المنبرالحر

التعليم في العراق.. هبوط في الوعي الاجتماعي والثقافي والاداري / عرض سلام السوداني

صدر للدكتور عبد جاسم الساعدي كتاب عنوانه " التعليم في العراق.. هبوط في الوعي الاجتماعي والثقافي والاداري" من 140 صفحة من القطع المتوسط، ومن ستة فصول.
جاء في المقدمة: "يزداد التعليم في العراق اليوم بؤسا وتراجعا بسبب اساليب العنف والاعتداءات القبلية واصحاب النفوذ السياسي والمحلي والعسكري، وذلك بغياب القانون والمتابعة وتدهور الوعي الاجتماعي والامني". ويشير في الفصل الاول: تمارس فلسفة التربية اساليب الاصلاح والنقد والخروج من الاطار المعرفي المحدود الى الدولة، واستيعاب حركة العلوم الاجتماعية وبخاصة الاقتصادية لصلتها المباشرة بفلسفة التعليم. كذلك اشار : احتلت التربية مكان الصدارة لدى الرواد الاشتراكيين وتجذرت قضايا البحث والدرس والمقارنة والابداع فخرجت الى عالم الانسان والصراع، لغايات انسانية وثقافية وصارت فضاءً حرا للحوار والنقد الثقافي والتربوي وتحريك الوعي الاجتماعي فمن خلال التربية نشأت نظريات ومباحث اجتماعية ومدارس نقدية، ولعل الاشتراكيين بتنوع مذاهبهم كانوا الاكثر حضورا وانغمارا في البحث لانهم وجدوا في التربية مساحة واسعة لكشف التناقضات والصراعات ومحاولات الهيمنة والاستبداد، فوضع لينين بذور مبدأ التربية البوليتكنيكية التي تمت بلورته في المؤتمر الاول للتربية البوليتكنيكية لعموم روسيا المنعقد في 5 آب 1931).
وكذلك اشار الى التربية النقدية، حيث يري جيرو ان التربية النقدية ينبغي ان تمكن الطلاب من اثارة الاسئلة عن المؤسسات المالية وتوجيهها نحو الوجهة الديمقراطية، ثم عرج على التربية المدنية حيث اكد: لا تشكل التربية المدنية اليوم حركة نقدية متطورة على المذاهب النقدية السابقة الذكر لانها تميل الى التهدئة والتصالح مع الآخر وتتجنب بحسب عناصر الازمات او الاشتغال خلق بيئة ثقافية ووعي اجتماعي يحرك عناصر الصراع ويكشف الخلل التربوي والسياسي والاقتصادي في المجتمع.
اما الفصل الثاني فأشار الى المدرسة والبيئات الاجتماعية (تقع المدرسة تحت نظر ومسؤولية قوى اجتماعية وثقافية وتربوية وحتى سياسية محلية وعامة، فهي كيان شديد التعقيد وغير منبسط لما يكتنفه من عوالم واساليب تتصل بالمكان نفسه وبيئته وقواه الاجتماعية والاقتصادية والادارية بالاضافة الى المنهج والمعلم ووسائل المعرفة والحركة واللغة وسعة المكان ومقدار استيعابه للنشاطات والفعاليات الحرة الموازية للدرس. فالنظر الى المدرسة في المجتمع هو النظر في الثقافة بمعناها الواسع، اي بآدابها وعلومها وفنونها وعاداتها وتقاليدها، نواحيها المادية والتكنيكية واعادة بنائها، حيث تلعب المدرسة دورين اساسيين في خدمة المجتمع الذي تنشأ فيه، اولهما نقل التراث بعد تخليصه من الشوائب، وثانيهما اضافة ما ينبغي اضافته لكي يحافظ المجتمع على حياته، اي تجديد المجتمع او تغييره بشكل مستمر).
اما الفصل الثالث (البيئة المدرسية والوعي الاجتماعي والنقدي). حيث اكد وبكل جرأة ان التعليم في العراق سيظل يعاني من وطأة التخلف الادري والفساد المالي وضغوط الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والطائفية والقبلية وسيزداد تدهورا في كل مفاصله ومراحله، ما لم تنهض قوى اجتماعية ونقدية وثقافية، تضع في اعتبارها اهمية البحث والدرس من جهة وخلق بيئة اجتماعية وتربوية جديدة تدخل في صلب الحياة وتفكك عناصر الازمة ومضاعفاتها، وامكانات التغيير والانتقال الى مرحلة جديدة).
وشخّص مشكلة الابنية المدرسية والفساد المالي والاداري واشار بوضوح: (ولعل وزارة التربية وحدها تشكل اخطر مؤسسة في الفساد والسرقة والعبث بالمال العام والتعيين وبقيت حتى الآن اداة اذلال وقهر الانسان في طلب الوظيفة او الانتقال الى درجات وظيفية، ناهيك عن الفضائح الدائمة في تسريب الاسئلة الوزارية والنسب العالية من الشهادات المزورة واستفحال ظاهرة التدريس الخصوصي بالضغط على الطلبة وعوائلهم في المدارس نفسها). واشار الى الحوانيت المدرسية فهي كارثة صحية لأن ما يباع فيها من مواد غذائية خطرة وكذلك قلة المياه الصالحة للشرب حيث اورد تقارير وشهادات لهذا الواقع المؤلم للمدارس على الرغم من كثرة التخصيصات المالية، ولكن الفساد المستشري في الوزارة هو الذي بدد هذه الاموال. ثم عرج على العنف المدرسي واثره على البيئة المدرسية حيث اشار (اجمع المعلمون في حقل الكتابات الحرة عن معاناتهم الانسانية والتربوية في عدم امكان التواصل مع التلاميذ وضبط الصفوف الدراسية حيث تسود الفوضى والارباك اضافة الى الدروس التقليدية التي لا تطور التلاميذ ولا تكشف مواهبهم ولا تسمح لهم بالمشاركة لضيق وقت الدرس الذي لا يزيد عن ثلاثين دقيقة).
