالشأن العراقي ،المتناقضة في المصالح، والمؤثرة باشكال شتى على اتخاذ القرار السياسي فيه، كان له دور اساسي في ترتيب الأمور، تزامنا مع المؤثرات الداخلية ومخاطر الارهاب وسوء تقدير البعض في التعامل معه ومخاطر الحرب الطائفية، وكل ذلك بسبب تراكم آثار نهج الاستئثار بالحكم داخليا والاستقواء بدول الجوار خارجيا مما وفرت الأرضية المناسبة لتفعيل حواضن الارهاب، في ظل المتغيرات الحساسة في الشرق الاوسط عموما وتنامي الصراع فيه بين حركة الثورة المتمثلة بحركات التغيير ذات الطابع المدني في المنطقة من جهة وحركات الثورة المضادة المتمثلة بسعي السلطات الديكتاتورية للبقاء في الحكم وتنامي حركات الاسلام السياسي وخاصة الفصائل ذات الطابع الشمولي الارهابي من الجهة الاخرى.
لقد أكدنا ومنذ البداية ان الشرط الاساسي لضمان نجاحنا في الجانب الكوردستاني في عملية مواجهة الارهاب وفي عملية التفاوض من أجل نيل استحقاقاتنا وتشكيل حكومة فدرالية قادرة على توفير الاجواء لوضع حلول عملية لاشكالية الدولة في العراق، رهن بوحدة ارادة شعبنا الكوردستاني وقواه السياسية والتعبير عنها في الخطاب السياسي، تزامنا مع العمل من أجل تحقيق التنمية وتعزيز مفهوم المواطنة الكوردستانية والحكم الرشيد على الصعيد الكوردستاني الداخلي.
ونتيجة للثغرات الجدية في هذا المجال والرغبة لدى الكثيرين في التعامل مع الاحداث والمستجدات من خلال غلبة المصالح الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية الكوردستانية، وبسبب ضعف المؤسساتية في المجالات الحساسة في العمل الحكومي والتعامل بشكل عفوي في جملة من العمليات العسكرية الخاصة بمواجهة الارهاب حدثت ثغرات جدية اثرت بشكل سلبي في المزاج الجماهيري، في وقت تزامن معها عملية التفاوض والحوار لتشكيل الحكومة. وبدا الجو المرافق لمخاطر الارهاب الذي كان موجها بالاساس ضد طموحات شعبنا الكوردستاني في التحرر والتقدم الاجتماعي، مهيمنا على البعد النفسي في عملية تفاوض الفرقاء. وفي مثل هذه الاجواء لا بد من التوقع بان الدعم الدولي عموما، والامريكي على وجه الخصوص رهن بانجاز تشكيل الحكومة العراقية ضمن الاستحقاق الزمني المثبت في الدستور.
ولم تكن مجمل أطراف العملية السياسية و الفرقاء فيها بمنأى عن التناقضات والصراعات المتعلقة بالسلطة وبأحقية تمثيل الطائفة المعينة. فالصراع على منصب رئيس الوزراء بين ممثلي تيار الاسلام السياسي الشيعي كان على اشده، ولم يحسم الأمر حتى بتدخل المرجعية، فما كان من ايران وبعد تهديدات داعش ضد بغداد الا ان تتدخل بشكل اكثر فاعلية لحسم الامر والتخلي عن المالكي لصالح العبادي. وبدا التيار السياسي السني وقوات العشائر وخاصة التيار الاسلامي السني أكثر تشتتا بعد المراهنة الخاسرة للبعض على داعش وتصوير ما حدث في الموصل وبعض المناطق السنية بانها انتفاضة تعيد الهيبة والحقوق للمكون السني.
لقد تشكلت الحكومة ولكن العبرة ليست فقط في تغيير بعض الوجوه وتبادل المواقع، فالعبرة الاساسية تكمن في الاستعداد لوضع اليد على الاشكاليات الجوهرية وتحديد مهام الحكومة بصورة واقعية والنية الصادقة في ترجمة مطالب المواطنين الى واقع ملموس عبر تحقيق التنمية الحقيقية وايقاف الهدر في الطاقات البشرية والمالية للعراق، والجرأة في اتخاذ القرار حول الملفات العالقة، ومواجهة الارهاب بصورة فاعلة من خلال الجهد السياسي والأمني والعسكري والسياسية الاقتصادية الداخلية دون التعويل فقط على الدعم الخارجي. ويتطلب هذا الأمر الالتفات إلى مواجهة الفساد وتحقيق الاصلاح الاداري والتنمية المستدامة لا ان تقضي الحكومة السنوات الثلاث الباقية فقط في التعويل على سياسة اوباما في مواجهة داعش والتكييف معها.
