- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 11 نيسان/أبريل 2016 20:43

حكى لي الصديق المرحوم حسن شمخي العامري، وهو من الاصدقاء المقربين للسيد فاضل معلة وممن اعتادوا الترشيح لعضوية البرلمان ايام النظام الملكي ومن المطلعين على خفايا اسرار النظام ، ان احد الاشخاص من سكنة قضاء ابي صخير الذي كان يتبع ادارياً آنذاك لواء الديوانية والمرتبط حالياً بمحافظة النجف، كانت لديه معاملة متأخرة في دائرة نفوس احدى نواحي القضاء المذكور.
تحدث بهذا الخصوص مع قائممقام القضاء وكان يأمل ان يزوده القائممقام بكارت الى مسؤول الدائرة المعنية او يتصل تلفونياً من اجل تسهيل معاملته وانجازها. الاّ انه فوجيء بجواب لم يتوقعه من ذلك المسؤول الاداري الذي قال له: "المسألة هينة ادفع له عشرة عشرين دينار ينجزها لك".
فقرر ان يطرح الموضوع على متصرف "محافظ" اللواء وتوجه الى مدينة الديوانية حيث قابل المتصرف. فكان جوابه بنفس الوجهة سوى ان المبلغ تضاعف واصبح اكبر. فقد اجابه المتصرف: "ادفع له اربعين خمسين دينار ينجزها لك "!
وعندما لاحظ صاحب الأمر ان المسألة احلوّت كثيراً قرر ان يقابل الوزير ويطرح الامر عليه فلم يختلف جوابه عن جواب من سبقه: "مائة دينار فتنجز المعاملة".
بعد ان استمع الى جواب الوزير تحدث معه بصراحة واخبره بجواب القائممقام والمتصرف. فلم يخجل الوزير من ان يؤكد له انهم جميعا مرتشين ويقدم التبريرات لسلوكهم. فقد اجابه قائلا " كلنا نأخذ وكل واحد يأخذ حسب مستوى مسؤولياته" واضاف : " أنا مثلاً , استلم من الحكومة راتباً مقطوعاً مقداره مائتي دينار شهرياً, في حين مطلوب مني السكن في دار تناسب مقام الوزير والتحرك بسيارة مقبولة وارتداء الملابس المطلوب ان يرتديها الوزير , فهل تغطي المئتي دينار كل هذه المستلزمات ؟" واضاف : " حفلة واحدة من الحفلات التي تقيمها زوجتي تستنفد كل هذا المبلغ مني. اذا كنت سمعت من القائممقام عشرة عشرين دينار فهذا يكفيه، المتصرف لا تكفيه العشرين لذا سمعته يقول أربعين خمسين"!
عاد الرجل من مقابلته جناب الوزير ليخبر بعض مقربيه بما سمع منهم جميعاً، وابعينك أتشوف يخوي يبو كاطع, وليسمح لي رفيقك في حواراتك التي لا تنسى ابدا خلف الدواح بان استعير منه الان نفس الكلمات التي كان يحاكيك بها: اشلون جانوا من وزيرهم الى متصرفهم الى قائممقامهم الى امين سجلهم المدني مرتشين فسدة اخلاقياً، مفسدين لنظام الحكم وجهاز الدولة، يتسترون على بعضهم البعض، ويحمي بعضهم البعض مكانهم السجون ومزبلة التاريخ وليس المسؤوليات الادارية في جهاز الدولة أو المسؤوليات السياسية في المجتمع وفي العمل الحزبي والمهني والنقابي.
هذا ماحكاه لي الصديق المرحوم حسن شمخي العامري. اتذكر ذلك الآن واتلفت حولي واقول: عجيب غريب، الا يتغير شيء في هذا البلد بعد كل هذه السنين الطويلة؟