نشرت جريدة الحياة اللندنية بالتعاون مع جريده المدى و على مدى خمس حلقات مقابلة اجراها السيد غسان شربل مع السيد هوشيار زيباري وزير خارجية العراق. تثير المقابلة الكثير من التساؤل و الاستغراب و الدهشة، عن توقيت المقابلة و نوع الاسئلة المطروحة و مواضيعها. فلو تمعنا في الموضوع باكمله، سنجد اولا، ان الانتخابات النيابية العراقية قريبة، ونتائجها لا تشمل فقط اختيار النواب من قبل الشعب العراقي، بل انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب، مع اختيار لرئيس الوزراء و رئيس مجلس النواب في صفقة واحدة اصبح الساسة يطلقون عليها مصطلح جديدا اسموه السلة الواحدة ، و اصبحت هذه السلة و مع الاسف الشديد تأخذنا باتجاه التقسيم الطائفي البغيض للمناصب السيادية و المعمول به في لبنان و منذ الاستقلال، و نأمل ان تُكسرفي العراق هذه القاعدة باقرب وقت.
من المعروف لدى الجميع ان السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية الحالي، يعالج في المانيا منذ فترة طويلة مع اشاعات كثيره بانه قد يكون فارق هذه الدنيا. ولكن في احسن الاحوال انه سوف لن يعود لممارسة السياسة او الرئاسة. و لم يتم الاعلان عن شغر منصب الرئاسة، او من سيتولى المنصب لاحقا وذلك لاسباب عديدة، و التي تبدو انها من ضمن التفاهمات السياسية الكثيرة الحاصلة هذه الايام و التي تتعلق بالوضع العراقي الشائك عموما، لذلك ترك الامر كما هو عليه. و الامر لايختلف كثيرا عن اشغال المناصب الوزارية الامنية ، بالرغم من تدهور الحالة الامنية الشديد.
فالتحالف الكردستاني لا يريد ترشيح احد للفترة القصيرة المتبقية، و التحالف الوطني او بالاحرى كتلة دولة القانون مطمئنة بوجود نائب لرئيس الجمهورية من كتلتها و هو حاليا القائم بأمور رئيس الجمهورية، و لن يشاكس بطرح موضوع الثقة برئيس الوزراء، و العراقية مشغولة بقضية الهاشمي و تداعياتها و السكوت الحالي حول الموضوع. و لقد طرح في الاعلام بعض الاسماء لشغل منصب رئيس الجمهورية مثل السيدان برهم صالح و فؤاد معصوم، و يبدوا ان الامر كان سابقا لاوانه، و لم يكن اسم السيد هوشيار مطروحا سابقا و اتت انتخابات برلمان كردستان الاخير بنوع من المفاجاءة، حيث جعل موقع الاتحاد الوطني الكردستاني في الترتيب الثالث مما استبعد المرشحين السابقين، و جعل امكانية ترشيح شخص اخر يحمل مواصفات سياسية و كفاءة تؤهله لهذا المنصب و ان لا تكون حوله خلافات كبيرة، على ان يسبق الامر تهيئه اعلامية مناسبة و حملة علاقات عامة، تجعل ترشيحه مقبولا.
و نعتقد بان هذه المقابلة هي بداية الطريق لتقديم السيد هوشيار كمرشح محتمل لمنصب رئيس الجمهوري المقبل، لكي يتم تداول اسمه بين ابناء الشعب والساسه العراقيين وليلقى القبول ايضا بين الدول العربية و ايران و تركيا. و لقد وجدنا بان صيغة الاسئلة التي طرحت على السيد هوشيار تصلح ان تكون عناوين لمواضيع و ليست اسئلة صحفية عامة، وكانت الاجوبة كذلك اقرب ما تكون لمذكرات شخص دبلوماسي يشيد بانجازاته و هو على رأس عمله. ومن المعلوم بان الحكام و الساسة العرب قلما يعلقون على قضايا و مواضيع تتعلق بهم و هم على سدة الحكم، و حتى مكاتبهم الاعلامية تتجنب ذلك، و خاصة ان معضمهم تم ذكره بخير، عدا حكام سوريا، و الذين هم الان منشغلون بقضايا مصيرية تتعلق بمستقبلهم و بكراسيهم و لا وقت لديهم للانشغال بهذا الامر. و نحن لا نطعن بمصداقية او بكفائه السيد هوشيار هنا، و لكن نريد تحليل محتوى هذه المقابلات و مدى علاقتها بالترشيح المستقبلي لمنصب رئيس جمهورية العراق و خاصة ان هذه المقابلات استحوذت على نسبة عالية جدا من القراءات.