ان على الحكومة العراقية الجديدة ان تبين نيتها الحقيقية ومصداقيتها في وضع معالجات وحلول، وان تستفيد من الأخطاء الجسيمة التي اقترفتها الحكومة السابقة نتيجة السياسات الطائفية والاستئثار بالسلطة والتفرد في اتخاذ القرارات والتحشيد الطائفي والقومي الشوفيني والتي كانت احدى صفحاته الحرب الاقتصادية الظالمة ضد الشعب الكوردستاني والعقاب الجماعي للمواطنين في اقليم كوردستان.
ان ما نراه من مهام واستحقاقات مطروحة أمام الكابينة الجديدة للحكومة تفرض مهام في الوقت نفسه على الجانب الكوردستاني سواء على صعيد كوردستان أو على صعيد العراق بشكل عام. وتتجلى تلك المهام على الصعيد العراقي في ما يلي:
ـ متابعة الجهود لتشكيل الحكومة الاتحادية عمليا والتي يمكن القول بانها انجزت من الناحية الشكلية ولم تستكمل من الناحية العملية. لذا على الجانب الكوردستاني خلال الثلاثة أشهر القادمة، التركيز والتأكيد على موقفه من مشاركة الحكومة الفدرالية ومتابعة إلتزام الجانب المقابل والضغط عليه للايفاء بالوعود التي قطعتها الحكومة وتحويلها الى أرض الواقع عبر اجراءات ملموسة.
ـ تحقيق مبدأ الشراكة الحقيقة في عمل مجلس الوزراء عبر وضع نظام داخلي لمجلس الوزراء ينظم عمل المجلس وفق مبدأ الشراكة الحقيقية الفاعلة ويوازن بين صلاحيات المجلس وأداء رئيس الوزراء، وعدم ابقاء المناصب شاغرة أو اشغالها عبر الوكالة.
ـ الاتفاق على وضع نظام داخلي للقيادة العامة للقوات المسلحة وتشكيل مجلس لها يحدد صلاحيات المجلس ويوازن بين صلاحيات المجلس وصلاحيات القائد العام بما يضمن عدم انفراد القائد العام بالقررات. والغاء كافة القرارات المتخذة فيما يتعلق بتشكيل قادة الفرق ومعالجة الامر دستوريا.
ـ انجاز الميزانية العامة عبر تعزيز دور مجالس المحافظات واقليم كوردستان في وضعها،وفي مناقشة واقرار السياسات الاقتصادية والتنموية للمحافظة ذاتها و للدولة، واعطاء الصلاحيات اللازمة للمحافظات لضمان البناء التحتي داخل تلك المحافظات لتوفير الخدمات في مجال الكهرباء والطرق والمستشفيات، على ضوء توسيع وضمان اللا مركزية وتقليل النفقات السيادية.
ـ تعزيز اللا مركزية الادارية في العمل الحكومي وتخويل بعض الصلاحيات السيادية حصرا في الدستور الى الاقليم ومجالس المحافظات من قبل الوزارات الاتحادية. في مجال النقل الجوي والاتصالات على سبيل المثال، وكذلك شبكة الاعلام، دون انتظار تعديلات دستورية.
ـ الايفاء من قبل الحكومة الاتحادية بالالتزامات الاجرائية والمالية تجاه الاقليم و التي سبق أن أشار الدستور لها أو جرى الاتفاق بشأنها ضمن المفردات الاساسية في بناء العملية السياسية في العراق.
ـ الاسراع بتشكيل لجنة مشتركة من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان بمشاركة رئيس الوزراء لحل الاشكاليات بين الاقليم والحكومة الاتحادية.
ـ التأكيد على الآليات الكفيلة بمراقبة ومتابعة مجلس النواب للسلطة التنفيذية وتنظيم دعوتها الى المجلس وضمان القدرة على استجواب مجلس الوزراء.
ـ التأكيد على الغاء قوانين مجلس قيادة الثورة المنحل المتعلقة بتغير واستقطاع المناطق الادارية و اقرار قانون اعادة المناطق والاقضية التي اداراتها السابقة.
ـ وضع جدول للاستفتاء في المناطق المشمولة بالمادة ١٤٠.
ـ التأكيد على انجاز التشريعات التي تضمن الحريات العامة وتعزز من دور الصحافة الحرة وحرية الابداع ومنع الرقابة على الاعلام، وتوفر الأرضية المناسبة للتوجة لبناء الحكم الرشيد والكشف عن اموال المسؤولين وممتلكاتهم.
