تلجأ البلدان النامية للاستفادة من تجربة البلدان المتطورة في بناء عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والموارد البشرية وهذه الأخيرة تشكل عند البلدان التي تنشد تطورا سريعا، عقب حقبة طويلة من التخلف عن ركب الحضارة العالمية، في حال غياب الموارد الاقتصادية التي توفر لها الموارد المالية الكافية لإدارة عملياتها الاقتصادية التنموية، الأولوية في عملية البناء. وإذا كانت اليابان قد اعتمدت الموارد البشرية العامل الأساس في تطورها الاقتصادي فان معظم دول العالم أخذت تسير في هذا المنحى وهذا أمر طبيعي فليست هناك في العالم أية عملية لا يكون الإنسان طرفها الرئيسي.
وقد أدرك العراق وخاصة بعد التغيير في عام 2003 كسائر الدول النامية أهمية تطوير موارده البشرية وأخذت الدوائر الحكومية تضع البرامج الخاصة بالايفادات بهدف رفع مستوى أداء موظفيها لأجل تنفيذ خططها بما يسهم في رفع وتيرة عملها على أساس مؤشرات تقيس نجاحها في هذه العملية. والسؤال هنا هل حققت هذه الإيفادات أهدافها في نقل تجارب الدول الأخرى والاغتناء بعلوم إدارية غير مطروقة محليا وهل استوعبت أساليب عملها وترجمت هذه التجارب وهذه الأساليب في إنجاح السياسات التي تضعها الدوائر على اختلاف اختصاصاتها؟
ومما يجدر ذكره أن الدولة رصدت في ميزانياتها ملايين الدولارات لتنفيذ برامج الإيفاد وحسب تصريح نائبة في البرلمان أن نسبة التخصيصات المالية في الموازنة القادمة، المقصود موازنة 2014، ستكون 21بالمئة وهي بدون شك تكاليف باهظة تتحملها الدولة ووضعت لها أهدافا فهل كان أو سيكون المتحقق بمستوى هذه التكاليف؟
إذا استثنينا الإيفادات البروتوكولية والدبلوماسية الهادفة الى تطوير العلاقات مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتي تخرج في أهدافها عن موضوعة الموارد البشرية، وإذا استثنينا الإيفادات المتعلقة بتنفيذ العقود الحكومية والتي تتحدد مهامها في فحص العدد والاليات التي تحتاجها المشاريع الحكومية والتي ترتبط بالعقود المتفق عليها من النواحي الفنية ومطابقة مواصفاتها مع ما تم التعاقد عليه، وإذا استثنينا الطلبة المبعوثين للدراسة الأكاديمية خارج العراق، فان البحث فيما حققته الإيفادات التدريبية والندوات والورش التي تصب في تنمية الموارد البشرية لم يجد ما يشير الى أنها حققت أهدافها بالرغم من المبالغ الكبيرة التي أنفقت عليها. وذلك لعدة أسباب وفي مقدمتها غياب المعايير العلمية التي ينبغي أن تنطبق على الموظفين الموفدين، وهي خاضعة في اغلب حالاتها الى الانتقائية المبنية على المحسوبية والارتياحات الشخصية في ظل إدارة بيروقراطية نقلت عن الماضي كل خيباته وغير مستعدة للتأقلم مع التطورات الحديثة بالإضافة الى غياب المؤهلات العلمية التي تناسب البرامج التدريبية المنوي التدريب عليها وبما تنسجم مع احتياجات الدوائر المعنية وبالتالي فان هذه الإيفادات تتحول الى جولات سياحية ترفيهية وفرصة للتبضع دون أن يقدم الموفدون التقارير الضرورية التي توضح نوع وطبيعة المناهج التدريبية التي تلقوها أو بعدها وقربها من سياسات الدولة في إصلاح جهازها الإداري رغم الاف الدولارات التي تصرف على الموفد. وهذه النفقات التي لم تحقق نتائج ايجابية على ارض الواقع لا يمكن توصيفها الا بشكل من أشكال الهدر والفساد المالي الذي يجب أن يحاسب عليه ليس فقط الموظف الموفد وإنما الذي ساهم في إيفاده ومن اصدر له الأمر بالإيفاد. ولأجل الحد من هذه البرامج المشوهة لابد من السعي الجاد لوضع معايير مركزية تنطبق على برامج تنمية الموارد البشرية تتركز على:
1- أن تتولى الدوائر الحكومية وضع برامج تدريبية خارجية وداخلية تنسجم مع طبيعة عملها وبما يخدم سياساتها وأهدافها. واختيار الموظفين المؤهلين علميا والمعروفين بكفاءتهم، في هذه البرامج.
2- أن يكون إيفاد الموظف في كل سنتين لمرة واحدة وان يصار الى الالتزام بهذا المعيار وفي حال مخالفة هذه الضوابط تتخذ عقوبات انضباطية بحق الموظف الفاشل وتحميله تكاليف الإيفاد.
3- الموظفون الموفدون وفق الضوابط أعلاه عليهم، وهذا شرط من شروط الإيفاد، أن يقدموا تقريرا مفصلا عن الفوائد المتحققة وترجمتها على ارض الوقع بما يتناسب مع الحاجة لتحسين الأداء الإداري. وعكس النتائج المتحققة عن الإيفاد الى موظفي الموارد البشرية العاملين معهم في الدوائر ذات العلاقة تحقيقا لخطط إصلاح الجهاز الحكومي التي درجت عليها الدوائر الحكومية إعماما للفائدة وعلى شكل دورات مصغرة وبالالية التي تراها مناسبة.
4- العمل على تفعيل دور المركز القومي للاستشارات والتطوير الإداري في وضع البرامج التدريبية التي تحتاجها مختلف الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة وبالتنسيق معها في تحديد طبيعة هذه البرامج ومدى انسجامها مع السياسات التي وضعتها.