من المعروف ان منصب رئيس الجمهورية العراقي هو اقرب ما يكون الى البروتوكولي و له صلاحيات محددة. ولقد وضعت طريقه اختيار رئيس الجمهورية في الدستور بشكل غريب، لان مدة ولاية رئيس الجمهورية تنتهي بولاية مجلس النواب، و يجب انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال ثلاثين يوما من انعقاد مجلس النواب الجديد. ففي اول اجتماع للبرلمان العراقي يتم انتخاب رئيس له، ثم يتم انتخاب رئيس الجمهورية، الذي يقوم بتكليف مرشح الكتلة الاكبر بتشكيل الوزارة، و بسبب تكوين المجتمع العراقي و الوضع السياسي له و طريقه تكوين الاحزاب و الكتل السياسية الحالي، تقسم المناصب السيادية الثلاثة رئاسة الجمهورية، و رئاسة الوزراء و رئاسة مجلس النواب بين المكونات الرئيسية للشعب العراقي على الطريقة اللبنانية، و لكن من دون وجود نص بذلك بل اصبح من الاعراف، و نتمنى ان نتخلص من ذلك قريبا، عند تكوين احزاب و كتل عابره للطوائف و القوميات.
يحاول السيد هوشيار اولا طمئنة التكتل الوطني العراقي، و الذي يشمل الاحزاب الشيعية، بانه لا يعادي ايران لذلك يذكر هوشيار الإيرانيين بايجابية، فهم كانوا يريدون إفشال الأميركيين والوجود العسكري الأميركي لا إفشال التجربة الديموقراطية، و بان معظم القيادات الإيرانية من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي إلى الرؤساء محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني وأحمدي نجاد إلى قاسم سليماني تعاملوا بذكاء وحنكة مع السلطة الجديدة في العراق ومن باب الأمر الواقع، وعندما اسقطت أميركا أكبر وألد أعداء إيران، فبالتأكيد كان ذلك مفرحاً لهم، لذلك كان من منطق الأمور أن يساعدوا لا أن يعرقلوا التغيير، لذلك كان أحمدي نجاد أول رئيس يزور العراق سنة 2007، والايرانيون تصرفوا بطريقة مختلفة عن الدول العربية في تعاملهم مع الوضع العراقي.
و في نفس الوقت لا ينكر بان الايرانيين يريدون بالتأكيد أن يكون العراق تحت تأثيرهم ونفوذهم، ولكنهم يعرفون أن الوطنية العراقية قوية جداً، حتى في الجنوب وحتى عند الشيعة أنفسهم، لذلك يريد الايرانيون أن تكون الحكومة العراقية حكومة صديقة.
و في نفس الوقت يود هوشيار اعلام القائمة العراقية، بما تمثلها من قوى سنية و ليبرالية، بانه ضد مطامع ايران. فهو الذي منع ابراهيم الجعفري عند زيارته لايران بتوقيع بيان مشترك يتضمن ذِكراً لاتفاقية الجزائر عام 1975،على الرغم من الحاح الجانب الايراني بشده للتوقيع، لما له من تاثير سئ على وضع العراق. وكرر هوشيار نفس الشئ خلال زيارة المالكي الأولى الى ايران بعد تعيينه رئيساً للوزراء و استطاع منع المالكي من التوقيع. فاذا كان موقفه صلبا اتجاه ايران و هو وزير خارجية و لصالح العراق، فان موقفه حتما سيكون اصلب و هو في منصب الرئيس.
و هو ضد التدخل التركي ايضا بمنعه لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو من زياره كركوك بعد وصوله لبغداد، على الرغم من توسط رئيس الجمهورية و رئيس الإقليم مسعود البرزاني لتسهيل الزياره، لان ذلك قد يخلق مشاكل مع الحكومة المركزية و مع المالكي و من المهم الحفاظ على استقرار العراق السياسي. وفي المقابل يمنع المالكي من التوقيع في تركيا على بيان يشير لحزب العمال الكردستاني، حزب عبد الله اوجلان، بكونه ارهابيا، لان ذلك قد يدخل المالكي باشكالية مع التكتل الكردستاني في العراق.