ـ الاتفاق على معالجة وضع الهيئات المستقلة بما يضمن استقلالها عن السلطة التنفيذية عبر معالجة سبل تكوينها وتنظيم متابعتها ومراقبة أعمالها ومساءلتها أمام مجلس النواب وامام القضاء.
ـ اعادة النظر بالسلطة القضائية وضمان استقلاليتها وعدم تاثير السلطة التنفيذية على توجهاتها وقراراتها، وتعزيز مجلس فاعل للقضاء ودور اساسي للادعاء العام ولمحكمة التمييز وضمان استقلالية كل طرف من أطراف السلطة القضائية.
أما على الصعيد الكوردستاني الداخلي فان حكومة الاقليم والقوى الكوردستانية تواجه مهام عاجلة منها:
ـ التركيز على قضية مواجهة الارهاب والدفاع عن حقوق ومصالح شعبنا الكوردستاني والعمل من أجل الديمقراطية والتمدن في عموم العراق, وهذه العملية بالأساس عملية سياسية نضالية مجتمعية وعلينا أن نخوض هذه العملية في كافة المجالات المجتمعية.
ـ العمل من أجل ايقاف الهجرة الى خارج الوطن، وخاصة فيما يخص الايزيديين والمسيحيين، ودعوة حكومة الاقليم الى العمل من أجل وضع برنامج سياسي مجتمعي وخطة طوارئ خاصة لاحتضان الأيزيديين والاهتمام بهم ورفع معنوياتهم ومعالجة حالات التهميش والالغاء، و العمل على رفع الاحساس بالغبن لديهم والتأكيد على كونهم مواطنين كوردستانيين أساسيين وما جرى من جرائم بحقهم يمس وجدان كل كردي في كل أجزاء كوردستان، وطرح تلك الجرائم في الاعلام كونها جريمة ابادة شاملة وشكل من اشكال الجينوسايد.
ـ التأكيد على وحدة الخطاب الكوردستاني وعدم توظيف ما يجري في جبهات مواجهة الارهاب من خلال المكسب الحزبي الضيق، والعمل على معالجة الخلل الواضح في الاعلام الكوردستاني وفي شبكات الاتصال الاجتماعي في عرض ما يجري في جبهات القتال.
ـ تعزيز روح المقاومة عند جماهير شعبنا والتأكيد على قدرة الشعب الكوردستاني على مواجهة الارهاب والدفاع عن مكتسباته التي تحققت بفعل نضالات الحركة التحررية الكوردستانية، والتأكيد بان كوردستان تواجه حربا دفاعية تتطلب وحدة القرار الكوردستاني والالتفاف الشعبي.
ـ تقييم مجريات الاداء العسكري في جبهات القتال وتشخيص مواقع الخلل فيه وكيفية تحشيد وتفعيل وادارة الطاقات البشرية والطاقات اللوجستية في الحرب الدفاعية، من خلال تنظيم التطوع والتفكير في التجنيد الالزامي ووضع قانون اونظام للاحتياط، ويتطلب الامر الاسراع في اجراء التغييرات في وزارة البيشمركة كونها المرجع الاساسي، وجعلها مؤسساتية.
ـ تفعيل الاجراءات الامنية الداخلية والتصدي للطابور الخامس ومواجهة حالات التعصب والانعزال القومي التي قد تحدث كردود أفعال غير مدروسة تجاه اللاجئين من القومية العربية الذين اضطروا الى اللجوء الى كوردستان، والعمل على تعزيز قيم التعايش السلمي وقبول الآخر والقيم المدنية والاستعداد للتطوع والعمل الخيري الانساني.
ـ التاكيد على اهمية المادة ١٤٠ وتطبيقها عبر الاستفتاء وضرورة توجه القيادة الكوردستانية الى الحوار مع ممثلي التركمان والعرب في كركوك من اجل عقد اتفاقيات معهم لضمان اشراكهم مستقبلا في الادارة وفي برلمان كوردستان بعد اعادة تلك المناطق من الناحية الرسمية.
ـ التأكيد بان الاحداث الاخيرة لن تحول من نضال شعبنا من أجل حق تقرير المصير واجراء استفتاء لتقرير مصير كوردستان، ومن الضروري أن تعمل القيادة الكوردستانية وحكومة الاقليم الى توفير المستلزمات السياسية والقانونية لضمان ذلك.
ـ تعزيز الاستفادة من الدعم الدولي السياسي والعسكري للاقليم وتحويل ذلك من مسألة الدعم لمواجهة الارهاب الى الدعم من أجل حق تقرير المصير واعادة بنية الدولة العراقية على اسس ديمقراطية مدنية وفق الارادة الحرة لمكوناتها.
11-9-2014