اما الفصل الرابع (التعليم في العراق صراعات ثقافية ودينية وطبقية). حيث اشار الى المفكر البرازيلي باولو فريري في حديثه عن ثقافة الصمت التي يمارسها المقهورون فهو يعتقد ان النظام التعليمي بأسره مكرس لخدمة ثقافة الصمت وانه لا بد من النضال من اجل التحرير والتربية على نحو ما ورد في كتابه " تعليم المقهورين": ان الحرية ليست شيئا اضافياً، يودع في عقول المواطنين بل هو ممارسة او استجابة واعية نحو العالم من اجل تغييره نحو الافضل".
واشار الى مظاهر الصراعات الاجتماعية، كتعليم البنات أنموذجا واورد ادلة واحصائيات في مدارس بغداد الرصافة الثانية لظاهرة انسحاب الطالبات في وقت مبكر على عكس البنات التي يكون انحدارهن من طبقات اجتماعية ميسورة يشعرن بالبهجة لوجود حوافز مادية ومعنوية وفرق وحراسات امنية وسيارات خاصة.
اما في الفصل الخامس (مؤشرات على هبوط مستويات التعليم) حيث قال: (تحولت الدراسة في المرحلة الابتدائية وكأنها صفوف لمحو الامية، ناهيك عن حال الفوضى والاضطراب وانتشار ظاهرة العنف المدرسي والانحرافات الاجتماعية التي ظهرت بعض مؤشراتها في مدارس بغداد). وان وزارة التربية ومؤسساتها عاجزة عن ايجاد التوازن والاصلاح والتوزيع العادل لحصص المعلمين والمدرسين التي لا تخضع لشروط ومعايير فنية وتربوية بقدر ما تعبر عن الاستجابة لضغوط طائفية وعشائرية وحكومية وحزبية ونفوذ شخصي وفساد مالي واداري بلغ غاية التجاوز وانتهاك حقوق الانسان، كذلك اشار الى انعدام المكتبات والمختبرات في المدارس وبالأرقام، وعرج على رياض الاطفال في العراق ما يشير الى عدم وجود فلسفة تربوية تعنى بالأطفال في بيئاتهم المدرسية ولا دراسات نقدية علمية بالاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة التي تضع الاعتبارات الاولى في برامجها التربوية لإعداد الاطفال وتوفر الظروف المناسبة في الحركة واكتشاف الطاقات والمواهب وخلق علاقات تفاعل باكتساب الثقة المتبادلة مع الاطفال ونقلهم الى عالم الخيال والتصورات والابداع). ثم ركز على ظاهرة تسرب التلاميذ من مدارسهم واشار بالحرف الواحد (يشكل تسرب التلاميذ من مدارسهم ظاهرة، بل صرخة تدوي في اعماق الضمائر العراقية المتحركة في مراكز منظماتها ومؤسساتها واحزابها ودوائر عملها المتنوعة لنفض هذا الغبار المتراكم عن ملايين الشباب).
اما الفصل السادس والاخير (الامية في العراق، الواقع وامكانات التغيير)، حيث اوضح: ( تشكل الامية بجحافل العاطلين عن العمل والقوى العاملة المهمشة والشباب والنساء والاحياء الشعبية المكتظة والمنعزلة عن المدينة والعالم اخطر ركن من اركان تلك التحديات اذ انها تضع الفئات الحاكمة والاحزاب الحقيقية والمؤسسات الثقافية والمدنية والنقابات على تنوعها ومراكز البحث والشخصيات الاجتماعية والدينية امام اختبارات تاريخية على مدى استيعاب تلك الازمة والاحاطة بها والجهود التي بذلتها طوال 13 عاما مضت.
كتاب التعليم في العراق .. رصد فيه الكاتب مكامن الخلل في وزارة التربية وتمكن بفضل الاحصائيات والنسب التي ادرجها والعمل الميداني في مدارس بغداد والمحافظات من تشخيص مكامن الخلل والفساد بكل جرأة ومهنية عالية وايجاد الحلول الناجعة لمعالجة هذه الاخطاء لان الدراسة هي حصيلة قراءات نقدية وثقافية واجراء استبيانات بين المعلمين والطلبة والادارات معتمدا على البحوث والدراسات والاحصاءات العلمية التي قدمتها وزارة التخطيط واشار الى حجم المشكلة التربوية ومضاعفاتها الاجتماعية في بيئات طاردة يكتنفها حال التفاوت والتناقضات الاجتماعية والطبقية.
انه كتاب يحتاجه كل معلم ومدرس وكل باحث تربوي ومهتم بالشؤون التربوية.