و يشير الى موقفه الحازم بمنعه لاحياء اتفاقية وقعت في زمن صدام، بالسماح للجيش التركي بالدخول للعراق، في حين ان رئيس الوزراء و وزير الداخلية كانوا موافقين على ذلك، لانه يحترم قسمه على القران بالحفاظ على سياده العراق و مياهه و اراضيه، و كأنما الاخرين لا يعتبرون دخول الجيش التركي اخلال بسياده العراق، او انهم لا يحترمون قسمهم.
اما عن موقفه من الدول العربية، فهنا الكردي العراقي هوشيار، ينصح رئيس الوزراء العربي، السيد المالكي بمساعدة الفلسطينيين ماليا, ويسهل صرف عشرة ملايين دولار تبرعت فيها الحكومة العراقية إلى السلطة الفلسطينية في مؤتمر القمة الاستثنائي في مكة. اضافه الى مساهمة العراق بمبلغ 25 مليون دولار لتخفيف الوضع المعيشي للشعب الفلسطيني الصعب ووجود التزامات سابقة للسلطه ورواتب الموظفين، و يقوم بالاتصال بالرئيس محمود عباس، لابلاغه بالامر. ويبلغ السيد المالكي بضروره الايفاء بالتزاماته تجاه حكومات الربيع العربي الجديده في تونس وليبيا ووعده اياهم بإطلاق سراح معتقلين لهم في العراق بتهم دخول (غير شرعي) أو إرهاب أو أحكام مخففة ولم يتم باطلاق سراحهم. و كذلك وعد رئيس الوزراء للمسؤولين الصوماليين بإعطائهم سلاحاً لقوى الأمن الداخلي ، و وعده لمسؤولي جزر القمر و جيبوتي بتنفيذ مشاريع لديهم و لم ينفذ ذلك.
اما بالنسبة لدول الخليج العربي، فانه حاول ارضاء معضم الدول وكذلك الكتلتين السياسيتين في العراق، التحالف الوطني و العراقية، فهو لم يذكر الامارات العربية و سلطنه عمان، لانه لا خلاف عليهما من قبل القوى السياسية، في حين امتدح
البحرين و الكويت و قطر و بشكل حيادي. فملك البحرين حمد بن عيسى نصحه في اول لقاء قائلاً "أنت وزير خارجية كردي لدولة عربية مهمة، وربما من أهم الدول العربية، ومن خلال خبرتي المحدودة أعطيك نصيحتين: الأولى أن تنسى قوميتك وتعمل للعراق وتمثل مصالحه بتجرّد ونكران ذات، وأنت قدير ولغتك الإنكليزية جيدة وتتحدثها بطلاقة وكذلك لغتك العربية، والثانية أن تلتفت دائماً إلى محدودية الجدية في المواقف والسياسات العربية"، و هنا يحاول هوشيار اثبات انتمائه للعراق اولا، و يقوم باخبار الملك حمد لاحقا ان السياسات العربية جدية عكس ما يتصوره الملك و يشيد بان البحرينيين كانوا من أكثر الدول العربية تفهماً، وفي جميع الاجتماعات العربية وقفوا موقفاً متميزاً إلى جانب العراق وعملوا على تلبية كل ما يطلبه.
واشاد بمواقف قطر والمغرب والكويت التي سهلت رجوع العراق للجامعة العربية، و خاصه الكويت التي دعمت بشده انعقاد القمة العربية في بغداد و حضرها الامير بنفسه في حين قاطعها الاخرون. و حتى مشكلة استقطاع الخمسة في المئة من مبيعات النفط لصالح الكويت، و التي يعاني جميع العراقيين منها، فان هوشيار يلمح بانه يستطيع ايجاد حل معقول للموضوع، بذكره لقول امير الكويت "هل رأيت يوماً شخصاً تصله مبالغ مالية من دون أي عناء ويرفضها؟". وهي اشارة واضحة من هوشيار الى عدم جدية المسؤولين العراقيين الذين يمسكون بملف الكويت المالي في التوصل لحل عادل للعراق.
و حاول هوشيار معالجه الموقف السعودي من العراق بطريقه دبلوماسية، و اظهار ان المشكلة قد تكون شخصية بين الملك عبد الله و السيد المالكي و انه حاول الجمع بينهم و لم يستطع. في حين استقبل الملك عبدالله في مؤتمر القمه العربي، هوشيار و وزير المالية باقر بيان جبر الزبيدي و القيادي في التحالف الوطني، ورحب بأهل العراق. و اشاد بمواقف الامير سلطان و محاولته عقد قمة عربية تخصص للعراق لا يبحث فيها أي موضوع آخر ولا حتى فلسطين. و كذلك مواقف الأمير سعود والأمير مقرن.
