المنبرالحر

كتاب.. في الذاكرة / سعاد الكناني

من منا لا يتذكر اول كتاب قرأه ، و كيف أحب القراءة ، وشغف بها، أو كيف تأثر بصديق او قريب او معلم .. وبقي من تأثر به شاخصا في الذاكرة، مثلما ترك اول كتاب قرأه ندبة بارزة في مسار قراءاته اللاحقة.
كانت لنا اهتمامات جمة والعاب كثيرة في طفولتنا. و رافق بدايات وعينا الاولى مرح طفولي يفوق الوصف. كان الفرح يلون العابنا مثلما كان يعطر حياتنا.
كنت وانا طفلة احب الدور القيادي في العابنا ..ليس لأني جديرة به، وانما رغبة مني في ذلك، سمها رغبة بالتسلط. وكانت العابنا شبه تربوية ورياضية ومنسقة على بساطتها . وكانت لعبة الثعلب فات والتوكي والتوكي عجم تتصدر العابنا. ولو ظهرت هذه اللعبة الآن لرفضها البعض بعد ان يلصق بها صفة الصفوية.
ذات يوم وزعت علينا معلمة اللغة العربية قصصا قصيرة في كراريس ملونة زاهية، وطلبت منا ان نقرأها ونتبادلها فيما بيننا، ووعدتنا بقصص جديدة . كانت حصتي الاولى قصة البجعات الثلاث. انبهرت بصورها وجمال الوانها. اكملتها بسرعة لآخذ بعدها قصة قطر الندى من زميلتي . شعرت حينها ان القراءة عالم رحب وجميل يأخذني في رحلة الى آفاق بعيدة جديدة، لا أفيق منها الا بانتهاء القصة.
من يومها بدأت احب القراءة. وتنوعت قراءاتي بعدها، بين اجاثا كرستي، ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وفي وقت لاحق تحولت الى قراءة الأدب الروسي ..ما اروع الأدب الروسي! كان الصدق أعظم شيء في العمل الادبي والفني، و تفاعلت مع قراءاتي ومع احداثها. وكان تفاعلي هذا تفاعلا»حيا» ينساب في تفاصيل حياتي اليومية. كانت ثمة صفحات تعصف بي فتفجر مشاعري وتفضح هواجسي وخيالاتي، دموع حارة أو نوبة حزن عميق يترسب في اعماق الروح. نشيج مكتوم او مشاركة وجدانية .. اتذكر بعض الروايات التي تركت وشما في نفسي وما يزال هذا الوشم في ذاكرتي حتى الآن: رواية الأم لمكسيم غوركي، وبقايا صور لحنا مينا. كذلك تأثرت بكتاب الاقدام العارية لليساري المصري طاهر عبد الحكيم.
أحببت الشعر وقرأت لعديد من الشعراء. تعلقت بشعر صاحب «الريل وحمد، وتأثرت بملاحمه، وجمال وصفه، وهو ما عمق لدي حب الهور والبردي وعموم الناس.
لا زال الكتاب جزءا من تفاصيل يومنا. كنا نقرأ، رغم ان الوضع كان لا يساعد على قراءة الاشياء المحببة لنا، حيث الرقيب منتشر في كل مكان.
الآن وا حسرتاه! أفلت القراءة وغاب القراء، وشح من يحث على القراءة رغم انتشار الكتب وتنوعها، ورغم غياب الرقابة والمراقبين. ما الضير لو تواجد الطلبة لمدة ساعة او اقل في مكتبة المدرسة، حتى يتذوقوا طعم القراءة؟ او لو شجع الأهل أولادهم على القراءة ؟
اعرف ان بعضكم سيستغرب من دعوتي، فغالبية طلابنا وشبابنا اليوم لا يقرأون مناهجهم الدراسية المقرة، بينما انا اتحدث عن قراءات ادبية وفنية. هذا «بطر» يا سيدتي! وسيلومني آخرون باعتباري صوتا قادما من ماضٍ ولى يتحدث عن كتب ومجلات و يجهل ما احدثته التكنولوجيا من متغيرات جذرية في مناحي الحياة بضمنها وسائل التعاطي مع عوالم القراءة والادب والفن.
ليس لدي ما ارد به، سوى ان متعة القراءة في كتاب تحتضنه بين كيفيك وتتصفح اوراقه باطراف اناملك، لا تضاهيها متعة أخرى..