و يبقى موقفه من سوريا واضحا، فالسوريون كانوا يريدون إفشال الأميركيين والتجربة الديموقراطية في العراق ، وساهم بشار الاسد في الوضع الذي أدى عملياً إلى مقتل عشرات الآلاف من العراقيين. و هي شنت حرباً مفتوحة على العراق و ساهمت بعمليات تسلل من سوريةادت الى تفجيرات استهدفت وزارات عراقية عدة بينها الخارجية، و اصرارهوشيار مع السيد المالكي التوجه إلى مجلس الأمن لتحويل النظام السوري إلى المحكمة الدولية، و لكن لم يوافق رئيس الجمهورية ونواب الرئيس والبرلمان والدول العربية وأميركا على ذلك في حينه، و هي اشارة واضحة على انقلاب المواقف، و لكن بقي موقفه صحيحا.
و يحاول هوشيار ايصال رسالة واضحة للعراقيين بانه الاصلح لشغر منصب رئيس الجمهورية، فهو استطاع استرجاع مقعد العراق في الجامعة العربية بمجهود شخصي منه، و تمكن من اقناع الدول العربية و حتى المتشددة منها مثل ليبيا بصواب الطريقة التي تم فيها اقصاء النظام السابق، بل ان رافع راية العروبة حينئذ معمر القذافي كان يحترم وزير الخارجي الكردي اكثر من رئيس الجمهورية العربي غازي الياور. و هو استطاع اقناع العقيد العنيد معمر بعقد مؤتمر القمة في بغداد في حين فشل الملوك و القاده العرب.
ان اهم رسالة يود هوشيار توصيلها للعراقيين بان المصالحة الوطنية في العراق بدأت في وزارة الخارجية. باقصائه المتورطين باعتداءات ضد العراقيين و لكن مع المحافظة على الجسد الأساسي للديبلوماسية العراقية، والمسير خطوة خطوة لبناء وزارة تهتم بسيادة العراق ومصالحه وتمثيله. و قيامه بتخفيف هويته العِرقية وأن تطغى عليه الهوية العراقية فلا يكون منحازاً أو مؤيداً لحقوق الأكراد في المسائل الخلافية و هو قد نجح في ذلك، و سينجح في رئاسة الجمهورية ايضا.
و لم ينس هوشيار من توجيه رسالة للاكراد ايضا. فمن المعلوم للمطلعين على تأريخ كردستان العراق الحديث و الحركة الكردية و كما اشار اليه السيد هوشيار في اخر حلقه. ان العشيره الكبيره زيبار، و التي تم تسمية ناحية على اسمها ، ثم اصبحت لاحقا قضاءا تابعا لمحافظة اربيل، كانت على خلاف كبيرمع عشيرة برزاني، و مهادنة في معضم الوقت مع الحكومات المتعاقبة في بغداد، و لكن لم يمنع ذلك من تعرضها الى مضايقات من قبل حكومة بغداد في الحكم الملكي و خاصة عندما تكون هنالك هدنة بين الثوار البرزانيين و حكومه بغداد. و كان الزيباريون يشكلون العمود الفقري لما كان يطلق عليه فرسان صلاح الدين و الموالية لبغداد في ستينيات القرن الماضي، و كان الاكراد يطلقون عليهم لقبا اخر، و استمر هذا التحالف مع بغداد لحين سقوطها عام 2003. ولكن لم يمنع ذلك من التحاق الكثير من الزيباريين بالثورة الكردية و تعرضهم للقمع الشديد من النظام السابق، وان اشارته الى اعتقاله لمده يومين في قصر النهاية المرعب، تاكيد بانه عانى ايضا من ظلم النظام السابق له ومعاناته من ملاحقات النظام له، فهو ايضا خسر اخا له على يد النظام، على الرغم من وجود اخرين مع النظام.
اعتقد ان هذه الطريقة و الاسلوب لطرح المرشحين لاي منصب سيادي في العراق، هي خطوة للامام باحترام عقلية المواطن العراقي، و نأمل ان يقوم معضم الساسة مستقبلا بالتعريف عن انفسهم بهذا الوضوح.
مهند البياتي
اكاديمي مقيم في الامارات